تقرير سري من مخبر عتيق
... قادتني المصادفة إلى حضور المؤتمر الدولي الألف للمرتشين، والذي يُعقد كل خمس سنوات مرة، في إحدى عواصم العالم والتي هي من أكثر عواصم العالم فساداً، حيث تزدهر الرشوة، ويعيش المرتشون والراشون حياة رغيدة، ويتمتعون بنفوذ إداري، واجتماعي، وبالتأكيد اقتصادي، وإلى حد (ما) سياسي، ويشار إليهم بالبنان، ولهم تصنيفات خاصة، فهناك مرتش بنجمة واحدة، وآخر بنجمتين.. إلى أن نصل إلى النجوم العشر..!
وهذه التصنيفات تنسحب على الراشي والرائش «الوسيط بينهما»!
الحقيقة أنني كنت هناك لحضور مؤتمر دولي في نفس الفندق الذي يُعقد فيه مؤتمر المرتشين، واعتقدت أن قاعة المؤتمر الذي حضرتُ للمشاركة فيه هي القاعة التي دخلتها، وحسبت نفسي لوهلة بأنني متأخر عن الحضور، لذلك جلست في أقرب مقعد خالٍ.
بعد برهة دخل رجل آخر وجلس بجانبي الأيمن، ثم آخر جلس بالجانب الأيسر، هنا هدأت نفسي واطمأننت بأنني لست متأخراً، وبأن الافتتاح لم يبدأ بعد، فبدأت بتفرس الوجوه، والنظر إلى الناس، وإذ بي لاأعرف أحداً من الحاضرين والذين كان معظمهم من كبار السن، انتظرت قليلاً، وإذ بثلاثة رجال يدخلون من الباب الخلفي للمنصة، وجلسوا في صدر المنصة، الكبير في الوسط، واثنان ممن تبدو عليهم الوجاهة والأناقة والنظافة جلسوا عند جانبيه.
وإذ بكبيرهم يقف، ووقف الاثنان، ومن ثم جميع من في الصالة، لذا وقفت أنا أيضاً مع الواقفين..!
قال الكبير: نفتتح مؤتمرنا هذا بالوقوف دقيقة صمت على أرواح شهدائنا، ونعلن تضامننا مع كل مساجين الرشوة في العالم..!! لانفرق بين دين ومذهب، ولابين عرق وعرق آخر، ولابين امرأة ورجل.! وأضاف إن مؤتمرنا هذا يُعقد تحت شعار «يامرتشي العالم اتحدوا)!
وتابع قائلاً: إن هذا الشعار مشتق من نقاشات وطول جدل، وذلك بعد الانشقاقات التي لوحظت بين صفوف المرتشين..! وظهور بعض التيارات الجديدة، والتي تدَّعي أن الأساليب القديمة في الرشوة تعيق الحركة، وتؤثر سلباً على التطور والازدهار الإنساني، حيث أن هذه الأساليب انعكست على الانجازات الاقتصادية في العالم أجمع، ولهذا السبب فإن مقولات جديدة ذات طابع حداثي بدأت تطفو على السطح، وأن ثقافة جديدة بدأت تحتل مساحات، ويقولون إن العقل القديم لم يعد نافعاً، ونتيجة لذلك، فإن الكثير من الإخوة المرتشين قد أُدخلوا السجون، والبعض منهم أقدم على الانتحار، وذلك نتيجة للطفرة الجديدة في التكنولوجيا وتقدم العلم حيث أصبحت بعض البؤر النظيفة في الدولة تطور أدواتها الأمنية، والحقوقية، وظهرت حركات مضادة للرشوة، وصدرت توصيات من الأمم المتحدة لمكافحة الفساد «أي الرشوة» حيث تصدر الأمم المتحدة تقريراً دورياً عن ذلك، فيما دخل إلى دائرة المرتشين أناس جدد، دافعهم الطمع، وأسلوبهم هو الجشعْ، مما أوقع حركتنا وعلى الصعيد العالمي في «حَيْصَ بَيْصْ» وظهرت الانشقاقات والأفكار الجديدة، وهذا ماأدى إلى صراعات بين الإخوة المرتشين ،الأمر الذي أودى ببعضهم إلى غرف السجون، وهذه ثالثة الأثافي، إذ نحن الآن على مفترق طرق، سماته فكرية، وأخلاقية، وذاتية، وموضوعية، لها أسبابها الموجبة، ومن هنا ظهرت الانقسامات، واليوم علينا أن نعيد النظر في الفكر، والسلوك، ونحدد من جديد الأدوات والأساليب، وأرجو أن نختتم مؤتمرنا هذا، بوثيقة فكرية، ومن ثم ميثاق مشرِّف للرشوة العالمية..!!
يتبع في العدد القادم!!.؟
■ فؤاد بلاط