سياسة اقتصادية دون ضوابط.. هل الهدف هو ضرب الصناعة الوطنية وتصفية القطاع العام
إذا كانت شركات ومؤسسات القطاع العام تشكو ومنذ سنوات من إغراق أسواقنا بسلع ومنتجات مستوردة، مع انعدام ظروف المنافسة أمام القطاع العام المكبل عن سبق الإصرار والتصميم بحزمة من التشريعات والقوانين التي تعيق عمله بشكل شبه تام، فإن شركات القطاع الخاص بدأت الآن تشكو وهي في طريقها إلى الانهيار أمام إغراق الأسواق.
اقتصاد السوق؟ نعم. سياسة اقتصادية ليبرالية.. أيضاً نعم، ولكن السؤال: أليس هناك ضوابط لكل هذه الفوضى؟
نعم، هناك ضوابط في أغنى البلدان الرأسمالية في الولايات المتحدة الأمريكية وفي فرنسا وفي انكلترا ولن نذهب بعيداً، الأردن سنت قوانين في بداية برامجها الاقتصادية وفي بداية التصحيح الهيكلي لتحافظ على مصالح المنتج والمستهلك..
أميركا تحمي صناعاتها الوطنية من خلال القوانين، وقد ورد بأن هناك دعوى مرفوعة من المنتجين الصغار ضد شركة «مايكروسوفت» أكبر شركات الكومبيوتر في العالم..
حتى في مصر تحقق وزارة التجارة المصرفية في شكوى إغراق تقدمت بها شركة مصرية منتجة للأقلام الرصاص ضد الواردات المماثلة من الهند وتايوان وأندونيسيا التي تباع سلعها بأسعار مغرية، وهناك جهاز اسمه جهاز مكافحة الدعم والإغراق تابع لوزارة التجارة المصرية. وقد تبين من خلال التحقيقات وجود أدلة كافية على وقوع ضرر مادي على الصناعة المصرية تزايد الواردات وتم فرض رسوم على الأقلام الواردة من الصين تتراوح نسبتها ما بين 115% ـ 233%، كذلك رسوم على اللمبات الكهربائية ورسوم إغراق على الواردات من الإطارات ذات المنشأ الفرنسي أو الياباني أو من كوريا الجنوبية أو الاتحاد الأوربي وذلك لمدة 5 سنوات بنسب تتراوح ما بين 44% إلى 89%، ورسوم إغراق على ألواح الصلب من روسيا وأوكرانيا.
جميع البلدان التي سنت قوانين لحماية صناعاتها الوطنية هي بلدان رأسمالية، وهنا نصاب بالعجب في سورية أمام الفريق الاقتصادي، والذي يبدي حماساً منقطع النظير للانفتاح ولليبرالية الحديثة في سورية ولتحرير التجارة، وكان من نتائج ذلك حتى الآن: إيصال القطاع العام إلى ما وصل إليه رغم المشاريع الإصلاحية العديدة، والتي لم ينفذ منها شيء، بل إن ما ينفذ سياسة اقتصادية واضحة هدفها: تصفية شركات القطاع العام الخاسرة، وإيصال الشركات الرابحة إلى الخسارة خلال فترة قصيرة، وهو نوع من التحايل من الفريق الاقتصادي، على العمال والنقابات وعلى جميع الذين يؤمنون بالقطاع العام ودوره الاجتماعي.
ونستطيع هنا استعراض شركات عديدة تم إيصالها إلى نهايتها أمام المزاحمة والإغراق، المزاحمة مع الإنتاج المحلي... وإغراق السوق بالمستورد.
• الوليد للميكروباص في حمص، تركت مديريات الكهرباء تستورد وتستجر أبراجاً من الخارج وانتهى المعمل.
• الإطارات، إغراق البلد بالمستورد من كل الأنواع دون فرض رسوم إغراق وتوقفت الشركة عن الإنتاج.
• الشركة العربية لصناعة الأخشاب في اللاذقية والتي كانت تضم 700 عاملاً، وأصبح عدد العمال الآن 150 عاملاً وهي متوقفة منذ عام 2002 وسبب توقفها استيراد الأخشاب الرديئة، وعدم دعمها بالسيولة لتأمين جذوع الأشجار وقد طلبت مساعدة من الجهات الوصائية ورفض طلبها، وعرضت للاستثمار ولم يتقدم أحد، وعرضت للشراكة وأقلع الجميع عنها وهي بحاجة إلى 50 مليون ل.س فقط.
• أيضاً الشركة العامة للمحركات الكهربائية والمحولات في حلب توقفت عن العمل رغم أنها تضم مصنعاً للقطع التبديلية ومصنعاً للخزانات الكهربائية وتستطيع تصنيع «ترانسات نيون» وسبب توقفها وجود ورشات غير مرخصة والاستيراد.
ونصاب بالعجب أيضاً عندما نعلم بأن شركة كابلات حلب طلبت قرضاً لتطويرها وتحديثها وكان رأي اللجنة الاقتصادية بل كان الشرط أن تكون مشتريات وزارة الكهرباء والاتصالات من الكابلات بطريقة تنافسية مع القطاع الخاص، بمعنى أن لا تبقى مشتريات هاتين الوزارتين حكراً على كابلات حلب، وطلبت اللجنة رأي وزارة الصناعة، وكان رأي الوزارة صائباً حيث أنها طلبت أولاً: إزالة العوائق من أمام الشركة، العوائق القانونية والتشريعية والمركزية ومنحها المرونة الكافية والاستقلالية لكي تستطيع أن تنافس ما ينتج في القطاع الخاص، أو ما هو مستورد، رغم أن الشركة رابحة في العام 2005 /600/ مليون ل.س.
هنا نسأل:
ما يعني رأي اللجنة الاقتصادية؟
هل يعني بشكل واضح إيصال هذه الشركة إلى الخسارة ومن ثم إلى التوقف الكامل، وبعد ذلك نقرأ تصريحات تقول لا خصخصة ولا بيع للقطاع العام وسوف ندعم القطاع العام، ولا تسريح للعمال ولا انتقاص من الحقوق المكتسبة ومفردات عديدة تتكرر ونحن شهود على سياسة اقتصادية ليبرالية هدفها قتل الصناعة الوطنية في القطاعين العام والخاص وتطفيش العمالة من القطاع العام بهدوء .
■ نزار عادلة