مجلس الشعب للحكومة في مناقشة الموازنة: لماذا لا تنعكس أرقام النمو المعلنة على معيشة الناس؟

خيمت التصريحات المتناقضة للفريق الاقتصادي حول آثار الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد السوري على مداخلات أعضاء مجلس الشعب في مناقشتهم لبيان الحكومة المالي حول مشروع الموازنة العامة للدولة للعام /2009/.

تساؤلات النواب أبرزت رغبتهم في معرفة توجهات الحكومة وخططها لآلية خفض العجز في الموازنة البالغ / 058ر226/ مليار ل.س، خاصة وأنها تعتمد بشكل رئيسي على إيرادات النفط الذي إذا استمرت أسعاره بالانخفاض، فسيعني ذلك انخفاض الإيرادات المتوقعة في الموازنة والمقدرة بـ/458942/ مليون ل.س، وارتفاع نسبة العجز.

 

فقد جاء في بيان الحكومة أن الأزمة المالية لها منعكسات وآثار على الاقتصادين العربي والسوري، وأن هناك مخاوف من تحولها من إطارها المالي إلى أزمات في أسعار الصرف، أو إلى أزمات في قطاعات الاقتصاد الحقيقي، وهذا سيجعل الاقتصاد العالمي أمام مرحلة من الكساد لن يخرج منها إلا بعد مضي سنوات عديدة وبتكاليف باهظة الثمن، وان آثار هذه الأزمة ستكون أقل على الاقتصاد السوري بالمقارنة مع غيره من اقتصاديات دول المنطقة، إلا أن أثاراً عديدة لحقت بالاقتصاد السوري وستلحق به، خاصة في انخفاض أسعار النفط  الذي سيؤثر على انخفاض إيرادات موازنة عام /2009/ وانخفاض الاستثمار الخاص، وخاصة الأجنبي، بالإضافة إلى الضرر الذي يمكن أن يلحق بفرص العمل للسوريين في الخارج وتأثر تحويلاتهم إلى سورية.

وعلى الرغم من تأكيد الحكومة في بيانها أنها ستبقى مصرة على دور تدخلي للدولة في تنظيم الاقتصاد والنظامين المالي والمصرفي، على ألا يكون دوراً احتكاريا أو متفرداً، إلا أن أعضاء مجلس الشعب أجمعوا على ضرورة العودة لدور الدولة التدخلي والإشرافي والرقابي الكامل بعد أن أثبتت الأيام والأحداث المالية العالمية أن تراجع دور الدولة كان السبب الرئيسي لهذه الأزمة التي طالت تداعياتها دول العالم أجمع. وضرورة أن يعيد الفريق المنادي بالليبرالية الجديدة النظر في سعيه لتخفيف دور الدولة إلى الإشراف فقط، والتوجه نحو خصخصة القطاع العام الواضح في عدد من الخطوات التي اتخذت.

وتم  التركيز في المداخلات على ضرورة إصلاح القطاع العام لأنه الداعم الحقيقي لقرار الدولة السياسي والاقتصادي، ولعدم خضوع الدولة لضغوطات وشروط خارجية، ولكي  لايصبح الاقتصاد الوطني ملك فئة من التجار والمحتكرين وجهات خارجية تتحكم بحياة الشعب ومستلزمات وجوده.

ووضعت الحكومة في بيانها جملة من الإجراءات التي ستستمر في متابعة تنفيذها لمعالجة العجوز، أهمها معالجة أوضاع المؤسسات والشركات الاقتصادية العامة وإعادة تأهيل البعض منها أو تحويل المنشآت للبعض الآخر أو استخدام أصول بعض هذه الشركات والمؤسسات لأغراض أخرى، والإسراع بإنجاز المشاريع الاستثمارية..

وإذا عدنا إلى أرقام الموازنة وهيكليتها، فقد بلغ مجموع اعتمادات الموازنة العامة /685/ مليار ل.س، بنسبة زيادة قدرها 2. 14 % عن موازنة عام /2008/، خصص منها/410/ مليار ل.س اعتمادات للعمليات الجارية، و/275/ مليار ليرة اعتمادات للعمليات الاستثمارية، أي بزيادة قدرها 81. 10 % للعمليات الجارية، و56. 19 % للعمليات الاستثمارية.

وقدرت الإيرادات المحلية الجارية في مشروع الموازنة بمبلغ /458942/ مليون ليرة سورية بزيادة قدرها /51142/ مليون  ليرة عن إيرادات عام /2008/ وبنسبة زيادة 5. 12 % حيث قدرت الايرادات النفطية بمبلغ /110700/ مليون ل.س، أي بنسبة 12. 24 % من إجمالي الإيرادات المحلية الذاتية.

وتوزعت الاعتمادات بنسبة 69. 64 % للخدمات الجماعية والاجتماعية والشخصية  للإنفاق الجاري وبنسبة 35. 27 % للإنفاق الاستثماري، وبالنسبة للخدمات الاقتصادية، فبلغت النسبة 21. 29 % للإنفاق الجاري، و52 % للإنفاق الاستثماري و1. 6 % لاعتمادات غير موزعة للإنفاق الجاري و/65. 20/ للإنفاق الاستثماري.. وتشمل الاعتمادات غير الموزعة اعتمادات احتياطية للمشاريع الاستثمارية ومساهمة الدولة في تثبيت الأسعار ورؤوس الأموال العاملة لجهات القطاع العام.. وعلى الرغم من الارتفاع الكبير للأسعار والذي طال جميع المواد الاستهلاكية والغذائية والتي أثرت على مستوى الشريحة الأكبر في المجتمع من الفقراء والأشد فقراً إلا أن الحكومة لم تخصص سوى /25/ مليار ل.س لتثبيت الأسعار.

وتركزت الكتل الأساسية لاعتمادات الخدمات الاقتصادية على الصناعة والتعدين والطاقة بنسبة 82. 27 %، وللنقل والمواصلات والتخزين بنسبة 1ر14%، والاقتصاد والمال بنسبة 43%، والزراعة والري هذا القطاع الأهم والذي يعاني من مشاكل عديدة بنسبة /73. 11 %/... وتركزت كتل الاعتمادات الرئيسية في الخدمات الاجتماعية بنسبة 1ر34% للتربية والتعليم، وللرعاية الاجتماعية والصحة نسبة 35. 10 %.

والاعتمادات المخصصة للمحافظات في مشروع الموازنة تبلغ /97834/ مليون ل.س بالإضافة إلى /2650/ مليون ل.س اعتمادات الموازنات غير الداخلة بالخطة و/6500/ مليون ل.س اعتمادات الموازنات المستقلة للوحدات الإدارية المحلية ويبلغ إجمالي الموارد الذاتية لمجالس المدن والبلدان والبلديات المقدرة في الموازنة  /9816/ مليون ل.س.

وركزت آراء كثيرة لأعضاء السلطة التشريعية على الأرقام الواردة في الموازنة التي وصفتها الحكومة في بيانها بالتفاؤلية، فأكدت أن هذه «التفاؤلية» لم تنعكس على مستوى المعيشة المتدهور للمواطن، ولم تأخذ بالاعتبار ردم الفجوة بين الأسعار والأجور ولم تركز على دعم القطاع الزراعي والفلاحين في ظل هذه الظروف المناخية والسعرية التي تتعرض لها الزراعة، وخاصة الاستراتيجية منها، لتحقيق الأمن الغذائي، وغياب الخطط عن التوسع في الزراعة، وأن أرقام النمو المعلنة لايلمسها المواطن ولا تنعكس على مستوى معيشته  وبضرورة حماية الاقتصاد الوطني والحد من الفساد والهدر الحكومي وضرورة إيجاد مجالات جديدة للاستثمار والإنتاج والتركيز على القطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية ذات الجدوى الاقتصادية والتي تخلق فرص عمل لامتصاص البطالة المتزايدة لزيادة الإيرادات بدلاً من زيادة الضرائب والرسوم الجديدة، وتشغيل أموال التأمينات الاجتماعية في مشاريع استثمارية بدلاً من تكديسها وتأمين الخدمات للمواطنين وخاصة الماء والكهرباء وتوسيع الطرقات وإنشاء الجسور والأنفاق لحل المشكلة المرورية وتخفيض أسعار المحروقات بعد انخفاضه عالمياً، وإعادة النظر بموضوع رفع الدعم وضرورة تشميل المزارعين بالمحروقات المدعومة وإعادة النظر بالنظام الضريبي وضبط التهرب الضريبي من خلال آلية جباية متطورة لكي لايستمر الضعفاء بتحمل الجزء الأكبر من الضرائب.

وبينت المداخلات أن الأزمة المالية جاءت لوقف اندفاع الفريق الاقتصادي لتحرير التجارة والسلع والخدمات، ووقف الشكوى المتكررة من القطاع العام وخسائره لتبرير بيعه وخصخصته.

والتزم د.محمد الحسين وزير المالية في إجاباته على مداخلات الأعضاء بما جاء في بيان الحكومة، واعتذر عن تبرير تصريحات الفريق الاقتصادي المتناقضة بقوله: «كل شخص مسؤول عن كلامه وتصريحاته وعن توضيحها».