د. منير الحمش لـ «قاسيون»: رفع الدعم هو «إعلان فشل» للحكومة وفريقها الاقتصادي
أحدثت طروحات الحكومة المتعلقة بـ«إعادة توزيع الدعم» استياء عاماً في الأوساط الشعبية والأكاديمية الوطنية، وتسببت بفوضى عارمة في جميع المناحي الاقتصادية والاجتماعية والخدمية، وولدت قلقاً كبيراً لدى الشرائح الفقيرة، وهي الغالبة في بلدنا، خصوصاً أنه رافقها وتبعها ارتفاع كبير في أسعار معظم المواد، وندرة البعض الآخر، الأمر الذي فتح لمعركة كبيرة ومتشعبة بين اتجاهين متناقضين، الأول هو الاتجاه الذي يختطه الفريق الاقتصادي في الحكومة والذي لا يؤمن به معظم الشعب السوري كونه يناقض مصالحه، أما الاتجاه الثاني، فهو الاتجاه الذي مازال مصراً على أنه بإمكاننا – نحن السوريين- أن نجد بدائلنا الاقتصادية والاجتماعية الوطنية التي تناسبنا بمعزل عن وصفات صندوق النقد والبنك الدوليين.. وأملاً منا في تسليط الضوء أكثر على هذه القضية، التقينا د. منير الحمش الباحث الاقتصادي المعروف وأجرينا معه الحوار التالي:
* كما تعلمون قام الفريق الاقتصادي بخطوة مراوغة مؤخراً، إذ طرح مجدداً فكرة إعادة توزيع الدخل، وهدفه رفع الدعم كلياً. كيف تنظرون إلى هذه المسألة؟
** في الواقع أنا أراه إعلان فشل الحكومة، وفشل الفريق الاقتصادي بالتحديد، طرح الموضوع في البداية للنقاش كان خطوة جريئة. لكن يفترض أن تقبل الحكومة ويقبل الفريق الاقتصادي بالرأي العام الذي أعلن معارضته لهذا الاتجاه، وأن يعملوا على تصحيح الأوضاع الناجمة عن هذا الإعلان. مجرد الإعلان عما يدعى إعادة توزيع الدخل بدأت الأسعار بالارتفاع، وازدادت فوضى السوق التي كانت موجودة من قبل، على نطاق واسع، فكان الأجدى بالحكومة أن، تدرس هذه النتائج بعناية وتعلن فشلها وتراجعها عن هذا القرار. لكن بدلاً من ذلك تعلن عن تصميمها ورغبتها بالإمعان في هذا الاتجاه تحت عنوان إعادة هيكلة الدعم أو إيصال الدعم إلى مستحقيه، وكلاهما كذبة كبرى. ليس هناك موضوع إيصال الدعم إلى مستحقيه يمكن أن نصل إليه لأن هذه تحتاج لآليات غير متوفرة، وإلى إعادة هيكلة للاقتصاد الوطني بكامله. لهذا كنت أتمنى من الفريق الاقتصادي أن يعلن فشله وتراجعه عن هذه الخطوة، خاصة أنها تعارض ما سبق أن أعلنه السيد الرئيس في خطاب القسم. طرح المسألة بهذه الطريقة هي استخفاف بآراء الناس، ورغبات المواطنين واستغباء لهم. يبدؤون بالرأي والمناقشة وفي الوقت نفسه يستمرون في انتهاج ما يرون. بمعنى آخر: «قولوا ما تشاؤون ونحن نفعل ما نشاء». هذا بالفعل ما تقوم به الإدارة الاقتصادية.
* عدم العودة عن مقترح رفع الدعم هو مكابرة أم استمرار لخطة معدة مسبقة يراد تكريسها، وفرضها مهما كلف الأمر؟! ثم إنكم وقفتم كثيراً عند نقطة رفع الدعم. بالمعنى العام ما مخاطر رفع الدعم أصلاً؟
** منذ البداية طرحت الأمر على شكل آخر، المسألة ليست رفع دعم أسعار بعض المواد وبالتالي تقديمها بأسعار معقولة ضمن مستويات المعيشة، ومستوى دخل المواطنين المسألة أبعد من هذا. هي تتعلق بالسياسات الاقتصادية الكلية. ومن الصعب أن يمرر هذا المشروع وكأنه قضية أسعار، ودعم يراد تخفيضه، أو أنه ناجم عن عجز في الموازنة. المسألة تتعلق بالسياسات الاقتصادية الكلية التي تم انتهاجها من الفريق الاقتصادي منذ عام 2000 وما بعد ذلك، وتم تكريسها في الخطة الخمسية العاشرة التي اعتمدت الليبرالية الاقتصادية الجديدة منهجاً. المسألة يجب أن تناقش من هنا. لكن الفريق الاقتصادي كان دائماً يتهرب من مناقشة الموضوع على هذا النحو، ويريد أن يقتطع الاقتصاد السوري قطعة قطعة، ويضعه في سلة السياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة.
المخاطر الأولية لرفع الدعم ما حصل من ارتفاعات هائلة في أسعار المواد في السوق المحلية، وفي الفوضى السعرية التي نعيشها. الحقيقة رفض رفع الدعم يجب أن يناقش في ظل السياسات الاقتصادية، والنهج الاقتصادي، أي قرار اقتصادي يجب أن ينظر إليه من زاوية ماذا يخدم هذا القرار. هل هذا القرار يفيد الاقتصاد الوطني؟ هل يفيد عملية التنمية؟ هل يأتي في إطار مصالح الناس، أم أن هذا القرار يأتي ضدها وضد التنمية والتقدم والاقتصاد الوطني؟؟. أنا أرجو أن نناقش أي موضوع من خلال هذه الخيمة من الأسئلة، فإذا عدنا لمسألة الدعم يجب أن ينظر إليه من زاوية لماذا الدعم؟ وماذا يخدم؟
الدول الصناعية المتقدمة ومنذ نشأتها تقدم دعماً للمستهلك، والمنتج والمزارع والصناعي، وللتصدير. الدعم مسألة جوهرية من وظائف الدولة خاصة في مراحل التنمية الأولى.. والدعم المقدم في سورية وفي بعض البلدان النامية يهدف إلى إزالة الخلل والتشوه الحاصل بين الدخول ومستويات المعيشة بشكل أساسي. وتشجيع زراعات معينة لتحقيق سياسات معينة. مثلاً: الاكتفاء الذاتي من الغذاء للتحرر من الضغوط الخارجية. الدولة في هذا الإطار تلجأ إلى تقديم الدعم للمزارع في إنتاج المواد الأساسية الغذائية. إذا كنا نعمد إلى تشجيع الصناعة في مجالات معينة يقدم الدعم لهذه الصناعات. وهو إما أن يقدم بشكل مباشر أو غير مباشر... مباشر:عن طريق توفير اليد العاملة، والمواد الأولية للصناعة، تقديم المواد المساعدة، تسهيل عملية الاستيراد للمواد الأولية. وغير مباشر عن طريق تخفيض التكلفة.
اليوم إذا كنا في الصناعة نهدف إلى تعزيز القدرة التنافسية لمنتجاتنا خاصة بعد الانفتاح الاقتصادي. أغلب المنتجات الأجنبية موجودة، وهي تنافس منتجاتنا الوطنية، فإذا كان الهدف تعزيز قدرة المنتجات الوطنية على التنافسية سواء الأسواق الداخلية أو الأسواق الخارجية يجب أن نسعى لتقديم المواد الأساسية، ومستلزمات الإنتاج. والطاقة تعتبر من أهم مستلزمات الإنتاج بأسعار معقولة أو منخفضة. وهذا يعتبر نوعاً من الدعم للمنتجات الوطنية.
* بهذا المعنى أنت ترى أن محاولة إلغاء الدعم هي خطوة متقدمة على طريق إلغاء دور الدولة؟
** هذا واضح، دور الدولة يتراجع في الاقتصاد والمجتمع. وهذا أحد شروط ومستلزمات الانتقال إلى اقتصاد السوق. وهو شرط من شروط ما يدعى توافق واشنطن الذي هو التقاء أهداف الصندوق والنقد الدوليين وحكومة الولايات المتحدة. وخرجوا ببرنامج بهدف تسهيل انتقال الدول ذات الاقتصاد الاشتراكي، وتحويله إلى اقتصاد السوق. وهذا تم في الدول الاشتراكية، وأغلب البلدان النامية.
* ماذا كان مصير هذه البلدان نتيجة تبعيتها اتفاق واشنطن؟
** مزيد من البطالة، مزيد من الفقر والتهميش على المستوى الداخلي والخارجي. هذا ما حصل في كل البلدان التي اضطررتها ظروفها إلى انتهاج هذا البرنامج. صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لم يكن لهما أي تواجد في سورية، ولكن اليوم نجدهما باستمرار خلف جميع السياسات الاقتصادية المتبعة لدى الفريق الاقتصادي رغم أن الفريق الاقتصادي يدّعي أنه لا يتبع الوصفات الجاهزة. وهم يعتمدون هذه الوصفات، ويطبقون مايريده الصندوق والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وآخر تقرير لصندوق النقد الدولي قدم بتاريخ 13 يوليو 2007 يقول حرفياً: ..«وقد أظهرت السلطات السورية استجابة لمشورة الصندوق». ويعطي ثناءً خاصاً لوزارة المالية في اتباعها السياسات المالية الليبرالية. وفي النهاية يقول: إن هناك قضيتين مازالتا باقيتين لسياسات البرامج. وهي قضية الدعم، وقضية ضريبة القيمة المضافة.
فإلغاء الدعم هو جزء من برنامج توافق واشنطن الذي تتهرب الإدارة الاقتصادية من الاعتراف بتأثيره ودوره، ولكن الأحداث والتقارير المكتوبة تؤكد أنهم استجابوا لمشورة الصندوق والبنك.
* حالياً أنتم أحد معارضي خطوة إلغاء الدعم. وفي هذا الإطار أنتم طرحتم مطارح بديلة لسد العجوزات. ما هذه المصادر البديلة؟!
** أولاً لست معارضاً لموضوع رفع الدعم فقط. أنا أعارض السياسات الاقتصادية الكلية التي ينتهجها الفريق الاقتصادي بكاملها. ويجب أن تناقش كحزمة كاملة. ونحن ندعو للحوار مع هذا الفريق لكنه يتهرب من أي حوار موضوعي وعلمي.
من جهة ثانية، الدعم المقدم من الحكومة في الموازنة العامة، وهنا أعود إلى تقرير صندوق النقد الدولي. يقول: إن الدعم في الموازنة.. في الميزانية الختامية.
من 2003 ـ 2004 ـ 2005 لم يتجاوز 2.3% من النفقات وهو بالأرقام العملية يساوي بحدود 20 مليار ليرة سورية، في عام 2006 وصل إلى 30 مليار ليرة سورية. عام 2007 يتوقع الصندوق أن يكون بحدود 50 مليار.
الحكومة تقول أن العجز 350 مليار في المشتقات النفطية. من أين جاء هذا الرقم؟ معروف أنه لا نفقة بدون اعتماد، والاعتماد هو هذا الموجود في الميزانية، وكل الدعم المقدم من الميزانية الحكومية إلى مختلف الأوساط هو 50 مليار ليرة!!!
* برأيك من أين أتوا بهذا الرقم الوهمي؟
** هذا الرقم الوهمي الذي تقدمه الإدارة الاقتصادية هو ناجم عن الفرق بين الأسعار العالمية، والأسعار المحلية. وهو غير دقيق، وغير صحيح، لأن النفط إنتاج محلي. أنا كمواطن لي الحق في الحصول على هذه المادة واستخدامها. إذا كان لا بد من معاملة أسعار هذه المواد وغيرها وفق الأسعار العالمية، فلتعامل بالأجور أيضاً وفق ذلك.. فلتعامل كل الخدمات وفق ذلك.
ولكن تصميم الإدارة الاقتصادية على إيهام القيادة السياسية، وإيهام الناس جعلهم يلجؤون إلى كل هذه الحيل لإقناع الجميع أن هناك عجزاً كبيراً في الموازنة.. أين هذا العجز.؟ العجز في مخيلتهم!! هم يريدون تخويف الناس والقيادة السياسية من الآثار الناجمة من هذا الدعم« الهائل» الحاصل للدعم!!
* المدافعون عن الدعم، وأنت منهم، يقترحون على هذه الحكومة، وعلى فريقها الاقتصادي مطارح أخرى يمكن أن تعوض ما تدعيه الحكومة عن عجوزات الخزينة. برأيك ما هذه المطارح؟؟
** الموازنة هي عبارة عن إيرادات ونفقات. الإيرادات هي الضرائب والضرائب تستخدم عادة ليس فقط بتأمين إيراد للدولة والخزينة. تستخدم أيضاً من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية. فيفترض أن تتوجه بشكل أساسي إلى الأغنياء، وتؤمن إيراداً للدولة، وتساعدها على تقديم خدمات للمجتمع وللفقراء، والطبقات ذات الدخل المحدود بشكل خاص. هذه وظيفة الضريبة الاقتصادية والاجتماعية. لكن الضرائب هي واحدة من الإيرادات.. في موازنتنا السورية هناك إيرادات آتية من أرباح المؤسسات الاقتصادية لكن المشكلة أن هذه المؤسسات واقعة تحت ظروف وضغوط الإدارة الاقتصادية التي تهدف إلى تصغير حجم هذه المؤسسات، وإلى إفشال دورها في إطار الخطة العامة وبالنهاية هناك أرباح تحققها هذه المؤسسات، ولو أن الإدارة الاقتصادية تحاول إخفاء هذه الأرباح، وإظهار الشركات العامة بمظهر الخاسر أو المخسر. لكن في الجانب الثاني من الموازنة التي هي النفقات كيف ننفق؟؟ وإلى أين تتوجه نفقاتنا؟! وإذا كانت إيراداتنا معينة ومحددة يجب أن يكون إنفاقنا في هذه الحدود. ومسألة التوازن والموازنة شعار قديم ومتخلف يفترض أن تضع الحكومة خطتها، ومن ثم تبحث عن مصادر التمويل لهذه الخطط.
من الملاحظ أن الفساد بوجه خاص والهدر يشكلان أحد المسارب الأساسية. فإذا أردنا المحافظة على إيراداتنا لكي توجه فعلاً ضمن الخطة الاقتصادية، وضمن ظروف البلد وأهدافه، والحفاظ على الأمن، وتعزيز دفاعاتنا؛ يجب أن نتوجه بشكل أساسي إلى القضاء على الفساد، والحد من الهدر. هذان المصدران يستطيعان توفير مصدر أساسي في الميزانية العامة.
* أين تكمن هذه المسارب الأساسية برأيك؟ أين مواقع التهرب الضريبي؟؟ وأين مواقع الهدر الأساسية؟
** أحد المسارب الأساسية هي في قطاعي النفط والاتصالات. وللأسف الاتصالات التي تعتبرها بعض الدول أهم من النفط أصبحت بيد القطاع الخاص. خاصة في المجال الخلوي وكل ما يتعلق بالانترنيت، بينما الدولة فقط بقيت في إطار الخدمات الهاتفية السلكية. ليس لدي رقم دقيق، ولكن من المؤكد أن مليارات الليرات فقدتها الخزينة من جراء خصخصة قطاع الاتصالات..
* أمام هذه الصورة، ما الخطوة، أو المناورة التالية التي قد يلجأ إليها الفريق الاقتصادي بعد هذا الاستياء العارم الذي أظهرته الجماهير؟؟ هل هم ماضون في خططهم؟! ألم يستسلموا؟! وماذا فعلوا بمسألة محاربة الفساد؟
** الفريق الاقتصادي جاء ضمن مرحلة جديدة هي مرحلة الانفتاح، واستغل موضوع رغبة القيادة السياسية في تحقيق الإصلاح، فإذ بهم ينحرفون باتجاه الليبرالية..
أريد أن أعود إلى قرار المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث الذي أقر جملة قرارات من بينها اقتصاد السوق الاجتماعي. ويتضمن هذا مسألة الهدر، والتهرب الضريبي، والكثير من القضايا التفصيلية. ولكن كعنوان أساسي كان (اقتصاد السوق الاجتماعي)، وقبل ذلك مباشرة كان الفريق الاقتصادي يسعى للتحول إلى اقتصاد السوق.. وهو لم يخفِ ذلك بل أعلنه صراحة، وبسبب الضعف العام في الثقافة الاقتصادية. استغل الفريق الافتصادي ذلك وحرف اقتصاد السوق الاجتماعي باتجاه السوق والتخلي تدريجياً عن الاجتماعي.
عدم تحديد مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي خلق نوعاً من البلبلة، بحيث أصبح كل مسؤول في الفريق الاقتصادي يفسر هذا الموضوع حسب زاويته. فوزير الاقتصاد يعتبر تحرير التجارة هو قاطرة النمو. وزير السياحة يعتبر السياحة قاطرة النمو. وزير آخر يعتبر البناء والعقارات هما قاطرة النمو . بينما لم نعد نسمع عن التنمية. في البلدان ذات التوجه الليبرالي. وخاصة البلدان الصناعية يتم الحديث عن النمو الاقتصادي. لكن في بلدان مثل بلداننا يجب أن يكون الحديث عن التنمية بمفهومها وأبعادها الشاملة والمتكاملة التي تستوعب جميع القطاعات الاقتصادية الاجتماعية لتقوم بعملية نهوض شامل لهذه القطاعات.
لقد جرى تمرير سياسات اقتصاد السوق من الفريق الاقتصادي وتم التوجه نحو سياسات مالية هدفها تخفيض الضرائب على الفئات الغنية وإبقائها على الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل، والبحث اليوم في ضريبة القيمة المضافة التي ستضاعف الضغط على الشرائح الفقيرة. وسياسة التجارة التي تقوم على الانفتاح..
* ما الخيارات الحقيقية للاقتصاد السوري الآن؟
** العودة إلى دور الدولة التنموي، وتحديد مفهوم واضح لاقتصاد السوق الاجتماعي.. أنا شخصياً ما عدت أتمسك بالتحول الاشتراكي، لكن في الوقت نفسه لا يجوز الانضواء تحت عناوين التحول نحو اقتصاد السوق باعتبار أن هذا هو الحل الوحيد. وأنه ليس من خيار أمامنا.. وبالتالي الانضواء تحت لواء الاقتصاد العالمي والعولمة، لأن هذا خيار العاجزين، وخيار الفاشلين. يجب أن أبحث عن طريقي بعيداً عن الضغوط الخارجية، وبما يسمح لي في بناء دولة قوية تستطيع أن تواجه الضغوط الخارجية. ثمة فرق بين الانضواء والاندماج في الاقتصاد العالمي وبين التعامل مع الاقتصاد العالمي.
أنا لا أدعو إلى العزلة وإلى الانكفاء لكن اقتصاد السوق الذي حصل حتى الآن هو اقتصاد القلة، واقتصاد الاحتكار والاستغلال، والتبعية لمصالح الخارج. بينما نحن نريد اقتصاد سوق اجتماعي يقوي اقتصادنا ونكرسه لخدمة موقفنا السياسي المقاوم لمواجهة الضغوط الخارجية. كان يقال لنا عندما أصدرنا البيان الأخير ضد الدعم: ما علاقة الصهيونية والإمبريالية؟ بلى هاتان لهما كل العلاقة، لأن إضعاف اقتصاد الدولة يعني إضعاف الدولة وإضعاف قدرتها التفاوضية، وإضعاف قدرة الاقتصاد على الوقوف في مواجهة ما يتم التخطيط له في الخارج ضد مصالح الوطن.
* وبالنسبة للتضخم الحاصل؟
** التضخم هو سرقة موصوفة تلجأ إليه الحكومات والطبقة الغنية لسلب كل ما بحوزة الطبقات الوسطى. لقد حصل تضخم هائل في الأسعار، وسيولد هذا المزيد من التضخم إذا ما استمر الفريق الاقتصادي في هذا الطريق. وأنا أحذر أن ذلك سيولد حالات اقتصادية واجتماعية من الصعب السيطرة عليها.
بالمناسبة لماذا الحديث فقط عن أسعار البندورة والكوسا والمستلزمات اليومية، ولماذا لا يتحدثون عن ارتفاع أسعار السكن؟
لماذا لا يدعو وزير الاقتصاد في جريدة مائة شخصية اقتصادية لمناقشة ارتفاع الأسعار في غرفة التجارة. ولماذا يحمّلون التجار والسماسرة مسؤولية ارتفاع الأسعار، بينما الواقع يؤكد أن سياساتهم من تسبب بذلك؟
لماذا لا يدعون إلى مناقشة مسألة السكن والأراضي وارتفاع أسعارها، هناك مليارات في هذا القطاع تذهب لصالح فئات محددة، وبالوقت نفسه تخلق فجوة حقيقية أمام جيل كامل من الشباب الباحثين عن سكن ولن يجدوا سكناً لهم.