مؤشر أسعار «قاسيون»: كم زادت الأسعار؟ ومن يتحمل المسؤولية؟

إن التصاعد المستمر والمخيف للأسعار، في ظل غياب الرقابة التموينية أو مشاركتها أحياناً في صنع أسباب الغلاء، وفي ظل الجمود المخيف أيضاً للرواتب والأجور، كل ذلك يهدد ويقلل من صلابة الجبهة الداخلية، وقدرتنا على المقاومة والصمود في وجه أي عدوان خارجي، وقد باتت ملامحه تلوح في الأفق، مهددة بالانفجار بين لحظة وأخرى.

في مقارنة موضوعية للدورة المعيشية خلال عام واحد، بين شهر شباط عام 2007، ونظيره من عام 2008، نرى بالرقم، الحجمَ المخيف للأزمة، بعد أن عانينا منها واقعياً، وفي كل يوم على مدار السنة. ونجد أن نسبة زيادة تكاليف المعيشة قد بلغت 50.896 %. وهنا نتساءل ما سبب هذه الأزمة، ومن الذي يقف وراءها؟ وما هو الحل؟!

في استشفاف لآراء بعض المواطنين، تكلم بعضهم بخجل، والبعض الآخر بخوف، ولكن الغالبية أحجموا عن الكلام قائلين: «ما فينا نحكي، خليها لله»، وبعضهم تلمس أسباب الأزمة بإحساسه العفوي، وقال: «إنه قرارٌ من ذوي الشأن، الذين جعلناهم نحن أصحابَ قرار، وانتخبناهم لتشريع القوانين التي تحمي المواطن، فانقلبوا علينا لتأمين مصالحهم الخاصة فقط».

ومواطن آخر قال: «إن أصحاب محلات البقالة والسمانة ما عادوا شبعوا ويضعون الأسعار على كيفهم». من هنا توجهنا بالسؤال لباعة المفرق عن سبب الغلاء، وقد أجمعوا بدون استثناء على جواب واحد: «إن الحلقة المفقودة التي يبحث عنها الجميع موجودة في سوق الهال، عند تجار الجملة، تلك المافيات التي لا تعرف كيف تتحكم بك، تضيق عليك الخناق لدرجة أنك تؤمن أنهم قوة خارقة لا يمكن اختراقها أو تجاوزها، أو العمل خارج قبضتها، فهم يسيطرون حتى على قرار لجنة تسيير أعمال سوق الهال، ودائرة التسعير، التابعتين لوزارة التموين، يتقاسمون الاحتكارات، ويضعون الأسعار كما تقتضي تماماً شروط الاحتكار والتحكم بالسعر ووجود المادة». أما أبو محمد، تاجر الجملة وخريج كلية الاقتصاد والتجارة، فتحدث إلينا بلغة الاقتصاد وأرجعها لعدة أسباب، وبالنهاية قال: «نحن نأخذ بالأسعار اعتماداً على الأسعار العالمية وحركة الاستيراد، لأن الإنتاج المحلي لم يعد يكفي حاجة المواطن السوري، وموجة الصقيع الأخيرة زادت الطين بلة، والحكومة لم تساعد الفلاح أو المزارع، أو تشاركه على أقل تقدير بجزء من الخسارة، نتيجة العوامل الجوية، فخسرنا كل شيء». وقال: «إن الروزنامة الزراعية التي تضعها وزارة الاقتصاد، لم تعد كافية، لأن الأسعار أصبحت عالية جداً، والمواطن لم يعد يحتمل، وأحياناً نضطر أن نبيع بالمفرق بدل الجملة بسبب كساد السوق».

• الدكتور نبيل مرزوق

أرقام المكتب المركزي للإحصاء مضللة

عن سبب أزمة ارتفاع الأسعار قال: «هناك حسابات قدمها المكتب المركزي للإحصاء، أقل من مؤشر قاسيون بكثير، ولكن الحقيقة إن هذه الأسعار ترتبط بالسلة نفسها، وطريقة اختيارها وتثقيلاتها، وأوزان السلع الداخلة فيها، وحتى الآن لم نصل إلى سلة موضوعية تعكس مستوى وطبيعة الاستهلاك في سورية، وبالتالي تضبط مسألة الإنفاق والتغيرات الطارئة عليه، ويمكن القول إن هناك سلعاً ارتفعت أكثر من 50 %، وأخرى بارتفاعات أقل، لكن الانعكاس الكلي للأسعار على المستهلك له علاقة بمستوى الدخل بالدرجة الأولى، فهناك جزء كبير من الناس، يكون الإنفاق الرئيسي لهم على السلع الاستهلاكية الغذائية، وهذه السلع ازداد استهلاكها بشكل كبير جداً، وهي بالأصل تشكل الجزء الأكبر من الاستهلاك العام، لذلك فهذه الفئة ارتفعت الأسعار لديها أكثر من 50 %، بسبب أن المواد والسلع الداخلة بهذه السلة ارتفعت. بينما إذا أدخلنا السيارات والأجهزة الكهربائية بأنواعها والمواد التجميلية والبيوت، فتختلف تركيبة السلة وأسعارها. وهنا يتوضح أن هناك مستويين للزيادات في الأسعار، المستوى الأول تتأثر فيه الغالبية العظمى، الذين معظم دخولهم موجهة إلى الإنفاق على الغذاء، والمستوى الآخر أحس به المواطنون الذين دخولهم أعلى، وإنفاقهم موزع بشكل أكبر، ولم تكن الارتفاعات لديهم بالسوية نفسها. فالأرقام التي تعطيها وزارة الاقتصاد، هي الأرقام التي يصدرها المكتب المركزي للإحصاء، والتضخم له مفهوم آخر غير ارتفاع الأسعار، لأن التضخم مسألة اقتصادية أوسع وأشمل، وهو بالتعريف يعني الزيادات الشاملة والمستمرة بالأسعار، وهذا الارتفاع بالأسعار لا يتوقف عند سقف أو فترة زمنية معينة، وهو مثل حلزون متصاعد، وينقل عن طريق آلية لولبية، تزيد الأسعار فتزيد الأجور، تنخفض الأرباح، تعود الأسعار للارتفاع من جديد، تطالب النقابات بزيادة الأجور نتيجة زيادة الأسعار وهكذا... فالعملية هنا مستمرة، وهذا ما نسميه بالتضخم، ولكن عندما يكون الارتفاع محدوداً، أي بارتفاع بعض المواد وتبقى بعضها على حالها، لم تترافق هذه الزيادات بالأسعار بحركة أو زيادات بالأجور بالمقابل، وبالتالي تنعكس على التكاليف من جديد. من ناحية ثانية فإننا نرى أنهم يبررون موجة الأسعار بالظروف المناخية وما شابه ذلك، في حين هي بالحقيقة أوسع من ظروف آنية ومناخية، فهناك تأثيرات بالعمليات البنيوية التي تحصل بالزيادات، وبالتالي فهي لن ترجع إلى ما كانت عليه، بل تتصاعد وتستمر، نأمل أن تبقى هذه الزيادات في إطار زيادات الأسعار، ولا تتحول إلى التضخم بمعناه الاقتصادي الشامل، لأنه بذلك يعني أنها ستفقد العملة قيمتها، ويصبح هناك تراكمات وآثار أخرى على القطاعات الإنتاجية، وعلى الميزان التجاري وميزان المدفوعات».

• الأستاذ غسان القلاع

سبب المشكلة: التضخم والارتفاع العالمي للأسعار

 فيما يخص أزمة ارتفاعات الأسعار، قال: «إن المؤشر الذي أعطته «قاسيون» يعتبر صحيحاً فيما يتعلق بالارتفاعات الجنونية للأسعار، ولكن المشكلة ترجع بأسبابها لعاملين: التضخم، والارتفاع العالمي للأسعار، فالشح في الموارد الزراعية، وارتفاع أسعار النفط، أثر على الكثير من المنتجات، مثل الأعلاف والحليب بكل مشتقاته، والحبوب، فاستراليا المصدرة للرز أصبحت تعاني من قلته. وأهم ما في الموضوع وأخطره، أننا في سورية أصبحنا نتحدث على المخزون الاستراتيجي «القمح». والمشكلة أن الحكومة دائماً ترجع الأسباب لجشع التجار، وهي بعيدة عن ردعهم ومحاسبتهم، فندرة المواد هي التي ترفع الأسعار، قولاً واحداً، وعدم نمو الدخل بالشكل المتناسب مع ارتفاع الأسعار يعتبر من الأسباب الرئيسية. بالإضافة إلى أن مجرد تصريح من مسؤول في موقع القرار «يكركب» السوق بأجمعه. وإذا أردنا الربط بين التضخم وارتفاعات الأسعار فإنهما متلازمان مثل تلازم الجلد مع اللحم، فمتى حصل التضخم يرتفع السعر أوتوماتيكياً.

الجدول التالي يبين بالرقم مدى الارتفاع، والتغير في الأسعار بين شهر شباط 2007، والشهر نفسه من العام 2008: 

والفساد له يد بالأزمة

نعم، إن الفساد وصل إلى المؤتَمَنين على قوت العباد وخيرات البلاد، وهناك يتم تقاسم الجزء الأكبر من «الكعكة»، فالمنتِج، وخاصة الزراعي في بلدنا، يحصل على الحد الأدنى من قيمة تعبه وإنتاجه، وكل الدسم يكون من نصيب التاجر السمسار، الوسيط بين المنتج وباعة المفرق، أو أصحاب المحال، إذن، ما معنى أن يبيع الفلاح لتاجر سوق الهال كغ البرغل بـ18 ل.س، ليبيعه إلى بائع المفرق وأصحاب محلات السمانة والبقالة بـ37 ل.س، ليصل إلى المستهلك من هناك بـ40 ل.س. وكغ الحمص يخرج من يد الفلاح بـ40 ل.س، ليبيعه تاجر الجملة بـ77 ل.س، ويصل للمستهلك بـ85 ل.س. وكذلك كغ العدس من عند الفلاح بـ38 ل.س، ليبيعه تاجر الجملة بـ63 ل.س، ويصل للمستهلك بـ70 ل.س. وعلى هذا الأساس يمكننا أن نتأكد من أن الهامش الفاحش للربح يستأثر به تجار الجملة في سوق الهال.

 بينما تاجر المفرق وأصحاب المحلات يكون ربحهم حسب الجدول التالي: 

الاستنتاج هو:

ليس تاجر المفرق، وهم مئات الآلاف من التجار، المسؤول عن الارتفاعات في الأسعار، فهو لا يحصل على أكثر من 15 % من مجمل الارتفاعات، والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: أين الباقي؟! نجد أن هناك أكثر من 35 % من ارتفاعات الأسعار،تتراكم في جيب عدة عشرات من تجار الجملة، الذين هم خارج الرقابة والمحاسبة والقانون. وإذا كانوا قد أترفوا وأسرفوا، فليحذروا ممن عضهم الجوع، فإن الجوع كافر...

آخر تعديل على الثلاثاء, 22 تشرين2/نوفمبر 2016 17:43