د. إلياس نجمة لـ «قاسيون»: أخطر ما يواجهه القطر الآن هي المسألة المالية
أجرت قاسيون اتصالاً هاتفياً مع د. إلياس نجمة وسألته عن العائدات التي يمكن أن تدخل الخزينة في حال جرى ضبط التهرب الضريبي لوكلاء السيارات، وكان الحوار التالي:
■ د. إلياس، نُقل عنكم قولكم إنه بعد تخفيض التعرفة الجمركية على السيارات /2005/، فإن تجار السيارات وصلت أرباحهم من/50 إلى 100/ مليار ليرة سورية، وحالياً يثار الموضوع مجدداً، وتحديداً في ظل الحديث عن الموازنة ومواردها والتي حددت بـ/400/ مليار ليرة سورية، و/200/ مليار عجز ظاهر، ومع ذلك، فالحكومة تشكو من قلة الموارد، بينما، ومن خلال معادلة حسابية بسيطة للرسوم التي تؤخذ عن السيارات وحدها، والتي يمكن تقديرها بحدود 50 % من قيمة السيارة، أو أكثر بقليل، وضرب هذه النسبة بعدد السيارات المدخلة، سينتج عنه 100 مليار ليرة سورية تقريباً يفترض أنها دخلت إلى الخزينة، فأين تذهب هذه الأموال؟؟
كلامي الذي قلته في هذا السياق ربما جرى حرفه عن مساره الحقيقي، ولكن بطريقة ذكية، لكن في العموم يمكن توضيح هذه المسألة..
أنا قلت ما معناه أن ربح السيارة الواحدة ليس مائة ألف ليرة، بل قد يصل إلى حدود المليون وأكثر لبعض أنواع السيارات الفارهة، لأنه ليس من المعقول أن يضع أي تاجر أو وكيل مبلغ /4ـ5/ ملايين ليرة لكي يربح مئة ألف فقط، بل إنه يرصد هذا المبلغ لكي يربح على الأقل 10ـ15%، أي مليون – مليون ونصف على الأقل، وعلى أساس ذلك انتقدت التخفيض الفوري (في سوق عطشان).. فعلى أرض الواقع ما الذي حدث عند التخفيض المفاجئ؟
الوكيل إلى جانب أرباحه الطبيعية التي تصل إلى أكثر من مليون ليرة عادة، أخذ نصف ما خسرته الدولة نتيجة تخفيض الضريبة، لأنه لم يخفض أسعاره، وبالتالي أرباحه، بمقدار التخفيض الجمركي، ومن هنا قدرت حينها أن أرباح الوكلاء قد تصل إلى /50/ أو /100/ مليار أو أكثر. وكلامي كان بشكل تقديري بحت، فأرباح الوكلاء إذاً كبيرة أولاً، وثانياً إن السوق لدينا عطشى، وهذا تحليل اقتصادي.. وبالنهاية فالذي حدث أن تخفيض الأسعار لم يتم حسب التخفيض الجمركي، والدليل على ذلك أن وزارة المالية اضطرت أن تنشر في الجرائد قائمة بأسعار السيارات لفترة طويلة، تبين فيها الأسعار الحقيقية للسيارات ومقدار رسومها الجمركية، ولكن عندما كان المواطنون يواجهون الوكلاء بتلك الإعلانات المنشورة، كان الوكلاء يردون عليهم بالقول: إذاً اذهبوا واشتروا من الجرائد بتلك الأسعار!!
أنا حمّلت وزارة المالية المسؤولية عن ذلك، بسبب ذلك التخفيض المفاجئ رغم موافقتي على التخفيض بشكل عام، وخاصة على السيارات الصغيرة، أما السيارات الكبيرة والثمينة، فأنا مع أن تصل ضريبتها إلى 400 % كما يجري في ماليزيا مثلاً، وهي بالأصل كانت 330 % وتم تخفيضها إلى 120 % من قيمتها، لكن الذي حدث هو أن الوكيل لم يخفض 200 % بل ربما 50 %، أي بقي رابحاً بنسبة 100 % بالإضافة إلى أرباحه الطبيعية، من هنا جاءت الـ/50/ مليار التي تحدثت عنها.
■ولكن بتقديركم هل رفدت هذه الأرقام الميزانية، وما هو مقدار ما دخل الخزينة من جراء التخفيض المذكور؟
لم تستفد الخزينة من ذلك الإجراء بشيء يذكر، فالرسوم الجمركية رغم ازدياد نسبة استيراد السيارات لم تحقق المطلوب، لأنها خفضت في مواد أخرى، وأنا لا أملك المجموعة الإحصائية الأخيرة حتى أعطيكم الرقم الحقيقي لحجم الاستفادة، لكن العائدات مازالت متواضعة، لأن الوكلاء يقدمون للجمارك أرقاماً وأسعاراً متدنية وليست حقيقية، وهم يدفعون رسوماً جمركية وفق هذه الأرقام..
■ وفيما لو ضبطت هذه المسألة؟
علينا أن نتخلى عن الفكر البريء في التعاطي مع مثل هذه الأمور! بالتأكيد ضبط المسألة ليس صعباً، وهناك إمكانية لزيادة الموارد الضريبية على الأقل ما يقارب المائة مليار ليرة في السنة الأولى، وهذا يمكن أن يحصل دون الحاجة للجوء إلى إصلاحات كبيرة جداً، عبر المرافئ والجمارك، فالاستيراد في لبنان كما هو لدينا وعائداته الجمركية /70/ مليار، أما نحن فعائداتنا /20/ مليار فقط، رغم أن الرسوم في لبنان أقل مما هي لدينا.
إن مجرد الحديث حول هذا الموضوع يثير جنون البعض في وزارة المالية التي يزاود ويبالغ بعض مسؤوليها وهم يتحدثون عن إنجازاتهم الضريبية. فالضرائب مثلاً زادت في 2006 عن عام 2005 ليست بسبب الزيادة في الضرائب، بل بسبب ارتفاع أسعار النفط.
أعتقد أن أخطر ما يواجهه القطر الآن هي المسألة المالية، ونحن أمام عجز كبير بالموازنة ستكون له أثار تضخمية هائلة.