د. حسين العماش في ندوة الثلاثاء الاقتصادي: «حزمة الأمان الاجتماعي...» صدقة أم زكاة؟

قدم د. حسين العماش في إطار فعاليات ندوة الثلاثاء الاقتصادي الحادية والعشرين، بتاريخ 11/3/2008 محاضرة بعنوان «حزمة الأمان الاجتماعي.. الخطوط والملامح الأساسية» مقسمة إلى تسعة أجزاء..

أكد عماش في (الهدف والفضاء) أن هدف المحاضرة هو تحديد المكونات الرئيسية لحزمة الأمان الاجتماعي دون التعرض إلى الجانب الاقتصادي، في ظل مبادئ اقتصاد السوق الاجتماعي المتوقع إنجاز تطبيقه مع نهاية الخطة الخمسية العاشرة.

أما (فضاء الحزمة) فهو توازن التنمية على مستوى الوطن، فتطبيق هذه الحزمة سيحرر يد الدولة في تفعيل قوى اقتصاد السوق، ويسهل تطبيقه بصورة سريعة محققة للنمو المنشود؟!!وتقليل التدخل الحكومي المباشر ، ويجب أن نتذكر دائماً أن اقتصاد السوق لا يعني أبداً انفلات السوق وإنما حريتها، تحت إشراف قوى المجتمع وتحقيق أهدافه الوطنية.

في (التحليل والتشخيص) يرى عماش أنه مايزال بعض السياسيين والمثقفين في سورية يجادلون حول تعريف نظام اقتصاد السوق الاجتماعي وتفسيره السوري، وهل هو تنصل الدولة من التزاماتها الدستورية والوظيفية؟ مما أدى إلى تنازع في التوجه والتعريفات، وأثر على صياغة سياساته الإنمائية في الفترة الماضية.

وعليه، فإن عدداً كبيراً من الاقتصاديين أصبحوا في شبه حيرة من معرفة ماهية ونوعية اقتصاد السوق الاجتماعي في سورية. ويعزز هذه الحيرة التنوع في المدارس الفكرية التي تتنازع بين مدى وعمق الليبرالية المطلوبة التي تطبقها الحكومة، وبين كيفية (الانعتاق) من سيطرة فكر التخطيط المركزي السائد بين شريحة واسعة من المخططين.

في (محور النمو الاقتصادي) رأى المحاضر أن اقتصاد السوق، هو البديل الطبيعي للاقتصاد الاشتراكي الحالي، وإن النمو الاقتصادي المرتفع (نحو 6.5 % وفق بيانات الحكومة المعلنة هو محور الجمهورية الجديدة في سورية) يهدف إقامة اقتصاد حر يعتمد على آليات السوق، ووضع برنامج نمو اقتصادي شامل، وتعزيز العدالة الاجتماعية.. ولا ندري كيف جمع هذه المطالب المتناقضة في سلة واحدة!!!

وفي (المكونات العامة للحزمة) فإن حزمة الأمان الاجتماعية تتكون من نوعين من الحماية:

الأول: الحماية المباشرة: للفئات الضعيفة اقتصادياً والمتأثرة سلباً بالتحول الاقتصادي من خلال سياسات مؤقتة أحياناً،  لإفادة الأفراد المستحقين فعلاً فقط.

والثاني: الحماية غير المباشرة: من خلال سياسات اقتصادية واجتماعية وربما حتى سياسية عامة دائمة، تنفذها وتشرف عليها وزارات ومؤسسات حكومية منظمة.

ففي مكونات الحماية المباشرة يجب:

أولاً تخفيض الفقر عبر سياسات تقوم على تدخل مباشر وغير مباشر من الدولة في سبيل إعادة توزيع الثروة. ولهذا فإن نجاح سياسيات تخفيض الفقر تعتمد أساساً على مدى تحقيق معدلات نمو عالية.

يعد خط الفقر من أهم أشكال الحماية الاجتماعية المرغوبة اقتصادياً وسياسياً، نشرت هيئة تخطيط الدولة عام 2005 تقريراً خاصاً عن الفقر في سورية، تضمن أن معدل الفقر العام يصل إلى نحو 12 % من عدد السكان، أي نحو 2.25 مليون شخص يعتبرون تحت خط الفقر المحدد، بدخل مقداره دولار واحد يومياً للشخص وفق معيار البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة. «عذراً من المحاضر تشير الأرقام والإحصائيات إلى ضعف هذا الرقم».. وكذلك صندوق الرعاية الصحية الذي يساعد على تخفيض الفقر..

ثانياً يجب تخفيف البطالة عبر مسارين مهمين:

الأول: خلق فرص عمل جديدة تكفي لتشغيل كل الداخلين الجدد إلى سوق العمل..

والثاني: مواءمة فرص العمل والتعريف بها والطلب والعرض بسوق العمل.

وهنا تحدث المحاضر عن بنوك المشروعات الصغيرة حيث رأى أن البيئة المصرفية عامة وفي سورية خاصة بيئة غير صديقة للمشاريع الصغيرة أو متناهية الصغر، لذلك أصدرت الدولة القانون رقم 15 لعام 2007 المتضمن الموافقة على إحداث بنوك صغيرة ذات توجه اجتماعي لمساعدة الفقراء والعاطلين عن العمل .

كما يجب اعتماد التأمين ضد البطالة كأحد أقوى مظاهر الحماية الاجتماعية، وأكثر المكونات إثارة في حزمة الأمان الاجتماعية المباشرة، ويحرر الحكومة تجاه العمالة من الحرج الاقتصادي والإنساني والسياسي الناجم عن عملية الإصلاح الاقتصادي. لا توجد في سورية قنوات مؤسسية لحماية الأفراد العاطلين عن العمل بالحد الأدنى من العوز والفاقة حتى ولو لفترات قصيرة. إذ يعاني كل الأفراد العاطلين عن العمل بشكل دائم، من غياب أية آلية للمساعدة المالية نتيجة فقدان الدخل، ولهذا فإن هذا الغياب المريع للمؤسسات العامة والخاصة والأهلية عن المساعدة المؤقتة لهذه الشريحة الضعيفة، يمثل ثغرة هائلة في حزمة الأمان الاجتماعي التي ستظهر مع تطبيق اقتصاد السوق. الذي سوف يساعد على تحرير سوق العمل بشكل جذري، إذ يصبح هنالك ضمانات مؤسسية للعامل ورب العمل، وتحررهم من الالتزام بقيود مجحفة لطرف أو آخر.

وبالنسبة للتعليم، فحسب د.عماش ضاعفت الدولة الإنفاق الاستثماري على التعليم حتى الثانوية ثلاث مرات خلال السنوات 2001 إلى 2006، إلا أن هذا لم يغير من الصورة القاتمة لنشاط وزارة التربية، حيث يشير التقرير الوطني للتنمية البشرية،2005 إلى عدة مؤشرات خطيرة حول تدني كفاءة التعليم ما قبل الجامعي من كل الزوايا وازدياد التسرب بالمراحل كافة وبقاء الأمية مرتفعة في عدة مناطق من سورية.

وربما يشكل الضمان الصحي أحد أهم القنوات المباشرة للتعرف على الأفراد والشرائح الأكثر احتياجاً للحماية، وقد تكون عوامل الاصطفاء الطبيعي هي التي جعلت الرعاية الصحية المتدنية من نصيب الفقراء وحدهم لعزوف المقتدرين عنها.

وبالنسبة للدعم، يقول د.عماش إن الدعم خدم مرحلة الاقتصاد الاشتراكي التي انتهت نظرياً بتبني مؤتمر الحزب نظام اقتصاد السوق الاجتماعي عام 2005، ولكنه سيكون عبئاً مالياً وهدراً اقتصادياً وسبباً للتباين الاجتماعي على المجتمع والحكومة إذا استمر تطبيقه المطلق الحالي في ظل التحول الاقتصادي.

تدعو معظم برامج الإصلاح الاقتصادي إلى ترشيد أو إلغاء الدعم السلعي للاستهلاك على الأقل، وترشيده في القطاعات الإنتاجية وفق قواعد منظمة التجارة العالمية.

توزيع الدخل والثروة:

هذه الموضوعات حساسة وشائكة لم تتح لنا الفرصة للتعرض إليها بعمق في هذه الورقة لأنها تعبير عن مفهوم العدالة أكثر من مفهوم الحزمة والحماية.

أن المدى الزمني لاستكمال تنفيذ الحزمة الأمان الاجتماعي فقط يمتد إلى نحو 10 سنوات وهذا يمكن تقسيمه إلى فترتين زمنيتين، الأولى لمدة خمس سنوات تشمل تطبيق البنود الأربعة الأولى:

استحداث نظام خط الفقر: صندوق الرعاية الاجتماعية.، تعزيز برامج مكافحة البطالة، تعزيز مكاتب التشغيل، واستحداث برنامج التأمين ضد البطالة.

والخمس سنوات الثانية هي استكمال تطبيق البنود الأخرى: الإلغاء التدريجي للدعم السلعي، استحداث نظام التأمين الصحي، تطوير نظام التعليم الحكومي، والاستمرار بتطبيق سياسة التنمية الإقليمية.

وأنهى د. عماش محاضرته: بالتأكيد أن تبني «اقتصاد السوق الاجتماعي» كمنهجية للتنمية هو أفضل قرار اقتصادي اتخذته الدولة منذ عدة عقود من أجل تنفيذ سياسة التطوير والتحديث لسورية.

مداخلات متناقضة

د.أكرم حوراني: إن الموضوع الذي نتناوله اليوم هو في غاية الخطورة وخاصة فيما يتعلق بالرقم الإحصائي الذي لم يعد اختلافاً شخصياً، بل اختلاف عام في البلد. إن الرقم الذي ذكر ضمن المحاضرة حول عدد العاطلين عن العمل /670/ ألف هو رقم غير صحيح  فقد يصل إلى مليون  و670 ألفاً، أما معدل الفقر الذي تم قياسه على دولار واحد بـ 12 % وعلى دولارين بـ 24 % يخضع للكثير من الفرضيات محلياً ودولياً، وخطة العمل التي وضعها المحاضر من خلال تأمين فرص العمل بـ /200/ ألف ل.س لا تكفي بأي شكل من الأشكال..

د.نبيل مرزوق قال: قدم المحاضر رؤية حول إمكانية التعايش بين تحديد السوق وحريتها، وبالوقت نفسه إقامة نوع من العدالة والحماية الاجتماعية. ضمن هذا المضمون قدم العديد من نقاط حزمة الضمان الاجتماعي، ولكن هناك الكثير لم يتم الحديث عنه، مثل تمويل هذا البرنامج الذي غيَّر آلية الدعم الحالية، ووضعها في الإطار الجديد، ولكن ليس هناك موارد أخرى كبيرة خسرها الاقتصاد الوطني، كالتهرب الضريبي. والفساد في أوجِّه على المستوى الحكومي والعام. وإذا أردنا الحصول على برنامج لحماية المواطن، فعلينا أن نعيد النظر بتغطية توزيع الدخل الوطني، ونضع الأسس الحقيقية للعدالة الاجتماعية.

.هناء الحسيني: إن موضوع محاضرة اليوم يمس كل عائلة في سورية، حيث أن الإحصائية التي قدرت لعام 2005 لم تعد صالحة، وحصل فيها تغييرات كبيرة، خاصة ما يتعلق بالاستثمار وقوانينه، وحزم الأمان الاجتماعي التي تحدث عنها المحاضر، فالصورة توضح حال الفقراء الذين يزدادون، نقداً وعداً، والجمعيات الأهلية التي تم ذكرها، فهي ضعيفة حسب تعليماتها، أما ما يخص الدعم وإعادته لمستحقيه، فإنه سيولد شرخاً وعواقب لا مثيل لها في المجتمع، فالمساوئ في توزيع القسائم تزداد تعقيداً، وعلى الجميع أن يفهم، رفع الدعم عن الخبز والمحروقات، هو خط أحمر.