د. غسان إبراهيم في ندوة الثلاثاء الاقتصاديّة: إجمالي السعادة الوطنية، هل هو نفسه إجمالي الناتج الوطني؟
«لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» بهذه الآية الكريمة، بدأت ندوة الثلاثاء الاقتصادية الحادية والعشرون محاضرتها الثانية في26/2/2008، حول التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سورية، ضمن سلسلة الندوات التي تقيمها جمعية العلوم الاقتصادية السورية سنويا،ً تحت عنوان «الإصلاح الاقتصادي من منظور فكري» للدكتور غسان إبراهيم برؤية تنظيرية بحتة، حيث أكد أن أكثرية تجارب الإصلاح في العالم، لم تبدأ بالمعطى الاقتصادي المادي، وإنما بنقيضه تماماً، المعطى الثقافي سواءً كان معطى دينياً أو فكرياً أو عقلياً.
وتناول المحاضر الإصلاح الاقتصادي من خلال أربعة محاور.
أولاً: الإصلاح الاقتصادي في سورية فكراً وممارسة..
قال المحاضر: لن أدخل في لعبة الإحصاء والأرقام والمعدلات الاقتصادية، وسأناقش مسألة الإصلاح الاقتصادي، بغض النظر عن إيجابية الأرقام والمعدلات أو عن سلبيتها. إذ أعتقد أن جوهر المسألة لا يكمن في الحقل الاقتصادي بحد ذاته، وإنما في اعتباره جزءاً صغيراً ويسيراً من فضاء المجتمع والدولة والفرد.
ولذلك سأفترض أن معدل النمو أكبر من معدلي الزيادة السكنية والتضخم، وأن معدل الفقر أو خط الفقر كاد أن يختفي نهائياً، وأن معدل البطالة أصبح طبيعياً، وأن الإنفاق على التعليم غدا مقبولاً، وأن عجز الموازنة قد أطفئ، وأن الديون الخارجية معدومة، وأن معدل الإنتاجية مرتفع، وأن الميزان التجاري يحقق فائضاً، وكذلك ميزان المدفوعات، وسأعتبر وسأفترض أن الوضع الاقتصادي جيد جدا، وبعد! هل إجمالي السعادة الوطنية، هو نفسه إجمالي الناتج الوطني؟
ثانياً: قراءة في كتاب الإصلاح الاقتصادي
تدخل الدولة في الاقتصاد يتوقف كثيراً على بنية المجتمع والثقافة السائدة. فالثقافة تصوغ جميع مظاهر السلوك البشري. والسياسة أو الإصلاح الاقتصادي يجب تطبيقه ضمن إطار ثقافي معين.
إن عملية الإصلاح الاقتصادي إذا أمكن لها أن تبدأ بالأدوات والسياسات الاقتصادية إلا أنها لا تنتهي في الحقل الاقتصادي. فالإصلاح الحقيقي يبدأ بإصلاح الرؤى والأفكار والمبادئ والقيم والسلوك والممارسات؛ ومحتوى أي إصلاح اقتصادي يتحدد بثلاثة أبعاد جوهرية، هي:
البعد الاقتصادي ـ المادي.
البعد الاجتماعي ـ الحقوقي.
البعد الثقافي.
ثالثاً: بناء المؤسسات الحكومية والإصلاح الاقتصادي.
سأل المحاضر: أيهما أكثر أهمية، من منظور الإصلاح الاقتصادي، تقليص مدى الدولة أم زيادة قوتها؟. إن مدى الدولة يتعلق بتوسعها الأفقي، أي بحجم الوظائف، والأهداف التي تضطلع بها وترسمها؛ بينما تتمحور قوة الدولة حول قدرتها وإدارتها الكفؤة على تخطيط سياساتها وتنفيذها وفرض القوانين والتشريعات والإجراءات ومحاربة الهدر واعتماد الشفافية والمساءلة.
إن تحسين آلية عمل المؤسسات العامة أو خلق مؤسسات جديدة وجيدة لا يتأتى عن خلق الحوافز فقط، بل هو نتاج التربية والتعليم والتدريب، أي نتاج ما يدعى بـ (رأس المال الاجتماعي)..
إن بناء المؤسسات الفعالة لا ينشأ بقرارٍ حكومي على غرار إنشاء مصرف أو شركة وإنما من خلال العمل السياسي الواعي والثقافة الجيدة.
رابعاً: الثقافة والإصلاح الاقتصادي.
بكلمة واحدة: الثقافة والإصلاح الاقتصادي يعنيان تفكيراً جديداً تجاه الحياة، وليس إعادة إنتاج للتفكير السائد. والعلاقة بين الاثنين تعتبر علاقة جدلية بامتياز، فالإصلاح الاقتصادي كجزءٍ من الفكر التنموي يجب أن يحظى بمقابل موضوعي في الواقع الاجتماعي ـ التاريخي، ممثلاً بمفاهيم العقلانية والحرية والقانون والديمقراطية قبل أن يتشرنق في مفاهيم أحادية الطابع مثل: النمو والإنتاج والاستهلاك والربح والخسارة.
إن النظر إلى الإصلاح الاقتصادي من خلال المشكلات الحالية الاقتصادية فقط، يعني تغييب الرؤية التاريخية واستبدالها بتحليل الراهن والمستجد في المجتمع.
إن عملية الإصلاح الاقتصادي يجب أن تستكمل أو ترفد بالتاريخ والفكر والتراث والقيم والعادات.... إلخ.
وذلك التصور للعلاقة بين الثقافة والإصلاح الاقتصادي ليس تأملاً مجرداً، وإنما تبرهن عليه وتبرره الثورات الكبرى.
إن أفكاراً مثل التغير والتحول والتقدم والحرية والعقلانية هي أفكار ضرورية بالمطلق من أجل التمهيد للتحولات الاقتصادية ـ الاجتماعية.
يفهم الإصلاح الاقتصادي على أنه حالة كيفية ونوعية أكثر منها حالة كمية تتجسد في تراكمات مادية اقتصادية، وبالتالي فهو عملية أو فاعلية تاريخية يجب أن تمثلها قوى اجتماعية معبرة عن المستقبل وتطلعات الحاضر.
وإذاً، عودٌ على بدء، الإصلاح الاقتصادي جزء من كل لا أكثر ولا أقل. والكل يحكم عناصره.
انقسام بين الحضور في الرؤية
• الأستاذ غسان القلاع مقدم الندوة قال إن المحاضر شرح موضوع الإصلاح الاقتصادي بشكل مختلف تماماً عما فهمناه ودرسناه خلال السنوات القليلة الماضية، فالاقتصاد والفكر والسياسة والحياة الاجتماعية تشكل جسماً واحداً سوياً. وليكون كذلك يجب أن يكون متكاملاً في كافة أعضائه، لأن الإنسان لا يمكنه دون الفكر متابعة أي إصلاح اقتصادي أو سياسي. وأكد القلاع أن المحاضر قدم مضامين ورؤى أخرى، وطرح تساؤلات أثارت شجوناً كثيرة، وأفكاراً ستلقى حيزاً كبيراً من النقاش الآن ومستقبلاً.
• د. رزق الله هيلان رأى أن المحاضرة كان يجب أن تقدّم تحت مسمى فلسفة التغيير وأكد أن هناك فارقاً جوهرياً بين النمو والتنمية التي تعتبر لبلدان الجنوب عملية ثورية،أي تحولات اجتماعية لتحقيق إنسانية الإنسان. وتساءل هيلان كيف للإنسان والمجتمع أن يغير ما في نفسه؟
ففي سورية منذ الخمسينات وحتى الآن نخصص أموالاً كثيرة لعمليات التنمية، وهذا المفهوم وصل إلى حافة الانهيار، ولا يمكن القيام بأي إصلاح اقتصادي إذا لم يتم تطوير الفكر فيه. إن الحامل الرئيسي للثقافة تاريخياً هو حامل اقتصادي، وهذا ما حصل بالضبط في القرن السادس عشر.
(اختلاف كلي)
• د.حيان سلمان: المشارك الدائم في ندوات الثلاثاء الاقتصادي أكد أنه يختلف مع المحاضر فيما قدمه من الباب للمحراب، لأنه قدم نماذج ولم ينهها. وتساءل د.حيان مستغرباً: هل المحاضر ظلم الاقتصاد أم الاقتصاد ظلمه؟ وأضاف أين قانون توزيع الثروة الذي يتيح تناقضات أخرى خطيرة في الحقل الاقتصادي والاجتماعي، وهل نسينا الظلم والاستعمار والرأسمال والاحتلال؟ إن المشكلة ليست في الأسئلة بل في الأجوبة!
المحاضر انتقد ماركس وآدم سميث وديكارت.. كان الله في عونك وعوننا فيما طرحته من أفكار.
• د.نبيل مرزوق قال: المحاضر نقلنا إلى نمط جديد من الحوار والمنطق، فهناك أولوية للإصلاح السياسي قبل الاقتصادي، وذلك من خلال إحداث تغيير كبير في السياسة، فالإصلاح الاقتصادي يجب أن ينظر إليه كمنظور اجتماعي تنموي على النموذج السوري، وليس على نموذج صندوق النقد والبنك الدوليين، لذلك فنحن بحاجة إلى إعادة النظر بالمفهوم الإصلاح التنموي والاقتصادي، ماذا نهدف. ماذا نريد؟ إلى أين يسير التطور؟ كيف نربط الماضي بالمستقبل من أجل تحقيق التنمية المنشودة.
• سعد الخير قال: أين هو الإصلاح الذي يعمل عليه الكل دون أي ضمير أو وجدان، لأن كل المسؤولين الذين جاؤوا أو حضروا ندواتنا وسمعوا مداخلات واقتراحات للإصلاح الاقتصادي المنشود ازدادوا فساداً ونهباً للمال العام على حساب الوطن والشعب.
وأخيراً إذا كان د. غسان إبراهيم وجد في المحاضرة رؤية من أجل وضع البعد الاقتصادي في سياقه الطبيعي بدءاً من ماركس وحتى الآن، وأن التنمية الاقتصادية لم تحقق الأهداف المرجوة، فإن فكرته أو اقتراحه حول إعطاء أكثر من 70 % من الموازنة لقطاعات التربية والتعليم والصحة وترك النتائج إلى بعد خمس سنوات لدراستها في أساسها العملي والمنطقي في العملية التنموية تبقى برسم أصحاب القرار والمشرفين على الموازنة..