نزار عادلة نزار عادلة

أي رقابة نريد؟!!

استأثرت فضيحة الفساد الأخيرة في الجمارك بحديث العديد من المواطنين، ويبدو أن مناقشة الأفكار والآراء التي تتعلق بالدولة، والقطاع العام، ومحاسبة الجهاز الإداري، ومكافحة الفساد، قد أصبحت ركناً أساسياً في حديث الشارع.

وفي موضوع محاسبة ومكافحة الفساد الذي يدور الحديث عنه اليوم بقوة، نرى أن أعمال المحاسبة تبقى دائماً أعمالاً هامشية إذا لم تؤد إلى استخلاص طرق أفضل وأدق لتسيير الأجهزة إدارية في الدولة وفي القطاع العام، وإذا لم تساهم في إعادة النظر بالسياسة الاقتصادية التي أفرزت ظاهرة الفساد العام، لأن ظاهرة السمسرة والوساطة جزء لا يتجزأ من الرأسمالية التجارية العقارية التي توسعت الآن بعد تبني اقتصاد السوق الاجتماعي، بل أن الرأسمالية التجارية هي في حد ذاتها سمسار أو وسيط بين المؤسسات الصناعية الغربية وبين سوقنا المحلية، وأصبحت الآن وكيلة رأس المال العالمي، ومن شأنها أن تلجأ دائماً إلى الوسائل غير المشروعة لتحقيق أغراضها، وهي في سبيل تحقيق هذه الأغراض لا تتورع عن انتهاك القوانين، وتخريب الضمائر والذمم، ونشر أخلاقيات الفساد و«الشطارة»، وهي قد جرت عبر سنوات طويلة العديد من الموظفين والمسؤولين إلى ارتكاب أعمال الفساد والرشوة ونهب المجتمع.

الرأسمالية التجارية والعقارية نمت مع خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وحاولت إحباط هذه الخطط، فتسلطت على مشاريعها بواسطة المقاولين والسماسرة، وأوقعت مشاريع عديدة في هوة الإنفاق العقيم، واستوردت تكنولوجيا متخلفة لم تحقق الجدوى الاقتصادية اللازمة.

وبما أن مشكلة هذه الطبقة ما تزال قائمة في بلادنا، بل هي في ازدياد وتوسع، حيث امتدت أذرعها إلى كافة الجهات، فإن أعمال المحاسبة مهما كانت شديدة ودقيقة وشاملة (وهي ليست كذلك) ستبقى مجرد مهدئ وقتي للفساد، لكنها لن تستأصله، لأن أسبابه سوف تبقى قائمة في كافة المؤسسات والبنى الموجودة.

وإذا كنا نعتقد بأن المعالجة الاقتصادية والاجتماعية السياسية، التي لها برامجها الدقيقة، ونهجها العقائدي في التنظيم البنيوي العام، قد أصبحت أمراً متعذراً، فما هو السبيل للمحافظة على الحد الأدنى من انضباطية الجهاز الإداري في الدولة؟

ما هو السبيل إلى الاحتفاظ بقدر معقول من فعالية القطاع العام ودوره الاقتصادي؟ وما هو السبيل إلى تحرير المسؤولين من تأثيرات القطاع الخاص وإغراءاته؟

هل من الممكن أن نجد ضبطاً دائماً لمشكلة قد يؤدي عدم ضبطها إلى تفكيك الدولة، وإيقاف أنظمتها ونشاطاتها؟!

أعتقد أن العلاج الوحيد يتمثل في إنشاء نظام أعلى وأقوى للرقابة الاقتصادية والإدارية، من شأنه أن يستمر في أداء عمله، وأن يمارس الإشراف على أجهزة الدولة والقطاع العام إشرافاً لا ينقطع، بحيث تشعر جميع الأجهزة، وكل الموظفون والمسؤولون، بأن الرقابة الاقتصادية والإدارية ليست قوة شكلية.

ليست الرقابة جهازاً للتفتيش يقوم بأعماله الروتينية، فيراجع القيود، وينظم التقارير، ويلاحق القضايا الهامشية، معتمداً على صورة القانون، فهذه النوع من الرقابة موجود في كافة دول العالم، وموجودة لدينا، وعلى الرغم من وجوده ينتشر الفساد بشكل سرطاني.

لابد للرقابة من أن تكون جهازاً أعلى للإشراف، وهذا لا يتحقق إلا إذا أصبحت الرقابة مسؤولة عن ملاحقة الشخصيات الاعتبارية، ومحاسبة الجميع على أوضاعهم المالية والاقتصادية.

 إن الانتقال إلى مستوى أعلى من الرقابة سيوفر الرقابة الناجعة من ناحية، والفعالية لأجهزة الدولة والقطاع العام من ناحية أخرى. وعلى هذا فالرقابة تبدو مهمة عسيرة ودقيقة ومعقدة، وصعبة أيضاً أمام الخلل الإداري الكبير، هذا الخلل الذي استفحل بسبب قيام البعض ببيع وشراء المناصب الحساسة في الجهاز الإداري. ولا ينطبق هذا على جهاز الجمارك فقط، حيث يدفع المواطن مائتي ألف ليرة لكي يصبح خفيراً دائماً، بل ينطبق على إدارات وجهات عديدة. وهذا يعني بشكل واضح تعذر المراقبة والمحاسبة وبتر الفساد ما لم نقم بإصلاح إداري أولاً، ويبدأ الإصلاح الإداري بمساواة المواطنين في المواقع، من خلال إجراء مسابقات لاختيار الإدارات حسب الكفاءة، بغض النظر عن الانتماء السياسي والعقائدي. عند ذلك فقط نستطيع المحاسبة، ونستطيع أن نلاحق الفاسدين، وأن نعاقبهم دون استثناء، لكن علينا أولاً أن نعالج الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تعزز ظاهرة الفساد.

آخر تعديل على الإثنين, 01 آب/أغسطس 2016 13:33