ماذا فعلت روسيا لمواجهة تراجع الروبل؟!
فكيف تصرف الرّوس لحماية عملتهم الوطنية؟ قاسيون تستطلع تجربة السياسة الاقتصادية الروسية للتعامل مع تراجع العملة الوطنية خلال العامين الماضيين..
فرضت الدول الغربية عقوبات على روسيا منذ شهر 3-2014، ولحق هذا تراجع أسعار النفط العالمية، من 115 دولار في 6-2014، إلى 40 دولار للبرميل حالياً، وبالنتيجة انتقل سعر صرف الروبل الروسي مقابل الدولار من 35 في 4-2014، إلى مستوى الذروة في شهر 1-2016 حيث وصل السعر إلى 83 روبل/دولار. ليخسر الروبل 37% من قيمته، أي أكثر من ثلث القيمة خلال سنة ونصف تقريباً.
إلا أن الروبل عاد للتعافي السريع منذ بداية العام الحالي، لينتقل من 83 في 1-2016، إلى 64 روبل/دولار في 2-7-2016، أي خلال نصف عام استطاع الروبل أن يستعيد 17% من قيمته رغم أن أسعار النفط لم تتحسن، والعقوبات لم تلغ!
المالي والنقدي مؤقت..
بدأت الحكومة الروسية بمواجهة تراجع الروبل، بالسياسات النقدية والمالية المعتادة حيث بدأت عمليات ضخ الدولار في السوق الروسية المحلية بعد منتصف عام 2014، بمعدل 350 مليون دولار يومياً، ثم قامت برفع معدلات الفائدة لإبقاء الودائع في المصارف ومواجهة هروب رؤوس الأموال، لترتفع من معدل 8% في منتصف 2014، إلى 17% في بداية عام 2015.
إلا أن كلا السياستين التقليديتين في مواجهة انخفاض سعر العملة المحلية، قد توقفتا، ففي شهر 11-2014، أعلنت رئيسة المصرف المركزي الروسي، عن إيقاف عمليات الضخ، على اعتبارها عملية استنزافية للاحتياطي الروسي المقدر بـ 400 مليار دولار في حينه، بحسب تعبيرها.
كما بدأ في بداية عام 2015، تخفيض سعر الفائدة، بهدف تحفيز عملية الإقراض عوضاً عن رفع سعر الفائدة، للإبقاء على رؤوس الأموال داخل البلاد، حيث انخفض معدل الفائدة من 17% إلى 15%، ليتم الاستقرار منذ بداية العام الحالي على سعر فائدة 11%.
سجلت روسيا خسائر من العقوبات ومن انخفاض أسعار النفط، قدرت حتى منتصف 2015 بحوالي: 25 مليار دولار تقريباً، وبالمقابل وفي الوقت ذاته، أعلنت الحكومة عن استخدام جزء من احتياطاتها في خطة حكومية لاستثمار 35 مليار دولار في الاقتصاد المحلي، وكان هذا بداية استراتيجية متكاملة لمواجهة الأزمة، تميزت بقيامها على مجموعة من الخطط، كل منها تحل نسبة 10-15% من التراجع في سعر الروبل، وإذا ما تم النجاح في تنفيذ 60% من هذه الخطط بنجاح، فإنها تحل الأزمة بنسبة 80%، وفق تحليل اقتصادي قدمه الاقتصادي المصري رشاد عبده.
المواجهة .. والتوجه شرقاً
الإجراءات الروسية كانت سياسية واقتصادية، حيث بدأت بمواجهة واضحة للعقوبات، والرد بتعليق استيراد البضائع من دول الغرب، اعتباراً من شهر 8-2014، كما أنها أصدرت قانون يتيح مصادرة الأموال غير المنقولة للشركات الأمريكية والأوروبية.
وأرفقت هذا بتوسيع متسارع لعلاقاتها التجارية والاقتصادية مع دول الشرق، وكان في مقدمتها توقيع صفقة الغاز التاريخية مع الصين في شهر 5-2014 بقيمة 300 مليار دولار، وانتقلت الصين إلى الشريك التجاري الأول لروسيا، لتنحي الاتحاد الأوروبي عن هذا الموقع، كما وسعت من التعاون الاقتصادي في إطار الاتحاد الأوراسي، ومنظمة شانغهاي.
تخفيض الميزانية.. ولكن!
يظهر تركيب الحلول الاقتصادية في التعامل مع الميزانية الروسية، حيث تصر التصريحات الرسمية على أن تخفيض الميزانية والضبط في استخدام الاحتياطيات النقدية، هو أمر ضروري على ضوء التراجع بالموارد، إلا أنها وضعت حدوداً لهذا التخفيض.
حيث أعلن عن تخفيض نفقات الميزانية، ولكنها بقيت نسبة ثابتة من الناتج الإجمالي قرابة 18%، وتم التأكيد على أن التخفيض لن يستمر، حيث خفضت النفقات في عام 2015، بنسبة 10%، واعلن عن تخفيضها بنسبة أقل 5% في الأعوام بين 2016- 2018. وفق تقرير البنك الدولي حول روسيا الصادر في نيسان 2016.
الإنفاق الاجتماعي.. وأسعار الغذاء
أما وجهات تخفيض الإنفاق فقد بدأت بإشارات قوية معطية الدلالات على مسارها، فكان أولها ما أعلن عنه الرئيس الروسي بتخفيض رواتب كبار الموظفين: الرئيس والحكومة والوزراء بنسبة 10%، وكذلك جملة من المواقع الكبرى مثل المدعي العام ورئيس لجنة التحقيق، وغيرها.
النقطة الثانية في تخفيض الميزانية، هو التأكيد على أن التخفيض في الإنفاق الإجمالي، يجب أن يترافق مع زيادة في النفقات الاجتماعية.
حيث أكد رئيس الوزراء الروسي مدفيديف، في تصريحاته المتلفزة في نهاية عام 2015، بأن الأولوية لزيادة حقيقية لتمويل الالتزامات الاجتماعية بنسبة 6%، وكانت الزيادة في الإنفاق الاجتماعي في عام 2015 قد بلغت 16%، وظهرت نتائج هذا الإنفاق في انخفاض سريع في تضخم أسعار الغذاء في عام 2016، حيث عاد تضخم الغذاء في شهر 7-2016 إلى مستوى 5%، وهو مستوى بداية 2014 أي قبل الأزمة، رغم وصوله في عام 2015 إلى 25%.
أي أن أسعار الغذاء ارتفعت بمقدار الربع في ذروة الأزمة، ثم عادت إلى مستوياتها السابقة.
للإنتاج دُر..
المعلم الأساسي في السياسة الاقتصادية الروسية، بعد العقوبات، وتراجع النفط، وتراجع الروبل، هو سياسة إحلال الواردات، وتنويع القاعدة الإنتاجية، بتمويل من الاحتياطيات الحكومية، أو عبر الإنفاق في الموازنة.
نما الإنتاج الزراعي الروسي بنسبة 4،4% في عام 2014، ومع التراجع الكبير في استيراد الغذاء في روسيا، نتيجة المنع المباشر، فإن القطاع قد شهد توسعاً هاماً في إنتاجه المحلي، مستفيداً من فرصتي، منع الاستيراد وعدم وجود منافسة خارجية، ومن فرصة انخفاض التكاليف نظراً لانخفاض سعر الروبل التي تتيح فرصة تصديرية هامة للحبوب الروسية.
الأهم من هذا وذاك، هو خطة الحكومة لتقديم دعم زراعي مباشر بمقدار 568 مليار روبل، وحوالي 11 مليار دولار تقريباً، اعتباراً من بداية عام 2015 وحتى 2020. المطلوب من الإنفاق على الدعم الزراعي من الميزانية، تغطية نقص الواردات واستبدال 67% من واردات الخضار و50% من واردات اللحوم و30% من واردات الحليب، كما ورد في تصريحات وزير الزراعة الروسي بتاريخ 3-12- 2014.
مواجهة الهدر في موارد الزراعة
ومع التوسع الهام في قطاع تصدير الحبوب، فإن التركيز يصب في هذا القطاع باتجاهين، الأول: هو توسيع الصادرات نحو الشرق، والثاني: هو تنظيم صادرات القطاع، عبر التقليص من دور الشركات الوهمية التي تعمل على التصدير بطريقة (الأوف شور) لتجنب دفع الضرائب، أي زيادة العائدات الحقيقية من قطاع التصدير، وإيقاف الهدر الناجم عن طرق التصدير التي كانت سائدة، يضاف إلى هذا أن الرئيس الروسي، أعلن أنه اعتباراً من 1-2016 سيتم وضع الإطار القانوني لمصادرة أملاك الأراضي الكبيرة التي لا يستثمرها كبار الملاكين، حيث أشار في رسالته السنوية التي وجهها إلى الجمعية الاتحادية الروسية: (من الضروري أن يتم استغلال ملايين الهكتارات من الأراضي الصالحة للزراعة، والتي هي غير مستغلة حاليا، وفي أيدي كبار مالكي الأراضي، والكثير منهم ليس في عجلة في الانخراط في العمل الزراعي(.
تحريك معامل الدولة..
أعلن بتاريخ 1-2016 عن خطة بمقدار 1،25 مليار دولار تمويل خطة لمواجهة الأزمة الاقتصادية في البلاد، وهدفها دعم الصناعة، ومن ضمنها الصناعة العامة، وبالدرجة الأولى صناعة السيارات وسائل النقل، والصناعات الخفيفة، والبناء، وهذه الأموال المخصصة قد تزيد إذا لزم الأمر.
والنتيجة كانت سريعة، حيث أن الصناعة الروسية التي خسرت في 1-2015 نسبة: 1،5% من نموها، عادت خلال نصف عام 2016 إلى النمو بمقدار 0.4%، عن مستوى عام 2014. حيث في حزيران 2016، نما مؤشر الإنتاج الصناعي الروسي بنسبة 1.7% عن 6-2015، وكان التصنيع الحكومي محرك أساسي لهذا النمو، حيث نمت الصناعة العامة الشاحنات بنسبة 4،4%، على سبيل المثال.