الدَين الداخلي.. (إذا عرف السبب بطل العجب)
مشكلة العجز في سورية سابقة للأزمة، والرجوع إلى جوهر هذه المشكلة، يوضح أن طريقة الحل، عبر تقليص الإنفاق لا يمكن أن تشكل طريقة فعالة، ولا بد من طرق أخرى..
بدأ العجز في الموازنات السورية بالتوسع القياسي منذ عام 2003، حيث توسع في هذا العام بنسبة 55%، واستمر طوال السنوات التالية، حتى بلغ حجمه في موازنة 2010 مقدار 22% تقريباً من الموازنة العامة، وكان هذا العجز ينتقل من عام لعام، ليبلغ العجز المتراكم منذ عام 2003 وحتى عام 2010: 1067 مليار ليرة مسجلاً إقراضاً داخلياً متزايداً لدى البنك المركزي، وعلى الجهات العامة، أي نسبة 38% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010، ونسبة 141% من موازنة ذلك العام.
كان لهذه السياسة التي تقذف العجز من عام لآخر، دون إيجاد الحلول الجدية له الدور الأكبر في ارتفاع معدلات التضخم في سورية قبل الأزمة، حيث بلغ معدل التضخم المتراكم بين عامي 2003 و 2009 نسبة 109%، أي بمعدل تضخم سنوي وسطي: 15.6%، وفق حسابات الاقتصاديين السوريين لمعدل التضخم الحقيقي، المعدل عن التضخم الرسمي.
من أين أتى هذا العجز؟
تزايدت النفقات العامة خلال الفترة بين 2003-2007 بنسبة 62%، بينما تزايدت الإيرادات بنسبة 55% فقط. إلا أن المشكلة لا تكمن بطبيعة الحال في زيادة النفقات، بل تكمن بالدرجة الأولى بضعف عملية إعادة توزيع الدخل عبر الموازنة..
فالموازنة الحكومية يجب أن تلعب دوراً رئيسياً في تحصيل جزء من الدخل المنتج من النشاط الاقتصادي، وتعيد توزيعه على القطاعات الاقتصادية والشرائح الاجتماعية، إلا أنها لم تكن تلعب هذا الدور..
فالناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة بين 2003- 2010 ارتفع بنسبة 120%، بينما الحصة المتحولة منه إلى المال العام، لم ترتفع إلا بنسبة 55%، وكان جزء هام من هذه الحصة ينشأ عبر الدين، أي بالتمويل بالعجز، وهو ضريبة يدفعها الفقراء للأغنياء، لأنه منتج رئيسي للتضخم..
أي أن الزيادة التي كانت تتحقق في الناتج لم تكن تترافق، بزيادة متناسبة في الإنفاق العام، وفي التحصيل العام، وذلك لأسباب عدة:
أهمها أن حصة الدولة من المساهمة في الناتج كانت في انخفاض، وهو ما ينعكس في مساهمتها بتكوين رأس المال التي انتقلت من 53% من رأس المال المستثمر في سورية عام 2003، إلى 43% في عام 2010، بتراجع بنسبة 10%.
أي أن حصة الدولة من إيرادات مشاريعها العامة، ومن عمليات استثمارها كانت في تراجع، وهذه نتيجة منطقية، للتراجع المستمر في دور الدولة الاقتصادي في تلك المرحلة، المتجلي بوضوح بتراجع حصتها من التراكم الاستثماري.
بالمقابل كانت القطاعات المتوسعة، بالدرجة الأولى هي قطاعات التجارة، والمال والخدمات والعقارات، حيث ازداد ناتجها المحلي خلال هذه الفترة بنسبة: 300% بين 2003-2010، أي بمعدل نمو سنوي: 42%!
وهذه الزيادة الاستثنائية في هذه القطاعات، لم ترفق بزيادة حصة الإيرادات العامة من الضرائب والرسوم، فإذا أخذنا الرسوم الجمركية فقط، فإنها لم تتوسع إلا بنسبة وسطية سنوية: 11%، أما ضرائب دخل المهن والحرف، والتي تعتبر ضريبة الأرباح جزءاً منها، فإنها لم تتوسع سنوياً إلا بنسبة 9،2%، وهي التي تساهم بضرائب أرباح المنشآت العامة، وضرائب النفط بالنسبة الأعظم منها.
فعدى عن التهرب الضريبي، فإن السياسة المالية في تلك المرحلة، كانت تسعى نحو تخفيض أعباء الضريبة والرسوم عن القطاعات المالية والخدمية المتوسعة، فعلى سبيل المثال، ترافق السماح للمصارف الخاصة بالعمل في سورية بتخفيض استثنائي في ضرائب الأرباح للشركات المساهمة، وترافق تدفق الاستثمار الاجنبي الخارجي للعمل في المصارف والسياحة والعقارات بإعفاءات استثنائية وفق قوانين الاستثمار.
ومن هذين الموضعين تأتي الإيرادات المالية العامة بشكل أساسي، أي من الإيرادات الحكومية الناتجة عن منشآتها واستثمارها، ومن الإيرادات الضريبية الناجمة عن الدخل الناتج في الاقتصاد المحلي، وعن الرسوم مقابل الخدمات الحكومية.
أدت عملياً السياسات الليبرالية والتوسع في القطاعات الخدمية والمالية والتراجع في قطاعات الإنتاج الحقيقي، وفي دور الدولة، مع التشوه الكبير في المنظومة الضريبية، القائمة على التهرب والإعفاءات، إلى تراجع كبير في الإيرادات العامة، وإلى توسع كبير في حصة القطاعات الخدمية والمالية من الناتج، دون أن يعاد توزيع هذا الناتج عبر الموازنة الحكومية، على القطاعات كافة، والشرائح الاجتماعية، ونتج عن هذا تراكم عجز، أي ديون داخلية بما يزيد عن 1000 مليار ليرة خلال 7 سنوات..
3130
3130 مليار ليرة خلال سنوات الازمة بين 2011- 2016، هو مقدار الدين الداخلي المتراكم عن العجز، وفق أرقام العجز الواردة في الموازنات الحكومية.
1067
1067 مليار ليرة، مقدار الدين الداخلي المتراكم خلال 7 سنوات من الليبرالية الاقتصادية بين 2003-2010، وفق بيانات المكتب المركزي للإحصاء.
160%
نسبة العجز المتراكم خلال سنوات الأزمة من الموازنة الحكومية لعام 2016 تبلغ 160%، بينما نسبته من الناتج الإجمالي لعام 2015 تبلغ 38%، وذلك وفق تقدير الإسكوا للناتج في عام 2015 بمقدار 27 مليار دولار، وبسعر صرف 300 نهاية عام 2015.