مقارنة بخيبة نظيرتها الخمسية العاشرة .. الخطة التاسعة رفعت الرواتب الفعلية للسوريين بنسبة تزيد عن 20 %
هناك هاجس يراود أغلب الموظفين السوريين، البعض يسوقها على شكل شائعة، هو من يكذبها، ليعود ويقنع نفسه وزملاءه بها، لأنه بحاجتها، سواءً كانت الزيادة، لكي تنقذه - ولو لفترة بسيطة - من عجزه المالي الدائم، أو الكذبة ذاتها، لكي ترفع معنوياته، وتمده بالأمل قليلاً من الزمن، أما البعض الآخر، فإنه قرر تجاهلها، وعلى حد قوله: «إذا أتت منيح، بس هيك هيك الأسعار رح تشفطها، ويا ريت ما بتجي»..
فسورية تشهد اليوم نقاشاً شعبياً معتاداً حول زيادة الرواتب، لكنه مختلف في المضمون، لاستناده لوعد قطعته الخطة الخمسية العاشرة على نفسها بزيادة الرواتب بنسبة 100%، فهذه الزيادة المرتقبة – وجميع السوريين يعرفون – أنها كغيرها من الزيادات السابقة، مهما بلغت نسبتها لن تكون قادرةً على ردم الهوة، وجسر الفجوة بين الأجور والأسعار، والتي ترتفع «أوتوماتيكياً» مع اقتراب زيادة أو منحة، لتُبتَلعَ هذه الزيادة قبل وصولها أساساً.
الحكومة تنكث وعودها
الزيادة ليست مؤكدة بعد، والنسبة هي أيضاً موضع خلاف، فالحكومة وعدت بزيادة الرواتب بنسبة 100 % في الخمسية العاشرة، إلا أنها لم تزد الأجور المتهالكة إلا بنسبة 65%، بينما فاجأ رئيس الحكومة ناجي عطري السوريين بالقول إن زيادة الرواتب ستكون بنسبة 17 بالمئة فقط.
ولتوضيح نسبة الزيادة المفترضة التي ما زالت للسوريين في الجيبة الحكومية، كان لا بد من العودة إلى المراسيم الجمهورية، حيث أصدر السيد رئيس الجمهورية المراسيم التشريعية ذوات الأرقام 14 و15 في العام 2006 القاضية بإضافة 5% على الأجور، و800 ليرة، أي أن متوسط نسبتها 20%، وزيادة دورية في العام 2006 بنسبة 9%.
كما أصدر المرسوم التشريعي رقم 24 للعام 2008 القاضي بزيادة 25 بالمائة على الرواتب، كما حصل العاملون على زيادة دورية 9 % في العام 2010.
فنسبة الزيادة الاسمية المحققة للرواتب والأجور خلال الخمسية العاشرة بلغت 78 %، أي أنه ما يزال للموظف السوري ما نسبته 23 % من راتبه الحالي في ذمة الحكومة، أما بالأسلوب العادي، فإن نسبتها ستصل إلى 37% من إجمالي الراتب الحالي، أي أن زيادة 17% - إذا ما حصلت – فإنها تعني أن الحكومة لم تفِ بوعودها السابقة للموظف السوري.
الزيادات على الرواتب الخطة الخمسية العاشرة
(2005 -2010)
تطور اسمي للأجور
لمعرفة جدوى الخطة الخمسية الحالية من زاوية الرواتب والأجور، كان لا بد من مقارنتها بالخمسية التاسعة (2001 – 2005)، والتي شهدت زيادة على الرواتب في العام 2002، عندما أصدر رئيس الجمهورية المرسوم التشريعي رقم 28 القاضي بإضافة 20 بالمئة من الرواتب المقطوعة، كما أصدر السيد الرئيس في العام 2004 المرسوم التشريعي رقم 30 القاضي بزيادة 20 بالمئة على الرواتب والأجور المقطوعة، بالإضافة إلى زيادتين دوريتين في العام 2002 و2004، أي أن زيادة الرواتب الإجمالية خلال الخطة الخمسية التاسعة بلغت 71%، مقارنة بزيادة 78 % في الخمسية العاشرة، لكنها لا تتعدى كونها زيادة اسمية للرواتب فقط، لأن نسب التضخم في الأسعار استطاعت التهام هذه الزيادات على الرواتب والأجور.
زيادات الرواتب خلال الخطة الخمسية التاسعة
(2001 -2005)
التضخم يلتهم الراتب والزيادة معاً
إن أرقام التضخم المعلنة لا تعبر عن التضخم الفعلي في الأسعار، بل يمكن القول إن أرقام التضخم الفعلية هي أضعاف المعلنة على أقل تقدير، فزيادة الرواتب رسمية فقط، بينما تطال الأسعار زيادات معلنة، وأخرى غير معلنة يفرضها الاحتكار، وجشع التجار، ولكن لا يتم إعلانها أو توثقها بالأرقام. ومن هنا فإن الزيادة الفعلية في الرواتب، تقاس على أساس حذف نسب التضخم في الأسعار من الزيادات المتتالية على الأجور.
تضخم الأسعار خلال الخمسية التاسعة
(2001 -2005)
تضخم الأسعار خلال الخطة الخمسية العاشرة
(2001 -2005)
هذان الجدولان، يوضحان أن نسبة التضخم الإجمالية خلال الخمسية التاسعة بلغت 17,34 %، بينما ارتفعت الرواتب خلال الخطة ذاتها بنسبة 71 %، أي أن الارتفاع الفعلي للأجور كان بحدود 53.66%، وبالانتقال إلى الخطة الخمسية العاشرة، فإن التضخم الإجمالي وصل إلى 43.5 %، وارتفعت الرواتب خلالها بنسبة 78 %، أي أن الارتفاع الفعلي للأجور خلال الخطة الخمسية العاشرة كان بحدود 34.5 %، وهذا يعني أن الخطة التاسعة تفوقت - بزيادة الرواتب الفعلية - مقارنة بنظيرتها العاشرة بنحو 20 %.
التخفي وراء الوعود
عانى الاقتصاد السوري خلال الخطة الخمسية التاسعة من فترة ركود مديدة، وتحديات أبرزها: تراجع معدلات النمو، والاستثمار، والإنتاجية، والخلل في التوازنات القطاعية للاقتصاد السوري، وذلك وفق توصيف مقدمة الخمسية العاشرة للخطة التي سبقتها، لكن الخمسية العاشرة تميزت – بحسب التصريحات الحكومية - بتحقيق معدلات نمو عالية، وتدفق الاستثمارات، وبات قطاع الضرائب أهم الموارد الحكومية، وذلك كما أرادتها الخطة العاشرة، لكن على الرغم من ذلك، فإن الخطة فشلت في تحسين المستوى المعيشي للسوريين، و الراتب مكونه الأساسي، حيث لم تستطع الخطة الخمسية العاشرة زيادة الرواتب الفعلية بنسبة تصل – بالحد الأدنى – لما وصلت إليه الخطة التاسعة في هذا المضمار.
عدم زيادة الرواتب اليوم قبل الغد - بنسبة تصل إلى 25 % - لا يعني فقط أن الحكومة نكثت بوعودها أمام المواطن السوري، والقيادة السياسية، وأمام حتى وعودها البراقة في بداية الخطة، بل هذا يعني – دون أدنى شك - أن التوجه والأداء الاقتصادي للحكومة الحالية فشل في تحقيق ما أنجزته الخطة التاسعة، على الرغم من الركود، وضعف الاستثمارات، والتشوه الهيكلي في بنية الاقتصاد، التي وصفت بها المرحلة في هذه الخطة!.. لذلك يجب البحث عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذا التراجع، هل هو الأداء، أم السياسات المتبعة، أم التضليل والتخفي وراء الوعود الحالمة؟!