إلى متى سيستمر الخلل بين كتلة الأجور والحد الأدنى لمستوى المعيشة؟! هل تسمح كتلة الناتج الإجمالي الحالية بزيادة الرواتب تناسباً مع الإنفاق المطلوب؟!

مع كل عملية بحث جديدة حول علاقة الرواتب والأجور مع الإنفاق الحالي والمفترض نكتشف حجم الفجوة الحاصلة بينهما، لأن الخلل بين مستوى الأجور والأسعار بات واضحاً، وهذا ما يدفع مجدداً للتأكيد على ضرورة ردم هذه الفجوة المتضخمة يوماً بعد يوم، والبداية ستكون بالحديث عن حجم ونسبة الرواتب وأجور العاملين في سورية ومقارنتها بالناتج المحلي الإجمالي، فاستناداً إلى أرقام مسح قوة العمل خلال النصف الأول من العام 2009 التي أجراها المكتب المركزي للإحصاء، تبين أن مجموع المشتغلين في سورية هو 4,9 مليون مشتغل، ومتوسط الرواتب والأجور الشهرية في القطاع العام تبلغ 12,830 ألف ليرة، بينما كان متوسط الأجور والرواتب الشهرية للعاملين في القطاع الخاص 9,680 آلاف ليرة، وهذا يوصلنا حسابياً إلى أن كتلة الرواتب وأجور إجمالي العاملين في سورية هي:

رواتب العاملين في القطاع العام: 12,830 ألف ليرة × 1,4 مليون = 18 مليار ليرة شهرياً.

رواتب العاملين في القطاع الخاص: 9,680 آلاف ليرة × 3,5 مليون = 34 مليار ليرة شهرياً.

وهذا يعني أن كتلة الرواتب السنوية لمجمل العاملين في سورية تساوي 18 + 34 = 52 مليار ليرة شهرياً × 12 شهراً = 624 مليار ليرة سورية. 

ومن هنا نستنتج أن نسبة الرواتب والأجور السنوية مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي تساوي 26% فقط، وهي بذلك تعد أقل بحوالي 14% من كتلة الرواتب التي يجب أن تصل بحالتها الطبيعية إلى حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي، لأن الأجر يمثل الضرورات الدنيا لإعادة إنتاج قوة العمل...

من جانب أخر، فإن الانطلاق من تقسيمات سلة الاستهلاك عالمياً، حيث إن الأسرة تصرف 40% على حاجاتها الغذائية، و60% على الحاجات الأخرى (غير الغذائية)، واستناداً إلى 14400 ل.س التي تشكل إنفاق الأسرة السورية على الحد الأدنى من الغذاء المكونة من 2400 حريرة، فإن إنفاق الأسرة السورية على المواد غير الغذائية يجب أن يبلغ 21600 ل.س (60% من مجمل سلة الاستهلاك)، وهذا يوصلنا إلى أن متوسط إنفاق الأسرة الضروري على الحاجات الغذائية وغير الغذائية يكون 14400 + 21600 = 36 ألف ل.س، فإذا أرادت الحكومة في هذه الحالة رفع كتلة الرواتب والأجور إلى مستوى الحد الأدنى من الإنفاق المطلوب فهذا يعني أن كتلة الرواتب يجب أن تكون على الشكل التالي:

كتلة الرواتب الشهرية = 4,9 مليون مشتغل × 36 ألف ليرة شهرياً = 176,400 مليار ليرة سورية.

كتلة الرواتب السنوية = 176,400 مليار ليرة سورية × 12 = 2116 مليار ليرة سورية.

وهذا يعني أن نسبة كتلة الرواتب المفترضة – اللازمة لتأمين الحد الأدنى للمعيشة - تساوي 88,9% من الناتج الإجمالي، وهذا مستحيل طبعاً في ظل الناتج المحلي الإجمالي الحالي، مما يحتم ضرورة زيادته إلى حوالي 5290 مليار ليرة بدلاً من 2380 مليار المحققة الآن، بحيث تشكل كتلة الرواتب والأجور (2116 مليار ليرة) – التي تغطي الإنفاق في حده الأدنى الآن – حوالي  40% من هذا الناتج الإجمالي. لكن الأهم بتقديرنا يمثل بالسؤال الأساسي: كيف تستطيع الحكومة أن تصل بالناتج المحلي الإجمالي إلى هذا الرقم؟، وبالتالي تحسن مستوى معيشة المواطن السوري؟

هنا لا بد من القول إن للوصول إلى ذلك فثمة طريقين رئيسيين:

أولاً: تحقيق أرقام نمو فعلية وجدية وعالية في قطاعات الإنتاج الحقيقي لكي يكون هناك انسجام رقمي ونسبي بين كتلتي الناتج الإجمالي والرواتب الكافية لتأمين الحد الأدنى من المعيشة، المترافق بالضرورة مع مكافحة الفساد المستشري في كل المفاصل والمؤسسات الحكومية والخاصة أيضاً، والعمل على الحد من التهرب الضريبي المعلن والمقدر بحسب وكالة سانا بـ200 مليار ليرة سنوياً.

ثانياً: تحتم عملية تحقيق هذه الزيادة أيضاً إعادة النظر في العلاقة بين الأجور والأرباح، حيث إن هناك خللاً بين نمو كتلتي الرواتب والأرباح، لأن الأخيرة تزداد سنوياً بأضعاف زيادة كتلة الرواتب، وبالتالي فإن النمو المتوازن لهاتين الكتلتين سيفتح الطريق أمام نمو اقتصادي شامل متوازن، تخفف فيه بالتدريج التشوهات القائمة بين التناسبات الأساسية للاقتصاد الوطني، وبالتالي إيقاف تدهور الوضع المعاشي للأكثرية الساحقة للشعب السوري.