احترنا يا حكومة....
ما عدنا نفهم ما الذي تريد أن تقوله الحكومة مباشرة على لسان فريقها الاقتصادي ووزرائها، أو من خلال توجيه مؤسساتها بين الحين والأخر لإصدار الأرقام المبررة لإجراءاتها وقراراتها. فما هي مصداقية ما يصدر من أرقام وإحصاءات؟! وهل هناك من يدقق أو يتابع؟! وما هي القاعدة الجوهرية التي تسير عليها الحكومة؟ وما هي الفكرة التي تريد إيصالها إلى المواطنين أو الدفاع عنها في ظل أرقام وإحصاءات وتصريحات متضاربة في كثير من الأحيان باختلاف المقطع الزمني؟!
فبعد أن تم رفع الدعم عن المازوت في نيسان 2008 بعدة شهور، خرجت الحكومة عبر المؤسسة العامة للمحروقات لتبشر وتقول إنه وخلال فترة الشهور التسعة الأولى من العام 2008، قد انخفض استهلاك المازوت مقارنة بالشهور التسعة الأولى من العام 2007، وذلك كدليل من قبلها على أهمية وفاعلية إجراء رفع أسعار ليتر المازوت عندها إلى 25 ليرة سورية أي بمقدار 350%. وهذا شكل إدانة للحكومة فيما بعد، لأن تأثير ارتفاع الأسعار طال قطاع الزراعة والصناعة بشكل أساسي، كما انه أدى، ومن جهة أخرى، للجوء قسم كبير منهم إلى استخدام مصادر الطاقة الأخرى مثل الفيول أو الكهرباء.
أما اليوم، وفي ظل الغيوم الملبدة التي تكتنف تقديم البدل النقدي للمازوت المحدود، وغير الكافي إذا ما تم تقديمه أساساً لتدفئة الأسر السورية أكثر من نصف الشتاء، ليقضوا النصف الأخر تحت رحمة البرد، جاء إعلان الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية: «إن هناك زيادة في استهلاك المازوت في سورية بين بداية شهر كانون الأول الجاري حتى 13 منه بنسبة 15■ مقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي، كخير دليل على وضوح تعليمات البدل النقدي التي أدت لمضاعفة الاستهلاك».
فالفترة الزمنية الصغيرة التي تم على أساسها التقييم قصيرة نسبياً، ولا تعبر بتقديرنا عن ارتفاع فعلي في الاستهلاك ناتج عن ارتياح المواطنين، كما أن هذه الزيادة قد يكون سببها البرد القارس في دول الجوار، وارتفاع حدة التهريب لتدفئة الأشقاء، الذين لا يحتملون البرد ولم يعتادوا عليه كما السوريين. كما أننا نريد طمأنة مؤسسة المحروقات إلى أن السوريين قد عادوا لوسائل التدفئة القديمة والتقليدية على الحطب والجلة (روث الحيوانات كانت تستخدم قديماً للتدفئة)، كما أن هناك إقبالاً منقطع النظير من المواطنين السوريين على شراء السخانات الكهربائية ومدافئ الحطب، لأنهم غير قادرين على تحمل فاتورة شراء 200 ليتر من المازوت دفعة واحدة، بل إنهم باتوا يشترونه بالقطارة التي تزعج في كثير من الأحيان بائعي المازوت الجوالين وأصحاب الكازيات. فهل يعقل أمام هذه الوقائع الظالمة بحق المواطن السوري وكرامته أن يكون قد ارتفع استهلاكه من المازوت؟!