مضاعفة ناتجنا أم مساواته مع اقتصادات ضعيفة؟!!

كعادته، يتحفنا النائب الاقتصادي بين الحين والأخر بإبداعات اقتصادية، ليحرضنا للرد على أطروحاته، وليشعرنا بالحراك الاقتصادي الوهمي بفعل غزارة الردود التي تتناول بها الصحافة أقوال السيد الدردري سلباً وإيجاباً، كلٌّ على اختلاف زاوية الرؤية والمعطيات التي يمتلكها، ليكون ذلك بديلاً عن الحراك الحقيقي المفترض في الاقتصاد السوري.. وقد أشار النائب الاقتصادي عبد الله الدردري مؤخراً إلى أن «الناتج المحلي الإجمالي في سورية كان أقل من 24 مليار دولار عندما بدأت الخطة الخمسية العاشرة»... مضيفاً: «نحن ذاهبون في 2015 إلى ناتج محلي أكثر من 100 مليار دولار، وسيكون اقتصادنا أكثر من مجموع اقتصادي لبنان والأردن»... وتابع: «أنا أعتقد أننا نملك اليوم من المصداقية ما يسمح لنا بالقول بأن ما نعد به في عام 2015 سوف نحققه».

في مناقشة ذلك نقول: إن الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد السوري لم يكن 24 مليار دولار عند بداية الخطة الخمسية العاشرة أيها النائب الاقتصادي، بل إنه وحسب الأرقام الرسمية كان حوالي 1698 مليار ليرة سورية (37 مليار دولار) في العام 2006، كما أن هذا الناتج كان في العام ذاته 1709 مليار ليرة (37,15 مليار دولار) حسب تقديرات خبراء صندوق النقد الدولي، أي أن الفارق يصل إلى 13 مليار دولار ما بين تصريح الدردري الحالي وما أُعلن من أرقام رسمية ودولية حول حجم الناتج المحلي لدينا، وهذا الفارق ليس بقليل، لأنه يشكل أكثر من 33% من حجم هذا الناتج المعلن في العام 2006، أي أن الناتج الإجمالي لم يكن 24 مليار دولار كما أعلنه وأراده الدردري، ليعلن من فوقه بطولاته في الإنجاز والتحقيق، وإذا ما انطلقنا من المقولة المنطقية «المقدمات الصحيحة تؤدي بالضرورة إلى نتائج صحيحة» وأسقطناها على منطق الدردري، فإنه يمكن القول إن مقدماته الخاطئة بالأرقام ستفضي بالضرورة إلى نتائج خُلبية إن لم نقل   كارثية على أرض الواقع... أي أن المصداقية التي افترض النائب الاقتصادي وجودها قد انهارت على أبواب الخطوة الأولى، والمدماك الأول في جسر المصداقية التي افتُرِضَ وجودها بين الشارع السوري والفريق الاقتصادي منذ بداية الخطة الخمسية العاشرة.

ويبدو أن النائب الاقتصادي لم يطلع على حجم الناتج الإجمالي في لبنان والأردن قبل الإدلاء بتصريحه، فالناتج المحلي الإجمالي في لبنان يقدر بحوالي 33 مليار دولار في 2009، كما أن الناتج المحلي الإجمالي في الأردن يقدر بحوالي 23 مليار دولار في العام ذاته، أي أن مجموع الناتجين يساوي 55 مليار دولار في العام 2009، بينما الناتج الإجمالي لسورية يبلغ حوالي 2376 ليرة سورية (51,6 مليار دولار) حسب أخر الأرقام الرسمية، كما أن هذا الناتج بلغ 52,5 مليار حسب أرقام صندوق النقد الدولي الأخيرة، أي أن الناتج المحلي بالدرجة الأولى لمجموع البلدين متقارب من حجم الناتج المحلي في سورية، أي أن الوصول في العام 2015 إلى هذا الشكل من التقارب والتساوي أيضاً لا يعني أن الحكومة والفريق الاقتصادي قد حققا إنجازاً اقتصادياً بذلك، كما يحاول الدردري تصويره لتحقيق انتصاراته الشكلية.

والنقطة الأهم التي يجب الانتباه والتنبيه إليها، هي الماهية والبنية الاقتصادية الضعيفة نسبياً لهذه الدول، والتي تعتمد على مورد اقتصادي (قطاع واحد) ـ غير حقيقي في الغالب ـ لتحقيق معظم ناتجها المحلي الإجمالي، بينما يمتلك اقتصادنا العديد من القطاعات التي تساهم في تحقيق ناتجه المحلي، ونموه الاقتصادي، لأنه أكثر تنوعاً وغنى، فالاقتصاد اللبناني يفتقر للخامات والمواد الأولية الطبيعية، ويعتمد على الدول العربية في الحصول على النفط، ويعد قطاع الخدمات وبخاصة قطاعي السياحة والمصارف من أهم قطاعاته الاقتصادية، حيث يساهم قطاع الخدمات بحوالي 60% من إجمالي الناتج المحلي لديه، عائداته السياحية بلغت 7 مليار دولار في العام 2008، كما أن الاقتصاد اللبناني يغرق بالمديونية التي تصل اليوم إلى 180% من حجم ناتجه المحلي الإجمالي، وعدد سكانه يبلغ حسب تقدير الأمم المتحدة لعام 2008 حوالي 4,099,000 نسمة،  وتبلغ مساحته 10.452 كم2.

أما الأردن، فإنه يعتبر من الاقتصاديات صغيرة الحجم محدودة الموارد الطبيعية، لا يملك تقريبا أي موارد للنفط، ويعتمد على الدول العربية (العراق بشكل أساسي قبل الغزو الأمريكي عام 2003) في الحصول على النفط، قطاع الخدمات هو القطاع الرائد حيث يساهم بالنسبة الأكبر في الناتج المحلي الإجمالي، ويعتمد اقتصاد الأردن على الزراعة بنسبة بسيطة، وتعتبر المساعدات الخارجية أحد مقومات الاقتصاد الأردني في غياب المقومات الاقتصادية الحقيقية، ويصل عدد سكانه اليوم إلى 6 مليون نسمة، وتبلغ مساحته 89.287 كم2.

الاقتصاد السوري يتفوق على الاقتصاد الأردني واللبناني مجتمعين بجانبين، وهذان الجانبان يفترضان بالتالي أن يكون حجم ناتجنا المحلي الإجمالي اليوم ضعف ناتجهما مجتمعين لا مساوياً لهما بعد خمس سنوات، أي أن ناتجنا المحلي يجب أن يبلغ 4– 5 أضعاف الناتج المحلي في لبنان والأردن عام 2015، حيث إن مساحة سورية والمقدرة بـ185 ألف كم2، والكتلة البشرية الكبيرة التي تمتلكها سورية، والتي تصل إلى (23 مليون نسمة) ـ ضعف مساحة وعدد سكان البلدين مجتمعين ـ وهاتان الميزتان تفترضان تضاعف الإنتاج المحلي حتى لو توفرت الإمكانات والموارد الاقتصادية ذاتها، إن لم نقل إن الاقتصاد السوري يتميز بتنوع وتعدد موارده الاقتصادية، وهذا ما يفتقره كل من لبنان والأردن.

وبالانتقال إلى الاقتصاد السوري، فإن قطاع النفط ما يزال يساهم بـ25% من الموازنة العامة للدولة، بإنتاج يصل إلى 382 ألف برميل يومياً، على الرغم من كل ما يحكى اليوم عن تراجع الإنتاج النفطي، بالإضافة إلى وجود احتياطي وإنتاج كبير من الغاز الذي يغطي حاجة القطر، وقطاع الزراعة يساهم بـ22% من الناتج الإجمالي،  كما تتراوح فوائض المؤسسات العامة حتى اليوم بين 90 – 120 مليار ليرة حسب أرقام صندوق النقد الدولي، على الرغم من قدم الآلات وخطوط الإنتاج التي وصل عمر اغلبها إلى أكثر من 50 عاماً، والفساد الذي يستشري في جميع مفاصل القطاع العام مما يتسبب بخسائر بعض هذه الشركات، كما أن قطاع السياحة السوري يساهم هو أيضاً بـ 11% من الناتج الإجمالي (4 مليار دولار في 2009)، حيث وصل عدد السياح إلى نحو 6 ملايين سائح في العام 2009 حسب تصريح وزير السياحة، والدين الخارجي لا يشكل سوى جزء بسيط جداً من الناتج المحلي الإجمالي، كما أن عدد سكان سورية وصل إلى 23 مليون نسمة في العام 2009.

فالمقارنة هنا بالتأكيد، لا تصلح، لأنها أتت بين اقتصادات غير متكافئة أو متساوية، أو بالحد الأدنى متقاربة في الإمكانات، فهذه المقارنة يمكن أن يسعى إليها نائب رئيس الحكومة الأردني أو اللبناني مع الاقتصاد السوري المتنوع، فهذا يمكن تفهمه... لكن أن يقارن نائب رئيس وزرائنا بيننا وبين اقتصادات ضعيفة فهذا ما لا يمكن فهمه بالتأكيد، إلا من زاوية التضليل المفتعل للشعب السوري والقيادة السياسية على حد سواء، حيث تعد سورية وفق بعض الإحصاءات العربية من أغنى الاقتصادات العربية بما فيها الدول النفطية.

آخر تعديل على السبت, 16 تموز/يوليو 2016 11:58