اللهم أجرنا من الحسد
يبذل المواطن السوري جهداً كبيراً كل يوم، بل كل لحظة، ويجالد نفسه، وربما يجلدها، لتنصاع له وتسلّم بأنه قد يمر بعض الصدق في كلام المسؤولين الاقتصاديين.. حتى وإن كان يراد منه باطل.. ولكن عبثاً، فلا النفس تنصاع، ولا هؤلاء المتربعون على عرش القرار الاقتصادي يصدقون ولو بالمصادفة.. وتثبت الوقائع على الأرض من جهة، والتصريحات والقرارات والإجراءات من جهة أخرى، أن الهوة بين ما يحدث حقيقة وما يقال زيفاً أكبر من أن تردمها الأمنيات المستحيلة..
فالمواطن الذي يغالب الوقائع اليومية الصادمة الواضحة ممنياً نفسه باحتمال تحسن مستوى المعيشة، ولو بعد حين، ويحاول تجاوز عثرات نهاراته وكوابيس لياليه، حال آماله بحكومته كحال من يقف على خيط رفيع معلق في الهواء، توقعه نسيمة عابرة، فكيف بتصريح مجلجل مليء بالادعاءات يطلقه مسؤول كبير من مستوى النائب الاقتصادي أو واحد من فريقه المتلبرل؟
ولعل آخر ما أحبط المضطرين لتصديق التصريحات الحكومية دفعاً لليأس، وآلمهم لدرجة الضحك من البلوى، هو تصريح النائب الاقتصادي بأن «فرنسا وإنكلترا تحسداننا على وضعنا الاقتصادي»!!..
فلماذا يحسدنا هؤلاء، أصحاب العيون الزرق والعياذ بالله؟
هل يحسدوننا على مستوى معيشتنا، ومعظم من يعمل منا يضطر للكدح 12 أو 14 أو 16 ساعة كل يوم لكي لا يموت وأسرته من الجوع؟
هل يحسدوننا على مستوى البطالة الخارق والإعجازي الذي حط رحاله في بلادنا كضيف ثقيل مع وصول الفريق الاقتصادي بأفكاره النيوليبرالية إلى موقع القرار، فباتت تتمتع كل أسرة سورية بوجود عاطل العمل بالحد الأدنى بين أفرادها؟.
هل يحسدوننا على خطط النمو الوهمية، وأرقام النمو الوهمية، وتصريحات النمو الوهمية، ونتائج النمو الوهمي؟
هل يحسدوننا على الاستثمارات الوهمية، ووعود الرخاء الكاذبة؟
هل يحسدوننا على الخصخصة والنهب والفساد وتراجع التعليم والصحة والضمانات والخدمات ومستوى الإنفاق؟
هل يحسدوننا على القوانين والتشريعات الجديدة التي تضرب بوتيرة متسارعة جداً كل المكتسبات التي حققها الشعب السوري بنضاله الطويل؟
هل يحسدوننا على التلوث الخطير الذي ضرب معظم مدننا الكبيرة، وعلى التصحر الذي يسحق كل يوم مساحات جديدة من ربوعنا التي كانت حتى وقت قريب خضراء يانعة، فجاءت السياسات والقرارات والمخططات والمحسوبيات لتحيلها إلى كتل أسمنتية أو إلى قفار جرداء؟
هل يحسدوننا على آثارنا التي تُنهب، وثرواتنا التي تُهدر وتُسلب، وكوادرنا وكفاءاتنا وخاماتنا التي تهرب أو تهرّّب؟
لعل الشيء الوحيد الذي يمكن أن يحسدنا عليه أحد هو الفريق الاقتصادي نفسه الذي ابتدع قبطانه تصريحات الحسد، فهو عبقري وعملي وسريع وانقلابي وزئبقي، وماهر في المناورة، ولا يُغلب في المداورة، ولا يعبأ لخسارة في المقامرة، قوي على الضعفاء من أبناء جلدته ليكون قدوة لهم، ومستكين أمام الأقوياء من معلميه في المؤسسات الدولية اتقاءً لشرّهم، لذلك فهو بحاجة إلى «رقية» تقيه شر الحسّاد، أو خرزة زرقاء تحميه من كل عين زرقاء «طرّاقة» رأته ولم تصلّ على النبي..
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.