الثلاثاء الاقتصادي يناقش إخفاقاتِ التنمية الإقليمية.. د. خضور: التنمية الإقليمية مدخلٌ لإعادة توزيع الثروة والدخل
خصصت جمعية العلوم الاقتصادية السورية ندوتها الأخيرة يوم الثلاثاء 2/3/2010 لبحث «إخفاقات التنمية الإقليمية في سورية»، وتولى التصدي لهذا المحور الذي يعدّه الاقتصاديون من أهم القضايا في الاقتصاد الوطني، الدكتور رسلان خضور، الذي بدأ محاضرته بالتأكيد على أهمية التنمية الإقليمية على خارطة التحديات الكبرى التي تواجه المجتمع والاقتصاد السوريين، ورأى أن التنمية الإقليمية في سورية منيت بإخفاقات عديدة، كونها لم تحقق نجاحات متميزة في مجال التنمية المحلية والإقليمية..
عرض د. خضور لعدد من مظاهر إخفاقات التنمية الإقليمية موضحاً أنها جاءت رغم الحديث عن التخطيط الإقليمي منذ عقود ورغم إحداث وزارة الإدارة المحلية منذ 1971، ورغم وجود إدارة كبرى في هيئة تخطيط الدولة تعنى بالتخطيط الإقليمي، ومن الإخفاقات والاختلالات على مستوى الأقاليم في سورية التي حددها د. خضور بسبعة، كان اختلال العلاقة بين عدد السكان والحيز الجغرافي الأول، حيث يبلغ عدد سكان سورية المقيمين داخل البلاد نحو 20 مليون نسمة، وإذا كانت سورية من الدول قليلة الكثافة السكانية أخذاً بالمقياس الحسابي الكيلومتري الإجمالي (أقل من 100 نسمة في الكيلو متر المربع)، إلاّ أنها تنتمي إلى الدول عالية الكثافة السكانية في مناطق الشبكة العمرانية المأهولة (أكثر من 250 نسمة في الكيلو متر المربع)، إذ تبلغ الكثافة السكانية في مناطق الشبكة العمرانية 273 نسمة في الكيلو متر المربع، وهذا حسبما أضاف د. خضور، يعادل ثلاثة أمثال الكثافة السكانية الكيلومترية التي تبلغ 98 نسمة في الكيلو متر المربع.
وأوضح د. خضور أن 60% من عدد سكان سورية (نحو 12 مليون نسمة) يتركز في أجزاء محددة من محافظات؛ دمشق، ريف دمشق، حلب، حمص، حماة، وعلى مساحة 13% من مساحة سورية الإجمالية، ويمثل عدد سكان حلب ودمشق وريفها 44% من عدد سكان سورية على مساحة لا تتجاوز 8% من كامل المساحة، بينما يشكل سكان حمص 8.6% من إجمالي عدد السكان، في حين تشكل مساحة محافظة حمص 22.1% من مساحة سورية الإجمالية، ويشكل سكان محافظتي اللاذقية وطرطوس 8.8% من السكان يقيمون في مساحة تساوي 2.26% من المساحة الإجمالية.
وانطلاقاً من هذه النسب، أوضح د. خضور أنه من المتوقع أن يبقى التوزع السكاني شديد الاختلال حتى 2025، حيث سيتركز 97% من الزيادة السكانية في مجال الشبكة العمرانية الضيقة التي تبلغ 33.6% من مساحة البلاد، ويتوقع أن ترتفع الكثافة السكانية من 273 نسمة في الكيلو متر المربع إلى 410 نسمة، وكل هذا في الرقعة المحدودة من الشبكة العمرانية المأهولة.
وتابع د. خضور عرضه لمظاهر إخفاقات التنمية مبيناً أن أحدها كان الهجرة من الأرياف إلى المدن ومن المحافظات إلى مراكز ما سماه «الاكتظاظ البالوني»، حيث أدت عوامل عديدة منها ضعف مستوى أو انعدام الخدمات والبنى التحتية ومحدودية أو انعدام الاستثمارات، أدت هذه العوامل إلى تحول الريف إلى طارد للسكان باتجاه المدن الكبرى وأحزمتها العشوائية، فتزايدت الهجرة من الأرياف إلى المدن ومراكز البالونات الحضرية الكبرى غير المستعدة وغير المؤهلة لاستقبالهم واستيعابهم. وبيّن د. خضور أن لهذه الهجرة والتركز السكاني نتائج إشكالية كبيرة، ومنها الازدحام والتكدس وتدهور وتلوث البيئة ونقص السكن وتكوين أحياء الفقر العشوائية، ما يجعل إدارة هذه المدن والتخطيط للبنية التحتية فيها وتوفير خدمات كافية لسكانها أكثر تعقيداً وصعوبةً، ومن أحد هذه الآثار الملموسة للتركز السكاني العالي أوضح د. خضور أن دمشق أصبحت ثامن أغلى مدينة في العالم بأسعار العقارات، حيث ارتفع سعر المتر المربع التجاري فيها إلى 979 يورو بينما في لندن هو 1400 يورو.
ويضاف إلى المظاهر السابقة حسب د. خضور، التلوث والتدهور البيئي، وتراجع الخدمات، إلى جانب النمو السريع للتجمعات العشوائية التي تعدّ من أبرز مظاهر إخفاقات التنمية الإقليمية، ويتجلى ذلك بظهور التجمعات العشوائية غير الحضرية في مداخل وأطراف المدن، حيث التداخل بين أنماط ريفية وحضرية، وحيث انتشار الأمراض والمشكلات الاجتماعية. ويشكل سكان التجمعات العشوائية ما بين 30 و53% من سكان دمشق وحلب وريف دمشق، أما في حمص فيشكل ما بين 35 و40% من السكان، وعلى مستوى سورية يبلغ عدد التجمعات السكنية العشوائية 131 تجمعاً تتركز في دمشق وريفها وحلب وحمص، ويبلغ عدد سكانها نحو 2.5 مليون نسمة، أي 14.6% من إجمالي عدد السكان.
ويمثل التوزع الاستفزازي غير المتوازن للاستثمارات مظهراً آخر لإخفاقات التنمية الإقليمية في سورية حسبما أوضح د. خضور، إذ يعد التوزع غير المتوازن للاستثمارات بين الأقاليم نتيجةً لعدم وجود سياسة واضحة للتنمية الإقليمية من جهة، ونتيجةً للتفاوت التنموي الكبير بين الأقاليم من جهة ثانية، ويظهر سوء هذا التوزع في الاستثمارات الخاصة أكثر منه في الاستثمارات العامة، وخلص د. خضور بعد عرض مظاهر الإخفاقات التنموية إلى أن هذا الواقع يفرض إيجاد استراتيجية تنموية إقليمية أكثر جدية، وليس إجراءات آنية ارتجالية، والهدف من الاستراتيجية هذه لابد أن يكون إعادة توطين النشاط الاقتصادي، وإعادة توزيع السكان بما يتناسب مع الموارد الطبيعية والإمكانات الاقتصادية الحالية والمحتملة والطاقة الاستيعابية لكل إقليم في سورية على حدة.
وبعد أن عرض د. خضور لبعض الأسباب التي أدت إلى حصول هذه الإخفاقات، ولبعض التوجهات والإجراءات الحالية للتنمية الإقليمية في سورية، خلص في محاضرته إلى رؤية عامة للتنمية الإقليمية في البلاد، وأوضح أنه انطلاقاً من أن التحديات الكبرى التي نواجهها هي مشكلة الفقر وتوزعه الجغرافي ومشكلة التجمعات السكنية العشوائية، انطلاقاً من أن هذه التحديات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتنمية الإقليمية، فيجب النظر إلى التنمية الإقليمية على أنها الطريقة الفعالة والمدخل الصحيح للتعامل مع التحديثات، فالتنمية الإقليمية حسب قوله تعدّ أحد مداخل إعادة توزيع الثروة والدخل، وفي الوقت نفسه لا تعني التنمية الإقليمية تنمية الأقاليم الأقل نمواً فقط، وإنما في الواقع تعني تنمية الأقاليم الحضرية ذات الاكتظاظ البالوني أيضاً، وذلك عبر تخفيف العبء وتخفيف الضغط عن المراكز الحضرية الكبرى، فغاية التنمية الإقليمية ليست فقط سكان الأقاليم الأقل نمواً وإنما سكان المراكز الحضرية المتطورة والتي تعاني من أزمات ومشكلات مختلفة بفعل إخفاقات التنمية الإقليمية.
ورأى د. خضور أن التنمية الإقليمية هي عملية إعادة توزيع الأثقال والحمولات وفي الوقت نفسه إعادة توزيع للثروة والدخل والفرص عبر إعادة توزيع الاستثمارات والنشاطات الاقتصادية وبالتالي إعادة توزيع السكان وإعادة توزيع أحجام المدن، إضافةً إلى إعادة تشكيلها ليس انطلاقاً من الموارد الفعلية المستغلة فقط بل انطلاقاً من الموارد المتاحة التي تحدد الآفاق والاتجاهات المستقبلية.
أما متطلبات التنمية الإقليمية فحددها د. خضور بمجموعة من الأساسيات الواجب توافرها لنجاح أية سياسة تنموية إقليمية، وهي توفر قواعد المعلومات والدراسات التفصيلية عن واقع الأقاليم، وهذا يتطلب دراسة الموارد المتوفرة في كل إقليم اعتماداً على تقنيات نظم المعلومات الجغرافية التي تعد أداةً فعالةً في التخطيط الإقليمي لكونها توفر قاعدة بيانات مهمة جداً لأية تنمية إقليمية ولإطلاق أي برنامج تنموي إقليمي، إلى جانب التعرف على المشكلات الأساسية والاحتياجات الفعلية في كل إقليم، وتوفر مجموعات من الخبراء والكوادر المحلية والإقليمية المدربة باختصاصات مختلفة قادرة على تشخيص الأوضاع المحلية للأقاليم ووضع التصورات المستقبلية لها، وشدد الباحث على أهمية إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية الحالية بحيث يبنى التقسيم الجديد على أساس التكامل الاقتصادي والاجتماعي والطبيعي في كل إقليم كوحدة متكاملة وعلى أساس الوظيفة التنموية والتنسيق الكامل بين المحافظات المتجاورة في إطار الإقليم الاقتصادي، إلى جانب تشديده على ضرورة صياغة علاقة واضحة بين الحكومة المركزية والأقاليم بحيث يحدد دور الحكومة المركزية بصياغة الخطة العامة للدولة وتحديد اختصاصات السلطات الإقليمية والمحلية وصلاحياتها ومسؤولياتها، إلى جانب أهمية تحفيز منظمات المجتمع الأهلي للقيام بدورها المحلي والإقليمي باعتبار أن لمشاركة السكان عبر منظمات المجتمع الأهلي دور مهم جداً في التنمية الإقليمية.