سعر كيلو اللحمة دليل على سلة الاستهلاك المثقوبة!

كان سعر كيلو اللحمة في خمسينيات القرن الماضي يعادل أجور العامل السوري ليوم واحد، أي أن الرواتب الشهرية كانت تعادل 30 كيلو لحمة، هذا ما يؤكده من عاش هذه المرحلة من تاريخ سورية، فاللحمة كانت معياراً شخصياً تجريبياً لتقييم حاجة الناس الشهرية من النقود، وهم لم يكونوا عارفين أساساً بسلة الاستهلاك، ولا بتقسيماتها أو بتثقيلاتها، فحساباتهم انطلقت من تجربة حياتهم اليومية التي عاشوها، وحجم احتياجاتهم، واعتمدوا في تحديدها على حساباتهم البسيطة.

فهذا المنطق البسيط اقتصادياً، إذا أردنا تطبيقه على سوية أسعارنا اليوم، ومقارنته مع الأجور والرواتب، فإننا نصل إلى أن الحد الأدنى لراتب السوري يجب ألا تقل عن 24 ألف ليرة، على اعتبار أن سعر كيلو لحم الغنم وصل إلى 800 ليرة سورية في يومنا هذا. بينما الواقع يؤكد أن متوسط الأجور والرواتب - حسب آخر الإحصاءات -  لا يتعدى حدود 11 ألف ليرة شهرياً، أي أن الفرق شاسع بين الطرفين، وهذا يتطلب بالحد الأدنى، مضاعفة الرواتب رغم أن مضاعفتها لن تستطيع ردم الهوة وإعادة التوازن بين كفتي الأجور والأسعار.

إن هذه المقارنة البسيطة تثبت بشكل قاطع أن سلة الاستهلاك المثقوبة بحاجة إلى إعادة ترتيب في تقسيماتها ونسبها الموضوعة، فليس من المعقول ألا تشكل نسبة مكون الإيجار وفقاً لسلة الاستهلاك المركزية سوى 22%، لأن هذا يعني أن مخصصات الإيجار لن تتجاوز 2.5 ألف ليرة سورية، على أساس متوسط رواتب السوريين، وهذه المخصصات لا تكفي لإيجار غرفة واحدة في الأحياء الشعبية.

فالمشكلة هي في الارتفاع المستمر للأسعار، هذا الارتفاع العاكس لمستوى التضخم، يضعف القيمة الشرائية لليرة السورية على الدوام، وبالتالي يخفض المستوى العام لمعيشة السوريين، فالتضخم وفق الأسعار الرسمية بناء على سلة الاستهلاك لم يتجاوز 43.5% خلال السنوات الخمس الماضية (2006 – 2010)، بينما ارتفاعات الأسعار الحقيقية في الأسواق تؤكد أن الارتفاعات تجاوزت سقف 100%، وهذا الارتفاع وللمصادفة ينطبق على أسعار اللحمة مثلاً، ليؤكد من جديد مقولة تجربة أجدادنا وحساباتهم. إن هذه المقارنة البسيطة الكاشفة لمستوى انحدار وتهاوي مستوى المعيشة، يمكن أن ترفدها مقارنات أسعار سلع ومواد أساسية أخرى كأسعار العديد من المواد الغذائية كالخضار والبقول والفاكهة والسكر... وكلها تؤكد أن الهوة بين الأجور والأسعار إلى توسع وازدياد، وهذا بدوره يبين إلى أين تسير البلاد في ظل الاستمرار في انتهاج السياسات الليبرالية التي أصبحت كالوباء الذي يأتي على كل شيء.