الفساد في شرايين الاقتصاد السوري.. د. الجاعوني: 5% من الفاسدين الكبار ينهبون 80% من حجم الفساد الكلي
الفساد، بات متجذراً في شرايين الاقتصاد السوري، فمن النادر أن تجد فرعاً من فروع الاقتصاد، أو دائرة من الدوائر حكومية كانت أو خاصة لا تعاني من الفساد المستشري بداخلها، على اختلاف درجاته، فالفساد في سورية، بالإضافة إلى حجمه الكبير الذي يسلب نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي. وحسب تقديرات الاقتصاديين، فإن هناك موجة مجتمعية تروج لثقافة الفساد من خلال اعتبارها غير الفاسد «غبياً» لأنه لم يستغل موقعه، أو الفرصة التي أتته لاستغلال منصبه أو الاستفادة منه بطرق غير مشروعة، فالفساد بات «شطارة» على ألسنة العامة، وقناعة لا تزحزحها كل المبررات المعارضة لهذا الفساد.
من التعميم إلى التوصيف بالأرقام
إن الحديث عن الفساد بقي في الإطار العمومي، ولم يدخل حيز التوصيف بالأرقام والمعطيات الموضوعية الدقيقة إلا من خلال الدراسة التي أعدها د. فريد الجاعوني أستاذ كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، الذي كان السبّاق لذلك..
صحيفة «قاسيون» استضافت د. الجاعوني، وأجرت معه حديثاً مكثّفاً عن قضية الفساد، وتناولت الأرقام، ومدى الدقة العلمية، لكي لا يبادر البعض بالقول إن هناك تعميماً غير مبرر عند الحديث عن حجم الفساد الكبير في سورية..
د. الجاعوني أكد أن الدراسة التي أعدها عن الفساد، اعتمدت على عدد من المتغيرات الكمية المستقلة التي درست على أساس تأثيرها على المتغير التابع (مؤشر التنمية البشرية)، وهي /10/ متغيرات، كحق التعبير والمساءلة، ضبط الفساد، الاستقرار السياسي، تصنيفات الحقوق، مؤشر مدركات الفساد، فاعلية الحكومة، نوعية التنظيم والضبط، رتبة الدولة، دليل المكانة، وتم تقسيم هذه المؤشرات الرئيسية على مؤشرات فرعية، كحق التعبير والمساءلة الذي تضمن شفافية القوانين، حرية الصحافة، ومؤشر الاستقرار السياسي الذي تضمن حالة الاستقرار السياسي، وأهم المؤشرات هو مؤشر مدركات الفساد، الذي يقيس مدى إدراك المسؤول ذاته لوجود الفساد، ويعرف هذا المؤشر الفساد بأنه سوء استغلال الوظيفة العامة من أجل المصالح الخاصة، كالعمولات، وهذا المؤشر يعتمد على مسوحات قامت بها /14/ منظمة مستقلة.
وإضافة إلى هذه المؤشرات، تمت إضافة متغير تجزئة بسيط، وهو متغير متوسطات الدخول في الدول العربية، والذي تم تقسيمه إلى أربعة مستويات، مرتفع، متوسط، أدنى من المتوسط، ومنخفض.
العلاقة عكسية بين الفقر الفساد
أشار د. الجاعوني إلى أن البحث كان يهدف إيجاد العلاقة بين الدخل ومؤشر الفساد، وتوصلت الدراسة إلى انه كلما ازداد المستوى الاقتصادي للدولة انخفض المستوى العام للفساد، لكن ليس لجميع المؤشرات، فبعض المؤشرات كحق التعبير والمساءلة - لم يتأثر بمستوى غنى الدول أو فقرها، بينما كان تأثير المستوى الاقتصادي للدولة تأثيراً كبيراً على مؤشر مدركات الفساد، فالعلاقة عكسية بين المؤشرين.
وربط د. الجاعوني بين مستوى الفقر، ومستوى الفساد، معتبراً أن العلاقة عكسية بين الاثنين، فالفرق جدي بين الدول الغنية والفقيرة، فعلى صعيد مؤشرات الفساد جميعها، فإن الدول التي دخلها أقل من المتوسط كان مؤشر الفساد فيها عند /2.3/ نقطة (الصفر تعني تفاقم الفساد، والعشرة تعني انعدامه)، وهذا يعني أن مؤشر الفساد كان مرتفعاً في هذه الدول، أما في الدول ذات الدخل المتوسط فإن مؤشر الفساد كان عند مستوى /3.4/ نقطة، وبالنسبة للدول ذات الدخل أعلى فإن مؤشر الفساد كان عند مستوى /3.6/ نقطة، بينما في الدول ذات الدخل المرتفع فكان مؤشر الفساد عند مستوى /4.3/ نقطة... أما على صعيد الدول العربية مجتمعة، فإن متوسط مؤشر الفساد مقارنة بالدخل لم يتعد مستواه /3.4/ نقطة، وذلك مقارنة بأفضل مؤشر فساد في العالم والبالغ /8.9 ـ 9/ نقطة في الدول الاسكندنافية، بينما مؤشر الفساد الكلي بسورية كان عند /2.24/ نقطة، ولا تسبق إلا الصومال /0.7/ نقطة، والسودان /1.8/ نقطة، العراق /1.69/ نقطة، وهم فقط أقل من سورية، وكان تصنيفها بين الدول العربية المنخفضة الدخل أي بالمستوى الأخير، وهذا يبرز الارتباط الوثيق بين مستوى الدخل والفساد، فإحصائياً ورقمياً تم إثبات العلاقة الطردية بين مستوى الفقر والفساد، وهذا شيء طبيعي، فالإنسان المعدوم الذي لا يملك السكن والراتب المناسب الذي يؤمن متطلبات الحياة فإنه يجر للبحث عن مخارج أخرى وهو الفساد.
الفاسدون الكبار يأخذون 80% من حجم الفساد
وحول طبيعة الفاسدين والفساد بسورية، فرق د. الجاعوني بين الفاسدين بسبب الأجر، وهم يعتبرون فاسدين صغاراً، على الرغم من أنهم يشكلون عددياً نحو /95%/ من عدد الفاسدين الكلي، إلا أن حجم فسادهم لا يتجاوز في أحسن الأحوال /20%/ من حجم الفساد الكلي، بينما يستحوذ الفساد الكبير على /80%/ من حجم الفساد الكلي، وهم لا يشكلون سوى/5%/ من عدد الفاسدين الكلي، لكن الخطورة - ورغم ذلك - ليست بفساد /5%/ وإنما بفساد /95%/، لأن هؤلاء عمموا ثقافة الفساد، ولم يعد ينظر للرشوة على أنها قضية سيئة، وإنما باتت شطارة.
العلاقة خطية بين الفساد والتنمية البشرية..
وهذا مؤشر خطير
إن مؤشر التنمية البشرية، هو عبارة عن مؤشر مركب من ثلاثة مكونات، مؤشرات التعليم، والصحة، والدخل، وكل واحد منها هو مؤشر مركب من مؤشرين، فالتعليمي يتكون من المتسربين من المدارس، والأمية بين كبار السن مثلاً، ويعكس هذا مؤشر التنمية في سورية، وقيمة هذا المؤشر من/0 ـ 10/نقطة.
1 أقل من 5 مستوى متدنّ من التنمية البشرية.
5 أقل من 8 مؤشر متوسط.
8 أقل من 10 مؤشر جيد.
على مستوى البلدان العربية كان متوسط هذا المؤشر /2/ نقطة، وهو مؤشر منخفض للتنمية البشرية، وتم التوصل إلى وجود علاقة عكسية بين مؤشري التنمية البشرية، والفساد في الدول العربية، فكلما انخفض مؤشر الفساد /1/ نقطة ازداد مؤشر التنمية البشرية /1.8/نقطة، أي أن هناك علاقة خطية بين المؤشرين، وهذا رقم ضخم جداً.
إن تدني الرواتب والأجور في الكثير من بلدان العالم والدول النامية هو دعوة للفساد، فكلما قل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ارتفع مؤشر الفساد، ولذلك بات تدني الرواتب مدعاة للفساد.
الأجور يجب أن ترقع 250%
أكد د. الجاعوني أنه لكي نصل إلى مستوى الرواتب والأجور المتناسب مع مستوى التضخم الحاصل في الأسعار، فإنه يجب رفع الرواتب بما يعادل /250%/ تقريباً لكي تتعادل الأجور والرواتب مع الأسعار، لأن تدني الرواتب أحد الأسباب الرئيسية للفساد، فالدخل الوطني بسورية يزيد بشكل عام، ولكن بيد من تتمركز هذه الزيادة؟! إنها تتمركز بيد /5%/ فقط من السوريين، وليست بيد أوسع شرائح من الشعب السوري، أي أن هذه الزيادة الحاصلة في الناتج المحلي الإجمالي انحسرت بيد /5%/ فقط، وهذا الانحسار هو أيضاً دعوة للفساد، لأنه كلما توزعت الثروة بشكل عادل على عموم الشعب فإن مؤشر الفساد سينخفض بالتأكيد.
التعاون مع المنظمات الدولية
يخفض التنمية البشرية
المنظمات الدولية، وخصوصاً البنك الدولي، إذا تعاون مع الدول وبشكل خاص الفقيرة، فإن له شروطه كإزالة الدعم عن بعض المواد الأساسية، ورفع الدعم سيؤدي لارتفاع الأسعار، وسيؤدي بالتالي إلى انخفاض مؤشر التنمية البشرية،
بسبب انخفاض القيمة الحقيقية للدخل، فعندما رفع الدعم عن مادة المازوت قفزت الأسعار بشكل كبير، وأدى إلى انخفاض المستوى الفعلي لمستوى الدخل، فالمنظمات الدولية لها شروط قاسية دوماً، لكي تدعم مسيرة «التنمية» وهذا سيؤدي إلى انخفاض مستوى الدخول وبالتالي زيادة مستوى الفساد، فالتعاون مع المؤسسات الدولية يؤدي إلى انخفاض مستوى التنمية البشرية.
وأشار د. الجاعوني إلى وجود علاقة عكسية مع مستوى دخول الدول، أي بزيادة حصة الفرد من الناتج القومي بتحسين مستوى مؤشر مدركات الفساد، كذلك الأمر بالنسبة لبقية المؤشرات فإن معظمها يتحسن بتحسين دخل الفرد من الناتج القومي الإجمالي.
وكما نلاحظ جاء مؤشر مدركات الفساد بمتوسط على النحو:
2.15 للدول الفقيرة أو منخفضة الدخول
3.54 للدول ذات الدخول أقل من المتوسط
3.6 للدول ذات الدخول أعلى من المتوسط.
4.6 للدول الغنية
الدول
مؤشر فساد
الجزائر
3.4350
البحرين
4.5500
جزر القمر
3.4543
دبي
3.8300
مصر
3.3530
العراق
1.6900
الأردن
4.5500
الكويت
4.6480
لبنان
3.8078
ليبيا
2.5320
موريتانيا
3.6833
المغرب
3.9630
عمان
4.8940
فلسطين
2.5280
قطر
4.6238
السعودية
3.0870
الصومال
0.7211
السودان
1.8400
سورية
2.2460
تونس
4.2960
الإمارات العربية المتحدة
4.7830
اليمن
3.2090
سورية تراجعت 29 مرتبة بمؤشر الفساد
ذكر تقرير التنافسية العالمي 2010-2011 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي أن ترتيب سورية تراجع من المرتبة 76 العام الماضي 2009 إلى المرتبة 107 هذا العام، وحسب التقرير، واحتلت سورية المرتبة 116 في المدفوعات غير الرسمية، والرشاوى، وحصلت على علامة 3 من 7.