استثمارات «الحادية عشرة» تُمول بالسندات.. فأين الإصلاح الهيكلي للاقتصاد إذاً؟!
سورية تطلق للمرة الأولى أذونات وسندات الخزينة، لتعلن بذلك بدء مرحلة الاقتراض الداخلي، بعد أن وصل الدين العام لسورية في العام 2009 حسب قطع حسابات الموازنة العامة إلى 25.5% من الناتج المحلي الإجمالي، أي أن المديونية سترتفع بعد طرح هذه الأذونات والسندات، وهذا يدفعنا للتساؤل عن موجبات الطرح الحالي، ومبررات الاستدانة، فهل هو لسد عجز في الموازنة العامة التي لم تتعدَّ 42 مليار ليرة مقارنة بـ217 ملياراً متوقعاً سابقاً؟! أم هو دين لتمويل المشروعات؟! وما هي نوعية هذه المشروعات؟! وما المدة الزمنية التي ستسترد بعدها الجهات المُقرضة ديونها؟! فإجابات هذه الأسئلة هي التي ستوجد مبرراً لهذا الاقتراض، أو ستكون الداعي الأول لرفضه!.
ولأن أول الغيث قطرة، قررت الحكومة إطلاق أذونات وسندات خزينة بقيمة خمسة مليارات ليرة سورية (107 مليون دولار) كتجربة، على أن يتم استخدامها في تمويل مشاريع تنموية وخاصة في مجال الطاقة الكهربائية، وهي لا تتعدى كونها تجربة أولية للاستدانة فقط، ولكن الأهم هو ما أوضحه وزير المالية د. محمد الحسين من أن الأذونات سيتم طرحها أولاً، أذن خزينة لمدة ثلاثة أشهر بقيمة مليار ليرة (21,27 مليون دولار)، وأذن خزينة لمدة ستة أشهر بقيمة مليار ليرة، فالمدة الزمنية القصيرة لا تبشر بالخير كثيراً!.
الخلل ظهر بالدرجة الأولى في نقطتين أساسيتين، أولهما أن قيمة السندات الحالية متواضعة قياساً بحاجة قطاع الكهرباء إلى الاستثمار، إذا ما افترضنا صدق النوايا الحكومية، لأن المؤسسة العامة لتوليد ونقل الطاقة الكهربائية كشفت في وقت سابق عن حاجة سورية لاستثمارات خاصة في قطاع الكهرباء بقيمة 1,4 مليار دولار (70 مليار ليرة سورية تقريباً)، أي أننا إذا أردنا طرح أذونات لتمويل الاستثمار في القطاع الكهربائي فقط، فإن هذا يعني أننا مقبلون على وابل حقيقي من الاقتراض عبر سندات الخزينة. أما النقطة الأخرى، فهي مدة استحقاق هذه السندات، فأذونات الخزينة تتم في أغلب دول العالم وفقاً لأجال زمنية طويلة أو متوسطة، وخصوصاً في المشاريع الحيوية ومشايع التنمية التي تحتاج لسنوات حتى تبدأ بالإنتاج، لتسدد الفوائض المالية لهذه المشاريع السندات التي تم طرحها سابقاً، إلا أن المدة القصيرة التي ستسترد بعدها الأذونات (بعد ثلاثة أشهر) تفترض التكهن مسبقاً أن السداد سيتم عبر طرح أذونات جديدة لتمويل سابقاتها، وهكذا ندخل دون أن ندري في دوامة الاقتراض في خدمة الاقتراض، سندات جديدة لتسديد سندات قديمة، وهذا ما ظهر جلياً بتجربتي لبنان ومصر في مجال الاقتراض الداخلي، لأن المشاريع المزمع إنشاؤها لا تكون قد بدأت بالإنتاج.
وبالانتقال إلى الخلل الأساسي الذي سيسببه الاقتراض الداخلي على الاقتصاد السوري بعد آجال زمنية متوسطة وبعيدة، نجد أنه يتجسد بطبيعة الاستخدامات الحالية لهذه القروض، أي نوعية المشاريع التي ستشملها، فهل ستستخدم هذه القروض الداخلية في تمويل العجز أو في البدء بمشروعات استثمارية في القطاعات الحقيقية، أم أنها ستجد طريقها سريعاً إلى المشاريع الخدمية والاستهلاكية، وما من ضمانة لهذه النقطة، بل إنها ستبقى في بوابة التكهن حتى تدخل هذه المشاريع - المزمع إنشاؤها- في الإنتاج الفعلي!.. لأن زيادة الاقتراض وتوجيهه في مشروعات خدمية سيحمل خزينة الدولة أعباء إضافية، ويدخلها بعجز حقيقي مستقبلاً.
أما النقطة الأخرى التي ستظهر آثارها مستقبلاً، فهي أسعار فائدة هذه السندات، وما سيترتب على هذه الفائدة في خدمة الدين، ويشكل عائقاً في وجه التنمية مستقبلاً، فالعديد من دول العالم كاليونان ولبنان وغيرهما.. استسهلت الاقتراض من خلال سندات الخزينة، إلا أن ذلك أوقع المقترضين في عجز دائم، لم يستطيعوا الخروج منه، بل إنه أدى إلى انهيار بعض الاقتصادات بشكل كلي كما حدث في اليونان. ولكن لا بد من التساؤل هنا، إذا تم تمويل الخطة الخمسية الحادية عشرة بالاقتراض الداخلي والسندات، فأين الإصلاح الاقتصادي الهيكلي الذي تحدث عنه النائب الاقتصادي منذ أسابيع؟!