الفساد يبتلع 900 مليار ليرة من الناتج المحلي..
ستحل مشكلة تأمين الموارد المالية كعقبة أساسية أمام الحكومة الجديدة التي ورثت تركة ثقيلة من تخفيض الإنفاق وتراجع الاستثمارات الحكومية، هذا إذا ما أرادت هذه الحكومة السير باتجاهات مختلفة عن سابقتها، عبر المراجعة الشاملة لسياساتها الاقتصادية - الاجتماعية التي اتبعت في السابق، فكما نجح الفريق الاقتصادي في الحكومة السابقة بإقناع الإدارة الاقتصادية أن مشكلة الموارد هي التي تتطلب السير بهذا الخط الاقتصادي، فإن السوريين يتخوفون اليوم من تكرار السيناريو ذاته!. ولكن هل بالفعل نفتقد لمثل هذه الموارد؟! أم أن هناك منابع متعددة للموارد لا يراد الحديث عنها لأنها تختلط برائحة وطعم الفساد؟!
30% حصة الفساد
الحديث عن الفساد وضرورة اجتثاثه لما يوفره من موارد بات ضرورة ملحة، فالفساد يبتلع بالحد الأدنى 20% من الناتج المحلي لسورية، والبالغ 2700 مليار ليرة سورية، أي أن الفساد ينهب سنوياً من الناتج المحلي ما يقارب 540 مليار ليرة سورية، بينما تصل حصة هذا الفساد إلى نحو 1050 مليار ليرة، أي ما يعادل 40% من الناتج المحلي في الحد الأعلى، وفي كل الأحوال يبقى القول إن وسطي حصة الفساد تصل إلى 30% من الناتج المحلي، والبالغة قيمتها نحو 900 مليار ليرة سورية، وفي كل الأحول سواءً اقتنع البعض بأن الفساد وحصته هي كما وصفها الحد الأدنى أو الأعلى، فإن هذا يعني أن قيمة الفاقد المالي الناتج عن الفساد ليس بالكتلة السهلة، خصوصاً إذا ما أكدنا على أن 80% من قيمة هذا الفساد (الفساد الكبير) لا يعاد ضخه في الناتج المحلي، لتفنن البعض في تهريبه للخارج، أو لجوء البعض للاكتناز، وضعه «تحت البلاطات»، وهذا يعني خروجه من التداول السوقي في كل الأحوال، وبالتالي يؤدي لتراجع عدالة توزيع الثروة، وانحسارها بأيدي قلة من السوريين، وبالتالي تعد مهمة تجفيف نبع الفساد هذا من أولويات الحكومة الحالية، لأن ميزانية الفساد اليوم تضاهي إجمالي ما ترصده الدولة في ميزانيتها السنوية طوال السنوات السابقة..
ينابيع الفساد
هل يمكن تشخيص هذا الفساد واقعياً؟! وما هي مكامن وجوده؟! هل سنبقى على تعاملنا معه كمصطلح هلامي لا تجسيد واقعي له عند مكافحته؟! بالطبع للفساد مطارحه وينابيعه التي يتغذى منها، والتي من المفترض تدقيقها وحسابها بدقة، فالمناقصات بكل مكوناتها تعتبر أهم مكون من مكونات الفساد حيث تشير إحدى الدراسات الرسمية إلى أن حصتها تصل إلى 40% من حجم الفساد الكلي، وبشكل أساس في المناقصات الخارجية ذات المبالغ الضخمة، كعقود المناقصات في مجال الاستثمار الكهربائي مع الدول الأجنبية، والكومسيونات التي تتخلل مثل هذه المناقصات شراء المولدات وغيرها من المعدات الكهربائية من الدول الكبرى، وفي المقلب الآخر، نجد المناقصات الداخلية، التي تسرب إليها الفساد بدأ من مناقصات البلديات الصغيرة ذات الخمسين إلى مئة ألف ليرة، وصولاً لمناقصات ترميم المطارات والمرافئ، وتنفيذ المشاريع الاستثمارية في مؤسسات الدولة، والتي تصل قيمتها إلى مليارات الليرات السورية، وبالتالي فإن ضبط عملية هذه المناقصات سيوفر المليارات على خزينة الدولة.
وماذا عن الفساد الجمركي
ليس الفساد الجمركي بأقل أهمية من سابقه، فحصيلة الرسوم الجمركية في سورية على امتداد السنوات الأربع السابقة تؤكد أن هذا الفساد غير قليل في قطاعنا الجمركي، فنسبة الرسوم الجمركية مقارنة بمستورداتنا الإجمالية كانت بحدود 6% بحسب أرقام المكتب المركزي للإحصاء، حيث كانت نسبتها في العام 2006 نحو 6.5%، ووصلت هذه النسبة إلى 6.8% في العام 2009، أما نسبة الرسوم الجمركية مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي فلم تتعدّ 2%، والأهم من كل هذا هو أن مساهمة الرسوم الجمركية كانت بحدود (6 – 9%) من الموازنة العامة للدولة خلال هذه السنوات الأربع.. إذا ما أخذنا العام 2009 كمثال، نجد أن قيمة مستورداتنا وصلت إلى 714 مليار ليرة، بينما لم تتعدّ قيمة الرسوم الجمركية المحصلة خلال العام ذاته 49 مليار ليرة، والفارق كبير بين الجانبين، وهو بحدود 7% فقط، بينما تشير أرقام الجهاز الجمركي أن وسطي نسبة الرسوم الجمركية في سورية 13%، وهذا يؤكد بشكل قاطع أن رقم التحصيل الجمركي يجب أن يصل إلى ما يزيد عن 100 مليار ليرة سورية سنوياً..
150 مليار ليرة تهرب
وكدليل دامغ آخر على فساد الجهاز الجمركي، نجد أن الرسوم الجمركية المحصلة على السيارات السياحية لوحدها يبلغ 25 مليار ليرة × 70% تقسيم 100= 17.5 مليار ليرة سورية، وهذا يعني بالتالي، أن الرسوم الجمركية التي يتم تقاضيها على السيارات السياحية منفردة لا تستحوذ سوى على 3.5% من قيمة المستوردات الإجمالية، بينما وصلت نسبتها إلى نحو 36% من قيمة الرسوم الجمركية الإجمالية في العام 2009.
والأدلة الدامغة المؤكدة وجود الفساد الجمركي عديدة ومتنوعة، فعلى سبيل المثال، بعد حذف قيمة مستورداتنا من السيارات السياحية- يبقى من مستورداتنا ما قيمته 684 مليار ليرة سورية في العام 2009، كما بقي من قيمة تحصيلنا الجمركي ما لا يتجاوز 31.5 مليار ليرة سورية بعد حذف حصة الرسوم الجمركية التي تم فرضها على السيارات السياحية، وفي المحصلة، نصل إلى أن نسبة التحصيل الجمركي على باقي مستورداتنا لا يتجاوز 4.6%، وهذه النسبة من التحصيل الجمركي متدنية عموماً، ولا تتعدى نسبتها ثلث الحصيلة الإجمالية المفترض تحصيلها فقط، وذلك وفق النسب الرسمية المعلنة للرسوم المفترضة، ولا تعكس حقيقة الرسوم الجمركية الفعلية التي يتم فرضها على السلع والمواد المستوردة التي تدخل أسواقنا.
فالضرائب والرسوم الجمركية من أهم إيرادات الدولة، والفساد الجمركي سينعكس في زيادة عجز الموازنة العامة، وبالتالي فإن لهذا الفساد تبعات على مجمل الاقتصاد السوري، وعلى المواطن السوري بالتالي، فالخاسر هو الاقتصاد الوطني والمواطن، وفي المقابل حفنة من المنتفعين في جهاز الجمارك وبعض المستوردين على حدٍ سواء، وهنا نحن نتحدث عن المواد المستوردة التي يتم تسجيلها، وهذه هي قيمة التهرب منها والتي تصل إلى أكثر من 50 مليار ليرة سنوياً، فماذا إذاً عن المواد المهربة التي تدخل بطرق غير نظامية عبر حدودنا، والتي تصل قيمتها دون شك إلى ضعف قيمة التهرب النظامي، وهذا يعني أن مساهمة الفساد الجمركي في الفساد الإجمالي يصل إلى 150 مليار ليرة في العام الواحد تقريباً..
للتهرب الضريبي نصيب
التشكيك برقم التهرب الضريبي المعلن ضرورة، لأن 200 مليار ليرة لا تعبِّر عن حجم التهرب الضريبي فعلياً، على مستويين، الأول هو أن هذا الرقم إذا ما كان صحيحاً، فإن هذا يعني حجم الرأسمال والدخل الذي تقدمه هذه المنشآت يصل إلى 2000 مليار ليرة، على اعتبار أن الضريبة لا تتعدى 10% من الدخل في سورية، أي أن جميع منشآتنا خارج الحصيلة الضريبية، وهذا غير دقيق، أما إذا ما افترضنا على الضفة الأخرى، وهذا الاحتمال الثاني، أن 200 مليار ليرة هي حجم الرساميل المتهربة ضريبياً، فإن هذا يعني أن حجم الفساد الضريبي 20 مليار ليرة، وهذا رقم قليل جداً إذا ما علمنا أن اقتصاد الظل يطال 40% من اقتصادنا الوطني، وهذا يعني أن 1050 مليار ليرة سورية من الناتج المحلي هي خارج المظلة الضريبية، وإذا ما افترضنا أن نسبة التكليف الضريبي، 10%، فهذا يعني أن الفساد الضريبي بالحد الأدنى يصل لـنحو 100 مليار ليرة سورية..