رد على رد «الاتصالات» على «قاسيون» عبر «الوطن»
نشرت جريدة الوطن في عددها رقم 1588 بتاريخ 11-2-2013رداً على المقال المنشور في جريدة قاسيون العدد رقم 588 بتاريخ 4-2-2013 بعنوان «تأميم شركات الخليوي ضرورة راهنة».
وقالت «الوطن» إن «مصادر وزارة الاتصالات والتقانة كشفت عن أن أرقاماً نشرها نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية الدكتور قدري جميل في سياق تناوله لأرباح وعائدات قطاع الاتصالات النقالة، تنطوي على مبالغة كبيرة.»
وأن مصدر الوزارة الذي فضل تسميته بـ «المختص» قد صرح للوطن بأن: «ما ورد في إحدى الدوريات وعلى صفحات التواصل الاجتماعي على لسان النائب الاقتصادي قبل أيام وتناول خلاله قضية تأميم شركات الخليوي، لا يمكن أن يكون حلاً لزيادة الكفاءة الاقتصادية في هذا القطاع، وتوفير الخدمة للمواطنين بأفضل الأسعار وبجودة عالية، وهو يخالف التوجه الذي تمّ اعتماده في قانون الاتصالات.»
نسبت المادة المنشورة في «الوطن» المقال المنشور في «قاسيون» إلى النائب الاقتصادي د.قدري جميل وجاء الرد عليه من وزارة الاتصالات لتعلن المادة أن طرح أرقام شركات الاتصالات الخليوية على طاولة النقاش هو موضوع «منحرف» عن«التوجهات الاقتصادية العالمية»..!!
تعليقات مهنية..
النقطة الأولى قبل التعليق على مضمون رد الاتصالات يلاحظ غياب المهنية والدقة في النقل أو تعمد تأويله بما لا يحتمل، فالمقال المنشور في جريدة قاسيون، لم يحمل توقيع النائب الاقتصادي، وما ينشر في جريدة قاسيون بدون توقيع لأسباب تكنيكية يعبر عن رأي «حزب الإرادة الشعبية»، وبطبيعة الحال لا يخجل الرفيق د. قدري جميل من اسمه ليوقع به على مادة من كتابته بما يعبر عن مواقف الحزب وآرائه الاقتصادية السياسية، ولكن يبدو أن «المختص» في «الوطن» أراد، لغاية في نفس يعقوب، النيل من عمل النائب الاقتصادي في الحكومة.
النقطة الثانية يشير الرد إلى أن الأرقام المتداولة في المقال«مضخمة» ومبالغ بها.. وفيها إجحاف للشركتين المشغلتين ولا يأخذ بعين الاعتبار «النمو التدريجي للقطاع» ولا «عائدات الخزينة وايراداتها التي تبلغ أكثر من 50% من إيرادات الشركتين».. مع العلم أن الأرقام مأخوذة من بيانات الإفصاح المالي، وهي تعبر عن مجموع الأرباح الصافية المعلنة للشركتين خلال عشر سنوات.
وهنا كان حرياً بالمختصين أن يذكروا الأرقام المصححة والمفصلة، عوضاً عن الاكتفاء بتعبير «الأرقام مضخمة».
ضد الانحراف عن التوجهات العالمية!!
يضع رد «الوطن» عنواناً رئيسياً للاعتراض على فكرة التأميم بأنها «انحراف عن التوجهات الاقتصادية العالمية».
يطرح تساؤل هنا: ما هي التوجهات الاقتصادية العالمية التي يعتبر الانحراف عنها خطاً أحمر ولا يجوز الخروج عنه؟.. أوليس المقصود بهذه التوجهات الليبرالية الاقتصادية وإبعاد الدولة عن أي دور اقتصادي مباشر؟
يضيف الرد بأن التأميم «يعارض التوجه المعتمد في قانون الاتصالات والذي يتضمن توسيع التنافسية بما ينعكس في تحسين واقع الخدمة من حيث انخفاض الأسعار وزيادة عدد المشتركين..»ويتعارض مع سعي الوزارة الحثيث تحت جناح شركتي الاتصالات «لتوفير الخدمة للمواطنين بأفضل الأسعار وبجودة عالية»..!!
التنافسية وزيادة الجودة وخدمة المواطن وغيرها من الشعارات كانت مستهلكة مسبقاً عندما بدأ دعاة الليبرالية والتحرر الاقتصادي في سورية باستخدامها، وبلغت أقصى حدود استهلاكها وتفريغها في سورية وفي قطاع الاتصالات تحديداً نظراً لريعيته العالية الناجمة عن جانبين: مستوى الاحتكار العالي الذي لم تسمح هيمنة الشركات بتجاوزه والذي سمح بالمقابل بارتفاع بأسعار الاتصالات في سورية إلى مستوى أعلى من بقية دول المنطقة، مقابل تكلفته المنخفضة التي ساهمت بها التسهيلات المقدمة من الحكومة.
وأثبتت تجربة عشر سنوات أن محاولات إدخال شركة ثالثة، لا تنتمي إلى «سرب المالكين» في سورية، تتقاسم الحصص مع الشركتين السابقتين هي محاولات ممنوعة، واتضح أن الخدمة لم تتحسن إلا منحيث مساحة التغطية،لتترافق مع زيادة كبيرة في عدد المشتركين والمزيد من الربح للشركتين، بما يؤكد أن الاحتكار هو سمة القطاعات المخصخصة بالكامل في دولة من دول العالم النامي.
والنتيجة كانت أن شركتي الخليوي اللتين تعلنان عن 16 مليار ل.س فقط كأرباح سنوية (مأخوذة من بيانات الإفصاح المالي لهما، وهنا نتفق مع «المختص» حول عدم دقة الأرقام نظراً لكونها قد تكون أكبر من ذلك بكثير) لم تخفض أسعارها مقابل زيادة عدد المشتركين الواسعة وانخفاض تكاليفهاعلى الشركات المشغلة فيما أصبحت تكاليف الاتصالات الخليوية الشهرية بالنسبة «للزبون» تشكل 6,5% من إنفاق معيل الأسرة في سورية بأدنى تقدير.
كل ذلك يجعل ايرادات هذا القطاع التي لم تتراجع أو تتأثر جدياً خلال الأزمة موضع بحث. تحديداً عندما يصبح البحث عن الموارد «هاجساً حكومياً» ولكن ينتج عنه سياسات تحصيل الموارد من جيوب المواطنين حصراً مع سير حثيث بهذا الاتجاه..
بناء عليه وبالعودة إلى ما دفع إليه مقال قاسيون فإن اتخاذ إجراءات متعددة لصالح الموارد الحكومية ولمصلحة المواطن من المفترض أن تطرح ويجري تبنيها وهي تبدأ من رفع الضرائب على الشركتين، وزيادة النسبة الحكومية، وتخفيض أسعار المكالمات، وصولاً إلى التأميم كضرورة راهنة..
لماذا التأميم صيغة مثلى..
قطاع الاتصالات قطاع سيادي، وتحديداً فيما يتعلق بالجانب الأمني له، وهذا يربتط ارتباطاً مباشراً بدور الدولة في هذا القطاع. أما الجانب الآخر فهو يرتبط بتحول الاتصالات بكل أنواعها إلى حاجة رئيسية وضرورة حياتية وحق للجميع وهذا يتفق مع وصول تكاليفها إلى حدود متدنية جداً تسمح بفرض أسعار رمزية، وهذه المعطيات تجعل وجود شركتين تحتكران أرباح بهذا الحجم لخدمة بهذه الضرورة غير منطقي..
يضاف إلى ذلك أن حالة انفجار الأزمة يجب أن تشكل مفترق طرق عن كل ما كان يدخل بقاموس البديهيات الاقتصادية ولا يعني انتشار شركات الاتصالات العالمية الخاصة أن سورية عليها أن تكون ضمن هذا النسق..
في السياسة، يخرج علينا الإعلام السوري ليلاً ونهاراً ليحدثنا عن الاختلافات في المشهد السوري عن غيره من ساحات الحراك الثوري العربي، ويركز على جانب «المؤامرة» فحسب، فلماذا لا تنطبق الخصوصية السورية و«المؤامرة» على الاقتصاد؟ إن الكثير من «الخصوصيات السورية» تبرر، بل وتفرض ابتعادها قبل غيرها عن العموميات الاقتصادية العالمية.. فسورية لديها أزمة تجاوزت خسائرها 2000 مليار ل.س، وسورية تتراجع فيها الإيرادات الحكومية وتزداد المستحقات بوتائر سريعة، وسورية يتدهور فيها مستوى المعيشة في الظروف الحالية إلى مستويات غير مسبوقة، كل هذه الخصوصيات تتناقض مع «خصوصية» شركات الاتصالات السورية التي تتسم بأعلى نسبة احتكار وأرباح في المنطقة العربية، على الأقل..!
إن تقديم النموذج في إدارة الأزمات يتطلب بالدرجة الأولى اليوم كثيراً من المواجهة مع أصحاب الربح الاحتكاري أينما كانوا..