حول «مارشال سورية»..
تطرح بعض تشكيلات المعارضة المكونة في الخارج مشروعها حول إعادة إعمار سورية فما يسمى «مجموعة عمل اقتصاد سورية» المدعومة من القوى العالمية كافة التي تدعم تطرف بعض أطياف المعارضة، تنشر إنجازاتها ورؤاها لبناء سورية ما بعد «إسقاط النظام».
يملأ الفراغ الكبير في المضمون الاقتصادي الاجتماعي لطرحهم بكثير من الأطراف الداعمة والجهات المانحة وورشات العمل والمؤتمرات. ويختصر الطرح بمقولته الواضحة: «مشروع مارشال سورية».
تُفصَّل أربعة محاور للعمل أولها الإجراءات الاقتصادية الفورية بإشراف المملكة المتحدة، ثانيها تنسيق الجهات المانحة بإشراف الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، وثالثها السياسات الاقتصادية والإصلاح بإشراف ألمانيا (والتي لا بد أن تسوق اقتصاد السوق الاجتماعي الذي سوقته في سورية سابقاً)، أما المحور الرابع فهو مساهمة القطاع الخاص بإشراف دولة الإمارات.وكل هذه المراحل مع مؤتمراتها ومانحيها ومشرفيها وأموالها المرصودة هي في عهدة مجموعة عمل اقتصاد سورية التي تنتظر إسقاط النظام لتبدأ بناء سورية مع شركائها وفق ما سمي مشروع مارشال سورية.
لماذا مارشال؟
في البيانات الالكترونية للمجموعة المذكورة يعتمدون على مقاربة بسيطة بأن دمار سورية بعد حربها يشبه دمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية،وبأن الجهات المانحة والمنقذة لسورية تشابه «مشروع مارشال» الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة في حينه عن جملة من القروض والمساعدات الأمريكية للدول والشركات الصناعية الأوروبية لإعادة إعمارها.
وبعيداً عن قولهم، علينا نحن أن نقول ما لم يقل، أي: «فعلاً.. لماذا مارشال سورية؟».
يعتبر إعلان مشروع مارشال في عام 1947 بداية منطق الهيمنة الأمريكية عالمياً وتموضعها في قيادة الدفة الامبريالية. وأتى هذا المشروع انطلاقاً من كون الولايات المتحدة الكاسب الأكبر في الحرب العالمية الثانية، بدولارها المهيمن بعد ربطه بالذهب وتحوله إلى مكون مرادف للاحتياطي العالمي وبالتالي إلى العملة الدولية الأولى.
هذا الموقع شكل المقدمة لتمكن الولايات المتحدة من فرض إعادة الإعمار سريعاً كأداة لهدف استراتيجي أولي وهو منع ولادة نتائج ثورية في دول أوروبا بعد الاحتقان على حالة الحرب والاحتمالات الجدية لانتقال النموذج السوفييتي بعد الانتصار الذي حققه في الحرب العالمية الثانية.
بالإضافة إلى ذلك فإن «إعادة الإعمار» تحقق هيمنة أمريكية بالدولارات المقترضة وبمعايير القروض وشروطها التي اخترقت كثيراً من أسرار الصناعة الاوروبية وضمنت ولادة «دول التكافل الاجتماعي» في أوروبا لا أكثر، بحيث ترتبط إعادة البناء بالعلاقة الوطيدة اللاحقة للولايات المتحدة، وتحقق مستوى من الرخاء الضروري لرشوة عمالها، تحديداً لامتصاص تأثير «المد الشيوعي» في حينه، وهي الرشى التي تم التراجع عنها تباعاً منذ تسعينيات القرن الماضي.
فكيف سيشبه «مارشال سورية»«المارشال»السابق.. سيشبهه من حيث بتر ولادة النموذج السوري المستقل بكل معانيه، وسيمتن الارتباط بالغرب المانح وجميع خزائنه العالمية، ولن ينتج بطبيعة الحال «دولة تكافل اجتماعي»..
فالمشروع يأتي إلى سورية اليوم مع أكثر أشكال الليبرالية الاقتصادية تطرفاً، أي الارتباط الكامل برؤوس أموال الخارج وسياساتها، أي تلك الآلية التي أنتجت أينما حلت في دول العالم النامي اقتصاداً تابعاً ونمواً ضعيفاً واحتكاراً أعلى، وبالتالي مهمشين أكثر ومجتمعات مفككة ودولاً أضعف، أي هيمنة أكبر.
اليوم ودائماً،لا ينفصل التوجه الاقتصادي العالمي عن التوجه السياسي العالمي، فإذا ما كان مشروع الغرب و«الجهات الداعمة» مشروعاً تفتيتياً، فإن الإقراض والهيمنة والفقر هي أدوات التفتيت الاقتصادية، لتكون النتيجة «دويلات التبعية السورية»..
وبهذا المعنى فإن المنجرين وراء التوجهات العالمية الاقتصادية والمهللين لها، في الخارج أو الداخل، في النظام أو المعارضة، هم حكماً جزء من التوجهات السياسية العالمية، سواء أدركوا أم لم يدركوا ذلك..