زوبعة الفضائح الحكومية بدأت بالظهور.. الحكومة الحالية تنسف أرقام سابقتها.. وغياب العقلية المؤسساتية
التراجع عن الإجراءات الاقتصادية التي نفذتها الحكومة السابقة هي سمة السياسات التي تنفذها الحكومة الحالية، وتعد بوصلة توجهها، والتي يعتبرها البعض مساهمة إلى حد ما في فضح سياسات الحكومة السابقة التي خبرها السوريون جيداً، وآلمتهم أرقامها، والتي لم يشعر بها أحد بمقدار اختبارهم لها، وهذا صحيح في جزء منه، إلا أن جلد الحكومة السابقة قد يعتبر محاولة لتلميع ذاتها في الشارع السوري لا أكثر، فهذا التراجع الإيجابي في عموميته بدأ يتقاطع ويتنافى من الأرقام التي أعلنت سابقاً، فإذا سلمنا سلفاً بكذب الأرقام السابقة، فما الذي يضمن لنا مصداقية الأرقام الحالية بعد رحيل هذه الحكومة مستقبلاً؟! وهل لهذه التراجعات سندها وداعمها الحقيقي من خلال الإحصاءات، أم أن القضية «شلفة» رقم لا أكثر؟!
قرارات «متراجع عنها»!
القرارات التي اعتبرت ممتازة في حينها قبل خمس سنوات، وانبرى الكثيرون لمدحها، والتهليل لها، هي اليوم أولى المتراجع عنها، وهناك من يمتدحها، فقرار رفع أسعار المازوت في العام 2008 اعتبر أولى الخطوات على طريق الإصلاح الاقتصادي، والدعم بعد ارتفاع الأسعار ستكفله صناديق الدعم البشري والصناعة والزراعة، فشلت وآليات توزيع الدعم والصناديق كذلك الأمر، أما اليوم فقد اعتبر العديد من الباحثين الاقتصاديين أن تخفيض سعر المازوت بمقدار 25% الخطوة الأهم على طريق إعادة الدعم للمنتج الوطني لمساهمته المستقبلية في إعادة الاعتبار للزراعة والصناعة وتحسين مستوى معيشة المواطن.
ولم يكن قرار الرقابة على المستوردات الذي اشتكى منه الكثير من الصناعيين لمصلحة شركتي الرقابة غير المحليتين كما يقولون، والذي اتخذته الحكومة السابقة، بمنأى عن الجدل والنقاش الحالي، مما أفضى عن تراجع نسبي عن هذا القرار، واعتراف ضمني بتأثيره السلبي على الصناعة الوطنية، من خلال زيادة التكلفة على السلع المستوردة نصف المصنعة، ورغم ذلك فإن هناك من يشكك اليوم بفاعلية قرار تخفيض سعر المازوت وبقدرة الحكومة على الحد من تهريبه، كذلك هناك من انبرى للدفاع عن الرقابة على المستوردات وتكلم عن تأثيره الايجابي، والأيام القادمة وحدها هي التي ستثبت طبيعة التأثير الايجابي لقرارات كهذه على الاقتصاد الوطني والمواطن معاً..
رقم غير دقيق
ولم يكن عدد رؤوس الأغنام بمنأى عن مرمى الحكومة الجديدة، والتي أعلن وزير الاقتصاد والتجارة فيها أن عدد هذه الرؤوس قد تراجع إلى 12 مليوناً ، خلال لقاء الوزير مع غرفة تجارة دمشق، والتي جاءت استناداً لمعلومة أحد أعضاء الغرفة، بينما أعلن في وقت سابق وزير الزراعة الدكتور رياض حجاب أن عدد رؤوس الأغنام وصل إلى 15.5 مليون رأس، فيما وصل عدد الماعز إلى 2 مليون رأس، استناداً إلى نتائج إحصاء الثروة الحيوانية لعام 2010، وفي هذا تناقض وتباين ليس بالقليل، فهناك 3.5 مليون رأس غنم ذهبوا فرق عملة بين تصريح الوزيرين، ويشكلون نحو 23% من إجمالي الثروة الحيوانية، ولذلك لجأنا إلى مدير المكتب المركزي للإحصاء الدكتور شفيق عربش لتوضيح هذا التناقض والوقوف على أسبابه، فأشار لـ«قاسيون» إلى أنه «تم حصر الثروة الحيوانية في نهاية شهر تشرين الأول من العام 2010، وقامت اللجان بالعمل الميداني بالتعاون مع المكتب المركزي للإحصاء، والمركزي هو من أجرى المعالجة لهذه البيانات، وكان له دور إشرافي، والعمل الميداني قامت به وزارة الزراعة، والعدادون الميدانيون كلهم من وزارة الزراعة والاتحاد العام للفلاحين، والنتائج صدرت في 26 نيسان 2011»..
وحول النتائج النهائية أوضح د. عربش أن «عدد الثروة الغنمية في سورية بلغ 15.5 مليون رأس، وهذا العدد أتى بعد حذف المواليد من هذه الأغنام قبل شهر أيلول حتى تاريخ العد في نهاية شهر تشرين الأول، بالإضافة إلى أن كل الخراف الموجودة بالزرائب للتسمين لم تحسب أيضاً، وقد وتمَّ الإعلان عن هذه النتائج رسمياً من وزير الزراعة الجديد، وباعتقادي أن وزير الاقتصاد لم يكن لديه رقم دقيق مأخوذ من أية جهة معنية بالأرقام، وقد يكون هناك أحد ما قد همس له بالرقم».
فضيحة «بجلاجل»
82% نسبة الخطأ في مسح المعونة الاجتماعية، فضيحة حكومية «بجلاجل» يزفها وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، الدكتور رضوان حبيب على الشعب السوري، قد تكون فضيحة بالمعيار الصحفي، لكنها بالتأكيد ستمثل كارثة بالنسبة لمستحقي هذه المعونة ممن لم يستطيعوا الحصول عليها، لأن شروط وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لم ترغب بتشميلهم، هذه النسبة من الخطأ التي أكدت مدير الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية، ليندا عبد العزيز، أنها لا تتجاوز حاجز 4.3%، وهذا الرقم لم يكن يتناسب مع عدد الشكاوى المقدمة في السابق لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل على المسح الاجتماعي، والبالغة 104 آلاف شكوى، حيث إنه لم يستفد سوى 425 ألف أسرة فقط، وهو ما تشكل نسبته أقل من 10% من الأسر السورية، وعند هذا الخطأ في النسبة بيّن د. شفيق عربش مدير المركزي للإحصاء أنه «لم يكن للمكتب أي دور في مسح المعونة الاجتماعية، لذلك لا يستطيع الحكم على مدى دقة هذا الرقم، مشيراً إلى أن هوامش الخطأ في مثل هذه الأساليب في الاستهدافات على المستوى العالمي مرتفعة نسبياً، وفي أكثر الدول تطوراً قد تصل الأخطاء لـ«35%»..
وفي كلام مدير المكتب المركزي استشفينا نوعاً من الالتفاف والهروب من الإجابة، فالخلل واضح ولا يمكن تبريره قطعاً، والحديث عن الأرقام لا يتحمل وجهات النظر لكن أرقام حكوماتنا المتعاقبة لا تتعدى كونها كذلك، فالحكومة الحالية، تكذب أرقام سابقتها وقد يأتي يوم تنسف به حكومة قادمة أرقام الحالية، لنعود لنقطة الصفر، وهذا تعبير عن عقلية فردية بعيدة عن منهجية مؤسساتية تتطلب الحديث عن نهج مستمر تكمله حكومة عن سابقتها ومدير عن سلفه، لا أن يتبجح بنسفه كل ما تم بناؤه سابقاً عند قدومه، فالخلل المعترف به اليوم في مسح المعونة حرم مئات ألاف الأسر بهذه الحالة إذا ما صدقت نسبة الخطأ من حقهم في المعونة الاجتماعية، وعند هذه النقطة بيّن د. عربش أن «مسح المعونة الاجتماعية لا يمكن إطلاق عليه اسم مسح، لأن المسح لديه أصول علمية، ولكن هذا المسح جرى من خلال فتح مكاتب يتقدم إليها المواطنون بوثائق، ومن ثم يتم التحقق منها في منازلهم، وهذا مختلف عن ما نسميه مسوح إحصائية، وهذه ليست نسبة خطأ طبيعية، ففي السابق قيل إن نسبة الخطأ متدنية، ويقال الآن إن هذه النسبة مرتفعة. لذلك فمن حقنا أن نسأل: ما هي المعايير التي تم اعتمادها لتحديد هذه النسبة؟! فهذه المعايير يجب أن يتم استقاؤها من الأرض عبر العودة لدراسة الأسر مجدداً، وتحديد نسبة الخطأ، فهل تمت هذه الدراسة قبل الإعلان عن نسبة الخطأ الحالية من الوزير»؟!
ولرقم النمو شجونه
لرقم النمو شجونه أيضاً، إذ تداولت مواقع إلكترونية سورية منذ أسبوع تقريباً رقماً غير محدد المصدر للنمو ونسبته خلال الخطة العاشرة، والذي تم تحديده بـ 4.7%، مخالفاً بذلك الرقم المعلن من الفريق الاقتصادي والبالغ 5.5%، وهذا الـ1% في الحسابات القومية يعني انخفاض أو ارتفاع حجم الناتج المحلي بمقدار 25 مليار ليرة على أقل تقدير في كل عام تقريباً، وهذا سيخفض الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 100 مليار ليرة تقريباً، لذلك ليس من المقبول الحديث بأرقام ليست على مستوىً عال من الدقيقة، وعند هذه النقطة أوضح د. عربش أن رقم النمو المسرب على المواقع الإلكترونية ليس دقيقاً، حيث إن «المعدل الوسطي للنمو خلال السنوات الأربع الأولى من عمر الخطة الخمسية العاشرة نحو 5.3%»، وهذا التناقض أو الاختلاف بالأرقام سيضع المواطن السوري قبل غيره في حيرة من أمره حول مصداقية هذه الأرقام الحالية من عدمها، وإلى أي متى سيبقى رقم بلادنا الإحصائي بمجمله في خدمة السياسات الحكومية ، ويفصل على قياسها ليس إلا؟!