«تعميم» حكومي يطال الموظفين فقط.. أما المدراء فهم خارج حساباته!

عقدت حكومتنا الميمونة العزم على التصدي بحزم وصرامة لظاهرة التغيب غير المشروع عن العمل، حيث وجه رئيس مجلس الوزراء الدكتور وائل الحلقي بضرورة التشدد في تطبيق الأنظمة والقوانين النافذة بما يخص دوام العاملين وغيابهم، واعتبار كل من تغيب عن عمله دون إذن رسمي لمدة تزيد عن خمسة عشر يوماً بحكم المستقيل (وذلك ضمن خطتها لمكافحة ظاهرة الفساد، وحماية المال، والكشف عن مواطن الخلل)، فــ»التعميم» الحكومي «يتمرجل» على الموظفين فقط، ولكن من يحاسب مدراء الشركات العامة ومدراء الفروع الذين يتغيبون لأسابيع عن اعمالهم تحت يافطة الهاجس والتخوف الأمني؟!

«تعميم» .. لتصفية الحسابات

قد يفهم البعض من هجومنا على التعميم الحكومي سعياً لتبرير غياب البعض، أو تماهياً مع حالات الاستغلال لمثل هذه الاوضاع للتغيب اسوة بزملاء آخرين أجبرتهم ظروفهم على الغياب، إلا أن الاعتراف باستغلال البعض لمثل هذا الواقع لا يعني التشدد به إلى درجة الطرد التعسفي للموظفين من العمل، فليس من المنطق «إغراق السفينة بمن فيها كراهية بالقبطان»، فالتعميم واضح، وكل العاملين في الدولة باتوا موظفين تحت مقصلة الفصل من العمل، وجرى وفق التعميم، اعتبار أيام غياب الموظفين الذين منعتهم الظروف الامنية من الحضور إلى اماكن عملهم اجازات ادارية، أي أنه ومع الاشتباكات التي تجري في العاصمة دمشق وريفها والتي تستمر لعدة أيام متواصلة، هناك موظفون معرضون للفصل من العمل، لأن اقتناع الادارة بأسباب الغياب هي الحكم والفيصل، ولذلك قد تستخدم تلك التعاميم في تصفية حسابات الادارة مع بعض الموظفين، أو التغاضي عن موظفين آخرين حتى لو لم تسمح ظروفهم بالغياب لأنهم من المقربين من الادارة..

 

دوام.. تحت طائلة المسؤولية

التشدد بمعاقبة المتغيبين عن وظائفهم في مثل الحالات الأمنية التي تعيشها البلاد لن يكون الحل الأنسب، لأن البعض يخيّر في هذه الحالة بين حياته ووصوله إلى عمله، وسيختار في هذه الحالة الاستغناء عن وظيفته، لأنه ليس من الطبيعي الطلب إلى الموظف في أغلب المناطق «الساخنة» الذهاب إلى العمل والعودة إلى المنزل تحت طائلة المسؤولية!!.. كما أن عدداً غير قليل من العاملين في محافظة حلب على سبيل المثال يسكنون في ضواحيها، ولا يستطيعون الوصول إلى عملهم، فكيف ستجري محاسبة هؤلاء على اساس هذا التعميم الحكومي؟! فلرئيس الحكومة نقول: إن مثل هذه التعاميم تطبق في الأيام الطبيعية، وفي حالات الاستقرار الامني، وليس في الواقع غير المستقر وغير الآمن الذي تعيشه المحافظات والمناطق السورية، فليس هذا بالتوقيت المناسب لتطبيق مثل تلك التعاميم..

 

خياران أحلاهما مرّ

قد تكون للحكومة وجهة نظرها في هذا التشدد بالدوام، إلا ان للعاملين في القطاع الحكومي رأيهم ايضاً، فأغلبهم اجمع على ضرورة تأمين طرقاتهم وحياتهم بالدرجة الأولى، و»بعدها منحكي بالدوام»، حيث اعتبر أحدهم، أنه إذا ما احتجز أحد العاملين في منزله لوجود اشتباكات في منطقته لعدة أيام، فإنه سيكون أمام خيارين أحلاهما مرّ، والنتيجة واحدة، إما أن يموت بالرصاص إذا ما قرر الذهاب إلى عمله أو أن يموت من الجوع الإقالة من وظيفته إذا لم يلتزم بالتعميم الحكومي، وطالب آخر بتأمين الطرقات بالدرجة الأولى وعندها يمكن المحاسبة على أيام الغياب..

 

«المي تكذب الغطاس»

شد حاكم مصرف سورية المركزي أديب ميالة العزم على إعادة سعر الدولار الى مستوياته الطبيعية، واتخاذ كل الاجراءات اللازمة لذلك بما يضمن استقرار سعر الصرف والحد من تلاعب السوق السوداء، ونحن لا نعرف حتى الآن ما الذي يقصده بالمستوى الطبيعي لسعر الدولار، هل هو 50 ل.س؟! أم 70 ل.س؟! أم أقل من سعر السوق السوداء بخمسة بالمئة فقط هو السعر الطبيعي؟! كما أن هذا الادعاء ليس بالجديد، بل إن الحاكم توعد سعر الصرف والصرافين مراراً، ولم نشهد إلا ارتفاعاً في أسعار الدولار بعد كل وعد جديد يطلقه..

فمقولة «نحن الآن في فترة من السيطرة على سعر الصرف» ليست بالجديد، بل قالها ميالة عندما كان سعر الدولار في السوق السوداء نحو 70 ليرة، وفي نشرة المركزي بنحو 55 ليرة إن لم يكن أقل، أما الآن، فسعر الدولار بنشرة المركزي تجاوزت الـ 71 ليرة، بينما وصل السعر في السوق السوداء إلى 90 ليرة حالياً، والحديث هو ذاته يتكرر الآن..فالمشكلة أن جميع القرارات تصدر ليتم تجريبها، وبعد ذلك يتبين عدم جدواها، فعامان من التجريب بالليرة السورية، فقدت خلالها بالسعر الرسمي للدولار ما يزيد عن 54% من قيمتها، أي أن القدرة الشرائية للسوريين قد تراجعت بهذه النسبة أيضاً!..

فالسوريون أصابهم الملل من الحديث المتكرر عن ضبط سعر الصرف، وهم يشاهدون الليرة تتهاوى تحت وطأة القرارات الارتجالية العاجزة أو غير الراغبة باقتلاع المشكلة من جذورها وهي معاقبة الصرافين الذين يعملون لضرب الليرة تحت حماية بعض المتنفذين..

 

«عذر أقبح من ذنب»

في خطوة مفاجئة، اقر مجلس الوزراء خلال جلسته المنعقدة بتاريخ 27 تشرين الثاني الماضي رفع سعر البنزين بنسبة 10% إلى 55 ليرة سورية للتر، وهذه الزيادة هي الثانية بعد عام عن الزيادة السابقة التي أقرت في 24 كانون الأول من عام 2011، بزيادة خمس ليرات أيضاً، ليصبح سعر ليتر البنزين ـ50 ليرة، ولكن المشكلة ليست في الزيادة فقط بل بالتبرير، فالعذر كما يقول المثل أقبح من ذنب، لأن هذه الخطوة الجديدة -بحسب المصادر الرسمية- تهدف إلى تقليل الخسائر الناجمة عن تهريب المادة، نظراً لانخفاض سعر البنزين محلياً مقارنة بدول الجوار، إلا أن الايام القادمة ستثبت أن زيادة سعر البنزين بخمس ليرات لن تمنع تهريبه إلى دول الجوار بكل تأكيد، لأن حالات رفع السعر في الماضي القريب لم يمنع تهريبه، وكذلك هي حال المازوت الذي رفع سعره في عام 2008 بنحو 350%، فالقضية على ما يبدو لا تتعدى كونها البحث عن موارد للخزينة العامة، إلا أن لن تتعدى 12.5 مليار ليرة جديدة، فحجم الاستهلاك السنوي من مادة البنزين لا يتجاوز 2.5 مليار ليتر حسب معطيات عام 2011، وهي لا تتعدى 6% من كتلة التهرب الضريبي المعلنة، ولا تتجاوز 1.5% من فاقد الفساد الاجمالي الذي يستنزف الاقتصاد الوطني..