الكهرباء.. أرقام الدعم تضيء على الورق ..
المواطن من ظلمات التقنين إلى «شحّار» التسعيرة الجديد!
تحت شعار «عقلنة الدعم»، ووفق القرار /349/ الصادر بتاريخ 6/1/2016 عن لجنة السياسات، رفعت الحكومة أسعار الكهرباء استمراراً لسلسلة عمليات رفع الأسعار التي تنتهجها الحكومة تحت ذريعة تخفيض نفقاتها لتوفير هذه الأموال للحاجات الملحة، في هذه المقالة سنستعرض جزءاً من المعطيات الهامة التي تدحض روايات الحكومة حول الدعم الكبير على نفقات قطاع الكهرباء.
تقول الحكومة أنها خصصت لدعم الكهرباء في عام 2016، حوالي 326 مليار ليرة سورية، ولكن الحكومة لم توضح وظيفة هذه الملبغ، فهل المبلغ المرصود يعيد إنتاجنا من الكهرباء إلى مستويات ما قبل الأزمة؟ أم أن هذا المبلغ يكفي للاستمرار على وتيرة الإنتاج الحالية، والتي إنخفضت بمقدار (53%) عن ذروة إنتاجنا في عام 2011، وأدت إلى إنخفاض حصة المواطن السوري من الكهرباء إلى ثلث اليوم؟ بمعنى آخر هل سيستمر تقنين (2 كهرباء و4 قطع) أم أن الأمور ستتحسن أم أننا سنشهد أسوأ من ذلك؟
لا تجيب الحكومة لكن أرقام الدعم المنشورة تدفعنا لمزيد من التدقيق لمعرفة التكلفة الفعلية التي تتكبدها الحكومة، وذلك خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة لاستيضاح ما إذا كانت الحكومة تنفق فعلاً هذه الأموال الطائلة أم لا؟
التكاليف تنخفض والحكومة ترفع أسعارها!
يبين الجدول التالي الكميات الفعلية لمختلف أنواع الوقود التي استخدمتها الحكومة في تلك الأعوام لتوليد الكهرباء، علماً أن كميات عام 2015 تم تقديرها بالكميات نفسها لعام 2014 كونه تعذر الحصول عليها:
وبناء على هذه الكميات قمنا بحساب تكاليف كل المحروقات الداخلة في إنتاج الكهرباء في تلك الأعوام، مفترضين أننا نعتمد كلياً على الاستيراد من الخارج وتكاليفه الباهظة، لتشغيل محطاتنا رغم أننا لا زلنا نشغل جزءاً كبيراً منها على الغاز المنتج محلياً. وسنفرد حقلاً لإضافة تكاليف الكهرباء الأخرى التي لا علاقة لها بالمحروقات، وذلك لاحتساب النفقات كاملة على هذا القطاع علماً أن نفقات المحروقات تشكل 80% من نفقات إنتاج الكهرباء كلها.
من الملاحظ وفق الجدول أن سعر الكميات نفسها في عام 2015 سيكون أقل من سعرها في عام 2014، كما أن أسعارها في 2016 آخذة بالانخفاض نتيجة إنخفاض سعر النفط ومقابل ذلك تزيد الحكومة أرقام الدعم من عام لعام بشكل مضطرد. ومما يستحق التوقف عنده هو أن نفقات قطاع الكهرباء المرصودة في الموازنة سواء تلك التي تظهر تحت اسم «الدعم» أو سواء تلك المتعلقة بالنفقات الأخرى هي أقل من التكاليف الفعلية التي أنفقتها الحكومة على إنتاج الكهرباء، وذلك خلال الأعوام الثلاث الماضية (2013 حيث يصل الفارق إلى 12 مليار فقط، ويزيد في 2014 إلى 84 مليار ليرة، و2015 إلى181 مليار ليرة) أي أن الدعم المرصود على الورق هو أقل بكثير مما تدعيه الحكومة.
157 مليار ليرة دعم فقط والباقي مبالغة!
ما يمكن تأكيده أيضاً أن الكلف الفعلية أقل من ذلك بكثير، حيث أن الجزء الأكبر من الغاز المستخدم كوقود للكهرباء هو من إنتاجنا المحلي، ففي عالم 2014 استلمت وزارة الكهرباء حوالي 4,6 مليار م3 من الغاز الطبيعي المنتج محلياً، كما أن إنتاج عام 2015 لم ينخفض بكثير عما سبقه، حيث استلمت وزارة الكهرباء 1,2 مليار م3 من الغاز الطبيعي في الربع الأول فقط من ذلك العام.
علاوة على ذلك فإن الرقم العام للدعم الحكومي الوراد في الموازنات كلها يشمل بندين رئيسين هما دعم المحروقات ودعم الكهرباء، ومن المعروف أن الموازنة الحكومية فيها التباس محاسبي، فهي تخصص مبلغاً لدعم المحروقات كلها التي تشتريها الحكومة سواء للكهرباء أو للتدفئة والنقل وغيرها، ثم تعود لتخصص بنداً لدعم الكهرباء الناتج عن تكلفة المحروقات التي تحتاجها، والتي احتسبت سابقاً في بند دعم المحروقات، مما يفضي إلى تكرار رقم دعم المحروقات مرتين مرة كونها مستوردة من قبل وزارة النفط ومرة أخرى كونها مباعة من وزارة النفط للكهرباء الكهرباء، بمعنى آخر أنه قد يكون من الصحيح أن الحكومة خصصت 455 مليار ليرة لدعم المحروقات المشترات كلها سواء لغرض الكهرباء أو لأغراض الأخرى ومن هذه الـ(455) يوجد حوالي 326 مليار لمحروقات الكهرباء أو أقل من ذلك إلا أن هذه المخصصات تظهر في الموازنة كلّ على حدة مما يضاعف فاتورة الدعم الحسابية.
طبعاً يضاف إلى ذلك أن للحكومة عائدات من قطاع الكهرباء وينبغي أن تطرح من هذه التكلفة لمعرفة الدعم الفعلي، ففي عام 2015 بلغت حاصلات الكهرباء 75 مليار ليرة أي أن الدعم الفعلي للقطاع هو التكلفة الكلية مطروحاً منها تلك العوائد (232-75= 157 مليار ليرة فقط)، إذاً فإن النتيجة في أقل تقدير تفيد بأن الحكومة بالغت يحجم دعم الكهرباء في عام 2014 بالثلث تقريباً وهو ما يثير تساؤلات كبيرة!
مليارات عام 2016.. بروباغندا أم تحسين؟!
توقعت قاسيون في أعداد سابقة أن الحكومة التي تضخم تكاليف الدعم وأدرجته في الموازنة كخسائر مدورة ستسعى لاحقاً إلى رفع أسعار الكهرباء الضحية اللاحقة ولكن ما تريد الحكومة إخفائه حتى اللحظة أن فاتورة الدعم عليها ورغم تضخيمها على الورق آخذة بالنزول وذلك بدأً بعام 2014 ومررواً بالعام الماضي وصولاً إلى العام الحالي حيث انخفضت أسعار النفط العالمية إلى ما دون 30 دولار للبرميل، وعليه وفي حسبة سريعة لتكلفة الدعم على الكهرباء في العام الحالي وعلى افتراض ذات الكميات المخصصة للأعوام السابقة سنجد أن هناك احتمالين لرقم دعم الكهرباء.
الأول هو استيراد الكميات ذاتها بسعر صرف الدولار المخصص لشركات الصرافة 335 ليرة/للدولار، وعليه ستبلغ كامل فاتورة دعم الكهرباء: 235 مليار فقط، طبعاً وتشمل هذه الحسبة باقي التكاليف المضافة إلى جانب المحروقات.
أما وفق سعر الصرف الذي تورده أرقام الموازنة أي (250 ليرة/للدولار)، 176 مليار ليرة سورية.
بالمقابل تقول الحكومة أنها خصصت 326 مليار ليرة لدعم الكهرباء أي ما يعادل 140% من الرقم الأعلى و 185% من التكلفة الدنيا، أي أن الحكومة قادرة وفق هذه الأرقام على زيادة الإنتاج بمقدار الثلث أو الثلثين، فهل هذا يعني أن الحكومة ستزيد إنتاج الكهرباء وتتحسن الإنارة للمواطن، أم أن الحكومة تضع أرقاماً للبروغاندا وحسب؟!
هوامش:
تمت هذه الحسبة بالاعتماد على الأسعار العالمية من نشرات أوبك، وإحتساب تكاليف النقل بمعدل 10%، وإحتساب قيمتها على أساس سعر الدولار وفق النشرات الرسمية للمصرف المركزي الخاصة بشركات الصرافة، علماً أننا تفادينا احتساب قيمتها على أساس سعر الدولار الخاص بالمصرف المركزي، والذي يفترض أن تحتسب نفقات الحكومة على أساسه وهو أقل من السعر في نشرات شركات الصرافة، كما تفادينا حساب القيمة على أساس سعر الدولار الموجود في مشاريع الموزانات الحكومية وهو أيضاً أقل بكثير من السعر المعتمد في هذه الحسبة وذلك درءاً لذرائع الحكومة التي سترد بارتفاع السعر على طول العام .
تم تقدير أن كميات عام 2015 لم تتغير عن عام 2014 بسبب تعذر الحصول على بيانات.
الصناعة والزراعة: أدنى ارتفاع 4 أضعاف..
رفع أسعار الكهرباء الأخير مع بداية عام 2016، ينبئنا بأن نتجهز لعتبة ارتفاع جديد لمستويات الأسعار في سورية، بعد أن ساهمت السياسات (بشكل فعال) في عام 2015 برفع الأسعار إلى مستوى خسّر الليرة نصف قيمتها، وهي التي خسرت النصف الآخر خلال أربعة أعوام.
ولقياس مستوى ارتفاع تكاليف الكهرباء بين الشريحة المعتمدة في عام 2010 وبين التعرفة الحالية، ونبدأ بالاستهلاك التجاري والصناعي والزراعي على التوترات المنخفضة 0,4 فولت:
وهذا الرفع ليس إلا أول رفع شامل، وقد سبقه، رفع أسعار كل من شريحتي الاستهلاك التجاري والصناعي، وما أسمته الحكومة (تعديلاً) لشرائح الاستهلاك المنزلي، تضمن دمج شرائح الاستهلاك الدنيا، ورفع أسعارها.
الزراعي في عام 2010: 185 قرش لكل كيلو، في عام 2016: 1200 قرش لكل كيلو، أي من حوالي 2 ل.س للكيلو، إلى 12 ليرة، وبمستوى ارتفاع: 540%.
الصناعي والحرفي: ألغيت الشرائح على التوتر الصغير، ودمجت في تكلفة واحدة 1900 قرش، بعد أن كانت الشريحة الأولى: 250 قرش، وأعلى شريحة 400 قرش، ونسبة الارتفاع من 4 ليرات إلى 19 ليرة تبلغ: 375%.
التجاري: ألغيت الشرائح كذلك، ودمجت في تكلفة واحدة تبلغ: 2900 قرش، أي قرابة 30 ل.س للكيلو، بعد أن كانت أعلى شريحة بـ 400 قرش، ونسبة الارتفاع من 4 ليرات إلى قرابة 30 ليرة، تبلغ: 625%.
التعرفة الصناعية على التوتر بين 20/0,4 فولت فقد ارتفعت من: 3,3 ليرة للكيلو، إلى 28 ليرة، بنسبة: 748%، والزراعية على هذا التوتر ارتفعت من 1,8 ليرة للكيلو، إلى 10 ليرة للكيلو، أي بنسبة: 455%.
للمشتركين على التوترات العالية: 230 فولت وهي للمعامل الكبرى بشكل أساسي، فقد حددتها الحكومة للقطاع العام بتعرفة 24 ليرة للكيلو، بارتفاع 943% وهو النسبة الأعلى، بعد أن كان في عام 2010: 2,3 ليرة للكيلو.
وفي سياسة تمييزية واضحة لمصلحة القطاع الخاص، فقد تركت تعرفة المستهلكين الكبار من القطاع الخاص على توتر 230 فولت، للاتفاق، ليتم تحديدها (حسبما توافق أو توصي به الجهات العليا) ولتختلف من صناعة لصناعة ومن عقد لآخر!.
للمشتركين على توتر 66 فولت وهي بحسب القرار الجديد لأغراض الاسمنت والحديد، فقد ارتفعت بنسبة هي الأعلى على الإطلاق: 1200%، من 2 ليرة للكيلو، إلى 26 ليرة. في خطوة من شأنها أن تلحق بصناعة الاسمنت السورية خسارات كبرى.
وسطي نسب الارتفاع بين المستهلكين على التوترات المختلفة:
بلغت نسبة الارتفاعات في القطاعات المختلفة المعدلات التالية:
الصناعة: 816%
الزراعة: 497%
التجارة: 625%
وعلينا أن نتوقع مستويات ارتفاع أسعار قادرة على تعويض تكاليف الكهرباء الشهرية، والتي ستتوزع على تكاليف المنتجات، والمستلزمات، وتوقف عمل البعض من غير القادرين عن التهرب من التحصيل الكهربائي، بينما يستمر دافعو الرشاوي، والقادرون على تكييف أسعارهم.
الاستهلاك المنزلي أقل المستهلكين أكبر الخاسرين!
نبدأ بالاستهلاك المنزلي حيث نأخذ تسعيرة الشريحة الأولى سابقاً وحالياً، وكذلك نقارن تسعيرة شريحة الاستهلاك الوسطي كما تدعيها الحكومة سابقاً وحالياً.
300% لشريحة
الاستهلاك المنزلي الأولى
في عام 2010 كانت الشريحة الأولى التي استهلاكها من 1-100 كيلو واط ساعي خلال الدورة وتكلفتها: 25 قرش سوري للكيلو، أما حالياً فإن الشريحة الأولى أصبحت من 1-600 كيلو واط ساعي خلال الدورة، وتكلفتها: 100 قرش سوري، بنسبة ارتفاع: 300%.
فعلى العكس من التوجه المنطقي لإعفاء شرائح الاستهلاك الأدنى، فقد ألغت الحكومة ثلاثة شرائح أولى ودمجتها، حيث أن التعرفة السابقة، كانت تصنف الشرائح الأولى: من 1-100 ك.و.س، والثانية: 101 -200 ك.و.س، والثالثة من 201-400 ك.و.س، والرابعة من 401-600 ك.و.س، أما التعرفة الحالية فهي تبدأ من 1-600 ك.و.س، لتدمج أربع شرائح استهلاك، لأقل المستهلكين وتوحدهم، في إجراء من شأنه أن يرفع السعر، ويوحد التعرفة على من يستهلك بالحد الأدنى، وبالحد الوسطي البالغ قرابة 600 كيلو في الدورة، وفي هذا أول إجراء ضد صغار المستهلكين، ورفع لتكاليف كهربائهم!.
وسطي الاستهلاك 600 كيلو.. أداة التبرير
الحكومة تقول بأن وسطي استهلاك الأسر السورية اليوم، يبلغ: 600 ك.و.س تقريباً، وفق أرقام لوزارة الكهرباء حصلت عليها قاسيون ونشرتها في العدد رقم 722، وفي هذا الادعاء محاولة لتبرير إلغاء الشرائح المنخفضة، بهدف رفع تسعيرتها، فكما تقول الحكومة ما من أسر سورية تستهلك 100 او 200 كيلو، في الدورة، ولذلك أصبحت الشريحة الأولى 1-400 كيلو، في التعديل الذي قامت به الحكومة بشهر 9 من عام 2015، وأصبحت في القرار الأخير من 1-600 كيلو.
ينبغي تذكير الحكومة بأن وسطي استهلاك المشتركين المنزليين السوريين في عام ذروة الإنتاج والاستهلاك وهو 2011 بلغ 568 ك.و.س في أوقات الذروة خلال الدورة، ولم يكن يصل يوماً إلى 600 قبل الأزمة وهذا الرقم مبني على دراسات أعدتها الحكومة في عام 2013 حول قطاع الكهرباء وحصلت عليها قاسيون.
ويضاف إلى ذلك فإن المستهلكين على الشرائح الثلاث حتى الـ 400 بلغ: 36% من المستهلكين المنزليين، وبينما المستهلكين من 400-600 تبلغ: 17,9% فقط، أي أن قرابة ثلث المستهلكين المنزليين السوريين كانوا يستهلكون قبل الأزمة أقل من 400 كيلو في الدورة، وهؤلاء تنكرهم الحكومة، أو تقول بأنهم رفعوا استهلاكهم في أعوام الأزمة، وفي ظل التقنين.
على ما يبدو ينبغي أن نذكر الحكومة بأنها تطبق تقنيناً على الكهرباء، يبلغ بأفضل أحواله 50% من الـ 24 ساعة، وثلثي اليوم وفق التقنين السائد: ساعتين- مقابل 4 ساعات قطع، في دمشق وريفها الآمن الذي تصل له الكهرباء بشكل منتظم، بينما تنقطع الكهرباء عن مدينة حلب لشهور متتالية، وهي التي تضم قرابة 4 مليون سوري في الظروف الحالية، ويبقى التقنين غير منتظم في مدينة حمص ويتجاوز ساعتين بـ 4 ساعات، ولا تصل إلى مدينة الحسكة إلا بمعدل ساعتين، وكذلك الأمر بالنسبة لبعض مناطق درعا التي تصلها الكهرباء.
إن تقنيناً مثل هذا، مضافاً إليه خروج أكثر من 4,5 مليون سوري من البلاد، ينبغي أن تأخذه الحكومة بعين الاعتبار إذا ما أرادت أن تضع رقماً تبريرياً، لرفعها أسعار أقل الأسر السورية استهلاكاً للكهرباء.
مرة أخرى تأخذ الحكومة على عاتقها رفع أسعار الخدمات ورفع الدعم، وتحت عناوين براقة هي تأمين «حاجات الصمود»، ساعية لتأمين الشروط المثلى لهيمنة قوى السوق فرفع سعر الكهرباء يسير قدماً لتحقيق مصلحة شركاء الغد القريب من مستثمرين جدد راغبين بالربح من هذا القطاع، وأما العوائد الحالية التي سكتسبها الحكومة فهي مداخيل ستؤخذ من جيوب المواطن البسيط ولن تعود على المواطن بأي تحسن بخدماته أو بمزيد من الإنفاق عليه في المطارح الأخرى، فكيف لمثل هذه الآليات أن تؤمن الصمود؟!