(الصناعات المعدنية العامة ـ بردى): تأهب ينتظر (حماسة) التجار!

يخوض عمال القطاع العام الصناعي معركة إثبات وجود في ظروف الحرب، تظهر نتائجها بأخبار حول إعادة الإنتاج -وإن بحدود دنيا- إلى معامل دُمّرت خلال الحرب، وخُسّرت قبلها، قاسيون تتابع رصدها لهذه المعامل والشركات ساعية إلى إظهار حقيقة وقيمة الجهد المبذول من جهة، مقابل توضيح الخطوات البسيطة الممكنة ولكن المتباطئة، والضرورية لدعم صناعاتنا التي كانت ناجحة يوماً من جهة أخرى..


أمام الردم الترابي الأخير الذي يشكل الحاجز الفاصل بين ساحات معارك حامية في ريف دمشق، في منطقة السبينة وحوش بلاس، يستمر حوالي 65 عامل، من فنيين وإداريين بالوصول إلى المعمل القديم الممتد على مساحة 13 دونم، لشركة (بردى): الشركة العامة للصناعات المعدنية، التي كانت تصنع الأدوات المنزلية المتنوعة، وأشهرها برادات بردى و(طناجر الضغط) التي كانت تتواجد في كل منزل سوري في مرحلة سابقة.
بعد أن دمّرت الحرب معمل الشركة الكبير في منطقة العسالي في ريف دمشق، وأجبرت العمال على الخروج منه، ليتوزعوا بين معملهم القديم في سبينة، وفي منطقة البرامكة في أقسام للصيانة وغيرها، بينما بقي في عسالي، الآليات التي لم يتم الكشف عن وضعها حتى الآن،  حيث تقدر اللجنة النقابية في المعمل بأنها قد تحتاج إلى صيانة، وتعود للعمل، إلا أن مشكلة إخراجها لا تزال قائمة.
لا تنتج الشركة اليوم منتجاتها السابقة بطبيعة الحال، إلا أن عمالها وإدارتها الراغبين بالإنتاج، يبحثون عن مجالات عمل بسيطة، بدأت منذ عام 2014، ويعتبرها عمال الشركة نقطة الانطلاق لعودة تدريجية، من خلال صناعة القوالب، ومن خلال تجميع القطع المفككة لتصينع الأدوات المنزلية من جديد، وهذه العودة تتيحها ظروف السوق حالياً، التي تحتاج إلى المنتجات العامة ذات الأسعار المناسبة، والنوعية المضمونة، والتي تفتقر لمبادرة رأس المال الخاص نحو التصنيع، إلا أن هذه الإرادة لدى العمال مرهونة بحجم الدعم والتعاون الحكومي وهذه هي المشكلة!..


تصنيع القوالب.. أربعة فنيين ومشروع وبداية العمل

بعد أن استهلك عمال الشركة أكثر من ستة أشهر في إزالة الردم من معمل سبينة، وإعادة تأهيله ليكون صالحاً للعمل، فإن الشركة تعمل اليوم في مجال تصميم وتصنيع القوالب البلاستيكية فقط، حيث وقعت اتفاقاً مع شركة دهانات أمية، لتصميم القالب البلاستيكي لعبواتها، ثم تصنيعه بمعدل 100 ألف عبوة من كل سعة، يتم العمل به اليوم كأول مشروع للشركة بعد استقرارها في موقعها الجديد، وبعد أن جربت تصميم نموذجين من القوالب البلاستيكية، لأجزاء من براداتها، بالإضافة إلى مشاركتها لشركة الإنشاءات المعدنية في تصنيع الأبراج الكهربائية بعقد مع وزارة الكهرباء.
في مجال تصميم وتصنيع القوالب، تمتلك الشركة أربعة فنيين فقط!، بين مهندسين ومساعدين، يعملون على إنجاز مشروع (أمية) حالياً، وقادرون على إنجازه في الوقت المناسب، إلا أن استمرار وتوسع صناعة القوالب البلاستيكية، كما تخطط وزارة الصناعة، يحتاج لدعم أوسع من الزيارات والتصريحات..


خطة الوزارة.. حماس فقط!

بحسب الإدرايين وأعضاء اللجنة النقابية في المعمل، فإن وزارة الصناعة تخطط لتوسيع صناعة القوالب البلاستيكية انطلاقاً من نواة معمل بردى، والتجربة الحالية.
وهذه الرغبة تنعكس في الخطة الاستثمارية للمعمل للعام الحالي، التي تضمنت تخصيص مبلغ 50 مليون ل.س لشراء أربع آلات لتصنيع القوالب من بينها 3 مكنات تشغيل حديثة cnc مبرمجة: الحفر بالشرارة، القص بالسلك الكهربائي، والمخرطة المبرمجة.
إلا أن هذه الحماسة الوزارية، يقابلها شروط ضرورية لتوسيع صناعة القوالب، لا ترتبط بتخصيص مبلغ لاستيراد الآلات، والإعلان عن عروض فقط.


تأخير استيراد الآلات وتضاعف السعر

فعملياً تم الإعلان منذ عام 2014 عن مناقصة لاستيراد التجار لآلات تصنيع القوالب الأربعة، ولم يتقدم أي عارض حتى الآن، وحالياً من الممكن الذهاب إلى تعاقد بالتراضي، أي عارض واحد يستطيع أن يتحكم بالسعر بشكل أعلى، وهذا التأخير في تأمين الآلات بالاعتماد على التجار، سيكون ثمنه حتماً عدم تأمين كل الآلات بالمبلغ القليل المخصص، فعندما وضع المبلغ كان سعر صرف الدولار 150 ل.س، وكان كافياً للآلات الأربعة بحسب نائب المدير العام في المعمل، أما اليوم فإن سعر صرف الدولار قد تضاعف، وبالتالي فإن تنفيذ الخطة بتأمين الآلات المطلوبة كلها قد لا يتم.


التوسيع يتطلب فريق فني جديد!

يضاف إلى ذلك أن عملية توسيع صناعة القوالب بالاعتماد على بردى، تتطلب أن يزود المعمل بالكوادر الفنية الجديدة، فحالياً في مجال القوالب يتوفر لدى المعمل 4 فنيين فقط، بينما تتطلب خطة التوسع 10 مهندسين بين مصمم ومشغل، وفريق فني من خريجي المعاهد المتوسطة الصناعية، والثانويات الصناعية الشباب.
بينما بالمقابل لا توجد أية إشارة من الوزارة حول عملية توسيع الكوادر الفنية باختصاصيين شباب، بل تم في العام الماضي 2014، ندب الكثير من عمال الشركة لشركات أخرى كالكابلات والزجاج وغيرها، ولا تزال الشركة تدفع رواتب معظمهم.


عودة البرادات.. تنتظر القطع المفككة!

تعتبر صناعة القوالب جانباً من جوانب مجال عمل شركة بردى، التي يعتبر عملها الفعلي تصنيع الأدوات المنزلية بشكل كامل، ولتعود الشركة إلى إنتاج براداتها ومنتجاتهات الأخرى، تضع خطة مؤقتة لهذا العام متمثلة بالقيام بعمليات تجميع القطع المففكة، وليس التصنيع الكامل، كخطوة أولى، تتيح لها تحقيق عائدية تمكنها من إدخال استيراد آليات لإعادة التصنيع كاملاً في خطة عام 2016. إلا أن عمليات التجميع، أيضاً مرهونة بطلب عروض من التجار، حيث فشل إعلان المناقصة الأولى في عام 2014، أما الثانية فتنتهي في 1-9 ولم تظهر عروض تجارية لتزويد المعمل بالقطع المفككة للقيام بتصنيعها! وهنا ينبغي أن نوجه تساؤلاً لوزارة الصناعة: إذا لم يرغب أي من التجار السوريين دخول هذه المناقصة، هل تلغى الخطة؟! ولماذا يبدو الشراء المباشر للآلات ومستلزمات الإنتاج أصعب على الوزارة، من الثمن المدفوع من التأخير وإيقاف العمال، ولماذا رهن الخطة بمصالح التجار ورغباتهم؟!
اللجنة النقابية في المعمل، أشارت إلى وجود خطة بديلة لدى المعمل  لتأمين القطع المفككة، في حال لم يتقدم التجار، لن تعلن عنها الآن، وهي قائمة على تأمين القطع محلياً!.


إثبات جدية الوزارة.. بجانبين!

إن كان السعي الحكومي جدياً نحو توسيع صناعة القوالب انطلاقاً من تجربة معمل بردى، أو جدياً في دعم محاولات المعمل لإعادة تصنيع الأدوات المنزلية، فكان عليها ألا تؤخر عملية تأمين آلات القوالب، أو القطع المفككة بالاعتماد على التجار، وأن تقوم باستجرار المستلزمات عبر الشراء الحكومي المباشر، لأن الصناعة العامة هي الأولى بالقطع الأجنبي، فالمبلغ القليل المخصص للآلات انخفضت قيمته إلى النصف اليوم بعد التأخير، وانتظار التجار! وهذا أولاً، أما ثانياً فإن تأمين طاقم فني شاب ومتخصص من كليات الهندسة السورية، ومكون من عشرة مهندسين على الأقل، مع الفريق الفني المطلوب بحسب المدير الفني في الشركة، هو شرط ضروري، دونه لن تتمكن بردى التي لم يُعيّن فيها أي عمال جدد منذ عام 1996، من القيام بمهمة التوسيع في صناعة القوالب، أو غيرها، وهي التي كانت تضم في بداية التسعينيات 1250 عاملاً، تقلصوا تدريجياً ليصلوا إلى 147 عامل فقط في نهاية عام 2014!.

 

شعار: (التشاركية).. أو الفناء!

إن أهم شعارات وزارة الصناعة اليوم هو التشاركية مع القطاع الخاص، وهذا الشعار يتعارض مع الواقع اليوم الذي يقول بأن أصحاب الأموال يبحثون عن السهل والسريع ولن يشاركوا في إحياء معامل حكومية هذا أولاً، ويتناقض مع المتطلبات القليلة لهذه المعامل والكفيلة بإعادة بث الروح فيها وتحقيق إنتاج كامل يعود للمال العام دون حصة للشركاء!..
إن استمرار رفع هذا الشعار، هو المعيق عملياً للقيام بأية خطوة جريئة منطقية للخروج من المألوف الليبرالي القائم على الاعتماد على التجار والحلقات الوسيطة، وتأمين مصلحة لها وللفساد والسمسرة على المال العام في كل عملية تأمين مستلزمات، وهو المعيق أيضاً لعملية تجديد الدماء في المعامل العامة، وهي بأشد الحاجة إليها، وهو المعيق لزيادة الإنفاق الاستثماري العام من أموال السوريين على معاملهم، بانتظار أن يساهم القطاع الخاص في تمويل المعامل العامة، وتحصيل أرباحها..
إن رفع شعر التشاركية كحل وحيد اليوم، يخفي وراءه احتمالاً كبيراً هو: فناء الصناعة العامة قبل أن يأتي (الشركاء)!

 

 

(سحب خير) الشركة.. بالديون والإعفاءات تتجاوزها!

معمل بردى حتى عام 1993 معمل رابح بمبالغ وصلت قرابة 90 مليون ل.س، وبإنتاج يومي وسطي 200 براد، وغيرها من الأدوات المنزلية.

إلا أن هذه المسيرة المتوسعة والناجحة منذ تأسيس المعمل في عام 1966، بدأت تنعطف في مرحلة التسعينيات، كما في أغلب معامل الدولة، وكل منها بشكل محدد، إلا أن القاسم المشترك أن تلك المرحلة ظهرت فيها نتائج (اختمار) سياسات التحرير الليبرالية بمستوياتها الأولى.
فتراجع معمل بردى على سبيل المثال، لا يعود إلى نوعية منتجاته، التي تتميز بسخاء في نوعية المستلزمات قياساً بإنتاج القطاع الخاص في المجال ذاته، سواء من حيث نوعية حبيبات البلاستيك المستخدمة، والصاج، والمحركات، بل يمكن أن يحال التراجع التدريجي إلى جوانب إدارية مرتبطة بعملية التسويق، وتحديداً طرق تصريف المنتجات، أكثر من تنوع أشكالها وموديلاتها.
في ظل التوجه الليبرالي نحو الاعتماد على السوق وتجارها لتصريف المنتجات أصبح التجار في مطلع التسعينيات، هم المعتمد الرئيسي للتصريف، وبالدين! إلى جانب مؤسسات التوزيع الحكومية الثلاث، وهي المؤسسة الاستهلاكية، والعسكرية، وسندس.
وكانت نتيجة هذه السياسة تراكم ديون التجار وامتناعهم عن السداد، لتصل المبالغ إلى قرابة 400 مليون ل.س لم تحصل الشركة إلا على أجزاء ضئيلة جداً منها، بعد أن دخلت بدعاوى قضائية كثيرة مع التجار، وأحيلت إلى المحاكم الجنائية لجنة طلبات القطاع الخاص في الشركة التي كانت تشرف على عمليات ضمانات الديون، التي تبين أن أغلبها كانت عقارات ببيانات وهمية.
وكانت نتيجة الدعاوي إلى اليوم،  في أحسن الأحوال تحصيل عقارات وبيعها لصالح الشركة، وفي حالات أخرى تم التصادم مع وزارة المالية، التي وضعت يدها على عقارات التجار، نظراً لدعاوي أخرى عليهم! وخسرت الشركة حقها في استعادة الديون، أما أغلب الحالات فقد خسرت الشركة حقها من ضمانات التجار، لأن العقارات الضامنة لم تكن بأسمائهم!.
وبالتالي لم تحصّل الشركة حتى اليوم ديونها من التجار، وحتى اللجنة المسؤولة عن صفقات الفساد هذه والمرفوع عليها دعاوى جنائية، لم تحصل إدانة واضحة لهم حتى اليوم، والعملية مستمرة منذ عام 2002-2003 تقريباً!.
يضاف إلى هذا ديون ثلاث مؤسسات عامة وهي الاستهلاكية وسندس والعسكرية، والتي تبلغ قرابة 99 مليون ل.س لم تدفع حتى اليوم!.
يرى الإداريون في الشركة واللجنة النقابية بأن تحصيل الشركة لجزء من ديونها المستحقة، سيمكنها من تحسين موقعها المالي وتنشيط أعمالها، أو تسديد جزء من ديونها المتوجب عليها دفعها..
فالشركة قد حصلت على قرض من المصرف التجاري في عام 1996 مقدار 425 مليون ل.س، سددت منه حوالي 100 مليون ل.س من أصل القرض، إلا أن التعثر التسويقي وصفقات الفساد المذكورة، لم تمكنها من تسديده، وتتراكم الفوائد عليه اليوم، حيث يطالب المصرف الشركة اليوم بمبلغ يتجاوز مليار ل.س!.
تسعى الشركة إلى تسويات مع المصرف التجاري، مطالبة بمحاسبتها على أصل القرض فقط، دون الفوائد كما يتم مع كافة المقترضين المتعثرين اليوم!..

 

تذكير.. إن تنفع الذكرى

صدر خلال الأزمة مرسومان لإعادة جدولة القروض والتسهيلات الممنوحة للمتعاملين المتأخرين عن سداد التزاماتهم للمصارف العامة، الأول هو المرسوم 51 لعام 2012، والثاني هو المرسوم رقم 8- لعام 2014. المراسيم التي شملت الفعاليات الاقتصادية الخاصة، لم تشمل ديون شركة بردى العامة، ليعيد لها جزءاً من ديونها أو يعفيها من فوائد أو أجزاء من ديونها المترتبة عليها، أو يجري مقاصة بين ما لها وما عليها، ويحررها من أعبائها المالية!.

 

400 مليون ل.س

ديون التجار المستحقة لشركة بردى والناتجة عن تصريف المنتجات من خلالهم بالدين، وبعقارات تبين أن أغلبها وهمية!.






99 مليون ل.س

ديون مؤسسات التوزيع العامة: الاستهلاكية- سندس- العسكرية، والمستحقة لشركة بردى ولم تدفع حتى اليوم.



+600 مليون
فوائد قرض مستحق على شركة بردى أن تدفعه للمصرف التجاري، حيث يعود القرض إلى عام 1996 ومبلغه: 425 مليون ل.س، سددت الشركة منه 100 مليون، ولم تحصل على إعفاءات عن الفوائد، ليبلغ مجموع ما تتحمله اليوم أكثر من مليار ل.س.

آخر تعديل على السبت, 08 آب/أغسطس 2015 19:00