العلاقات التجارية السورية في (الفلك الغربي)..

العلاقات التجارية السورية في (الفلك الغربي)..

منذ اندلاع الحرب في سورية أعلنت السياسة الاقتصادية عنواناً عريضاً، هو ضرورة تأمين المواد، وعدم نقصها، وتحول هذا الشعار الذي يبدو مقنعاً، يقابله الكثير من الدعوات غير المستجابة، لتبني سياسة تصنيع المواد القابلة للتصنيع في سورية، وتقليص الاستيراد للحدود الكبرى الممكنة، وتحديداً بعد العقوبات، وبعد الأثر الكبير للاستيراد على قيمة الليرة والإنتاج السوري.

إلا أن مثل هذه السياسة لم تجد من يتبناها جدياً، بينما تعيقها بحزم قوى السوق الكبرى، التي لها تاريخ ربح طويل من علاقات التجارة مع الغرب، والتي جعلت سورية كغيرها من دول العالم النامي تخضع لسلسلة لا تنكسر من تصدير موادها الخام بأسعار بخسة، واستيراد الكثير من حاجاتها ضمن منظومة علاقات غير عادلة وهشة، انتهت بعقوبات سياسية أدت لحدوث صدمات اقتصادية لاقتصاد ولّفته السوق باتجاه الغرب..
قاسيون تستعرض اتجاهات التجارة السورية في المرحلة السابقة، الصادرات مقابل الواردات، لمن كنا نصدر، وماذا نصدر من منتجاتنا؟ ممن نستورد وماذا نستورد؟ لتتوضح التشوهات التي منعت الاتجاه نحو إعلان سياسة توسيع الإنتاج، ومنعت حتى اعتماد البدائل الشرقية جدياً.. على أمل انجلاء غيمة العقوبات، وعودة السمسرة الغربية إلى اقتصاد الوطن كما كانت..


 والواردات تتقدم..الصادرات تتراجع

تعتبر أعوام 2001- 2003 وما بعدها، أعوام مفصلية في تحرير التجارة السورية، حيث في عام 2001 أرسلت سورية طلب انضمامها لمنظمة التجارة العالمية، مع شعارات: (الانضمام سيفتح أسواق 151 دولة أمام المنتج السوري)!، بعد عام 2003 بدأ استكمال تحرير التجارة الخارجية، أي إزالة كل قيد كان موضوعاً سابقاً ليحمي المنتج المحلي من منافسة الأجنبي، وظهرت النتائج سريعاً في عام 2004، بعد إيقاف العمل بسياسة ربط الاستيراد بالتصدير، حيث انتقل الميزان التجاري السوري من الفائض إلى العجز، وأصبحت الواردات أكبر من الصادرات بمقدار (43 مليار ليرة)، وبدأ العجز منذ ذلك الحين بالتصاعد، ليصل في عام 2012 مبلغا قدرة 598 مليار ل.س.
وفي مرحلة اقتصاد السوق الاجتماعي، عندما أصبح الاقتصاد السوري كله منسجماً مع منطق التحرير وإزالة الضوابط، وتحصيل نمو من أي نوع دون اشتراطه بالإنتاج، فقد تراجعت نسبة الصادرات للناتج المحلي خلال الفترة 2005-2010 الى41.5% وازدادت مقابلها نسبة المستوردات للناتج خلال نفس الفترة بمعدل وسطي 51.4%.


تصدير الخام واستيراد المصنع

بقينا حتى عام 2010 نصدر مواداً للخارج بنسبة تصل إلى 41،5% من الناتج السوري، ولكننا كنا نستورد ما نسبته 51،4% مقابلها.
أي عملياً مقابل كل 100 ليرة كانت تتنج في سورية، هناك ربح 40 ليرة من المواد التي نصدرها، وهناك خسارة 50 ليرة من المواد التي نستوردها، أي أن محصلة التجارة الخارجية كانت خسارة قرابة 10% من الناتج بمتوسط سنوي.
ويعود السبب إلى أننا كنا نصدر نصف منتجاتنا 50% منها مواد خام، النفط خام، والفوسفات كذلك، الألمنيوم بمستوى تصنيع أولي، الأخشاب كذلك، أما السمة العامة لتصدير فوائض المنتجات الزراعية، فكانت تصديرها طازجة،  دون تصنيع أو تغليف، وكذلك الأمر لمنتجات المحاصيل الاستراتيجية، القطن على الرغم من توفر دعائم صناعته، فهو يصدر خاماً بنسبة كبيرة، والقمح دون طحنه أو تحويله إلى منتجات غذائية، والأغنام أيضاً يصدر أغلبها بالرأس أي دون الاستفادة من قيمة الجلود المضافة، وقيمة تقطيع اللحوم وغيرها..
بينما كنا نستورد نسبة 50% من المواد من الخارج مواد تامة الصنع، وليست مواد للاستخدام الصناعي أو نصف مصنعة، فنستورد المازوت بعد أن صدرنا النفط الخام، ونستورد الأسمدة على الرغم من فوائض إنتاجها، ونستورد الأعلاف عوضاً عن تصنيعها بالكامل، ونستورد الألبسة والأحذية، ونستورد طبعاً الآلات والتكنولوجيا التي لم نستطع أن نصل لتصنيعها، ولن نصل إذا استمر نموذج يعتمد بيع منتجات البلاد دون الاستفادة منها لأقصى حد ممكن.


شركاء التجارة السورية.. أولى المعاقبين!

الملفت أن شركاء سورية التجاريين كانوا قبل الأزمة، متوزعين على أصقاع الأرض، ولكنهم محصورين بالدول التي تدور بالفلك الغربي، كنموذج اقتصادي، والدليل أن أهم الشركاء كانوا أول وأشد الملتزمين بالعقوبات الاقتصادية.


الاتحاد الأوروبي الشريك رقم 1

بلغ وسطي مستوردات سورية مع دول الاتحاد الأوروبي في المرحلة بين 2000-2010 حوالي 25% من المستوردات، أي استوردت سورية ربع مستورداتها من الشريك الأوروبي، وصدرت له كذلك 42% من صادراتها الوسطية في تلك المرحلة.
وبشكل عام خلال 15 عام من 1990 وحتى 2005 فإن نسبة 57% وسطياً من الصادرات السورية، كانت تخرج من سوريا لدول الاتحاد.
أهم الشركاء التجاريين على مستوى دول الاتحاد الأوروبي من حيث الاستيراد والتصدير:
إيطاليا: استحوذت على 12.5% من الصادرات السورية لعام 2011 مقابل 7% من المستوردات وأهم المستوردات السورية من إيطاليا الآلات ووسائل النقل والوقود.
ألمانيا: شكلت الصادرات السورية لألمانيا 12% لعام 2011 بينما كانت نسبة المستوردات السورية منها 4.1% للعام نفسه وأهم المستوردات  الآلات ووسائل النقل، والبضائع المصنعة.
فرنسا: نسبة الصادرات السورية لفرنسا عام 2010 كانت 4% مقابل استيراد ما نسبته 2%.


النفط الخام شريان العلاقة

وقد تبدو العلاقة التجارية مع الغرب الأوروبي مجدية لسورية، وفق النسب المذكورة، حيث صادراتنا لها أعلى من وارداتنا منها، إلا أن الخلل يتبين في طبيعة المواد، حيث يشكل النفط الخام أكثر من 96% من الصادرات السورية للاتحاد الأوروبي، أي عملياً الرقم الذي يبدو هاماً لصادرتنا إلى أوروبا يعود إلى استثمار شركات النفط الأوروبية لحقول النفط السورية، وحصولها على نسبة 49% من إنتاج النفط بشكله الخام، لتصنعه في دولها موفرة مبالغ كبرى، كان من الممكن أن تربحها سورية، لو أنها ألزمت الشركات السورية أو الأوروبية المنتجة، على تكرير النفط محلياً، ولو أنها لم تعق المصفاة المشتركة مع فنزويلا، التي كانت ستخفف من تصدير الخام لأوروبا!.
النفط الخام هو مجمل صادرتنا لأوروبا تقريباً، والدليل أن هذه الصادرات انخفضت إلى نسبة 36،3% خلال الفترة 2006-2010، بسبب تراجع إنتاج النفط في سورية، والأهم أن حصة النصف التي تملكها الشركات الأوروبية من إنتاج وتسويق النفط السوري، خسّرت السوريين الكثير مع فرض العقوبات في المرحلة الحالية، دون أن يمتلكوا بدائل سريعة، سوى ما فتحه لهم شركاء الشرق.
من حيث الاستيراد من دول الاتحاد الأوروبي لم تنخفض نسبتها عن 30% من كامل المستوردات خلال الفترة 1985-2001 باستثناء عام 1999 التي كانت النسبة 29%، وخلال الفترة 2006-2012 كان المعدل الوسطي للاستيراد من الاتحاد الاوروبي 26.8%.


شركاء آخرين من العالم

تأتي المستوردات من الدول الآسيوية في المرتبة الثانية بعد الاتحاد الأوروبي وبلغ المعدل الوسطي للاستيراد من الدول الآسيوية للفترة 2000-2010 معدل 20% من إجمالي المستوردات السورية ومن أهم الشركاء التجاريين في آسيا:


تركيا الميزان الأكثر خسارة

تعتبر تركيا من أهم الشركاء التجاريين لسورية في مجال المستوردات وذلك خلال العقد الماضي الذي تميز باعتماد سياسة الانفتاح التجاري وتحرير التجارة الخارجية، ونتج عنه توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا،على حساب المنتج المحلي والصناعة الوطنية التي كانت الخاسر الأكبر من هذه السياسات، حيث شكلت المستوردات من تركيا القسم الأكبر من إجمالي المستوردات عام 2010 وبلغت 81 مليار ل.س أي ما نسبته 10% من إجمالي المستوردات في حين لم تتجاوز الصادرات السورية إليها نسبة 5% من إجمالي الصادرات ومن أهم المستوردات السورية من تركيا: البضائع المصنعة والوقود.


من آسيا اخترنا كوريا الجنوبية!

 تزايد الاستيراد من الصين ليبلغ عام 2011 حوالي 9.5% من إجمالي المستوردات وأهم المستوردات الصينية: وسائل النقل والآلات، وبضائع مصنعة، ومصنوعات متنوعه.
أما كوريا الجنوبية: بلغ المعدل الوسطي للاستيراد منها للفترة 2005-2010 حوالي 5% من إجمالي الاستيراد وأهم المستوردات: الآلات ووسائل النقل ، ومواد كيماوية ومنتجاتها.
وفي العلاقات مع كل من الصين وكوريا، وهي دول تصديرية هامة، لم يجد السوريون شيئاً هاماً ينتجونه ليصدر إليها.


من العرب.. للسعودية حصة هامة!

استفادت الصادرات السورية من تفعيل اتفاقية التجارة الحرة العربية الكبرى وحققت مستويات قياسية خلال الفترة 2008-2010 حيث ازدادت نسبة الصادرات الى الدول العربية إلى أكثر من 50% من إجمالي الصادرات، و يعتبر العراق والسعودية من أهم الشركاء التجاريين في المنطقة العربية وأهم الصادرات السورية هي الخضار والفواكه الطازجة، والألبان، ورؤوس الأغنام والماشية. حيث شكلت الصادرات السورية للعراق حوالي 25% من إجمالي صادرات 2010 وحوالي 70% من إجمالي الصادرات الى الدول العربية. أما السعودية فقد كانت مستورداتنا منها  4،5% وسطياً في الفترة بين 2005 حتى 2010، والصادرات 7% من إجمالي الصادرات.


حصة الولايات المتحدة تتزايد!

من أهم الشركاء التجاريين الولايات المتحدة الأمريكية الذي شهد التبادل التجاري معها تزايداً متصاعداً خلال الفترة 2006- 2010، حيث بلغت الصادرات السورية 3.2% من إجمالي الصادرات مقابل مستوردات بلغت 3% من إجمالي المستوردات وتشكل الأغذية القسم الأكبر من المستوردات.

 

تراجع التبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي خلال سنوات الأزمة لم يكن بسبب ميل وتوجه لتغير جهة التعاملات الاقتصادية والتجارية للحكومة السورية، كنتيجة للأضرار والخسائر التي لحقت بالاقتصاد السوري من هذه العلاقات وبالمقابل كانت الأرباح تصب في مصلحة الغرب بشكل أساسي وتخدم مصالح وعلاقات التجار المستوردين المحتكرين وسماسرة الاقتصاد السوري، ولكن بسبب فرض الاتحاد الأوروبي العقوبات الاقتصادية والحصار المفروض على الاقتصادي السوري ، فشريك الأمس عدو اليوم، مع الاستعداد التام لعودة العلاقات لسابق عهدها متى أراد الاتحاد الأوروبي: تراجع الاستيراد من الاتحاد الأوروبي من 28% من إجمالي المستوردات عام 2011 إلى 24% عام 2012 ، وتراجعت الصادرات من 39.8% عام 2011 إلى 6.3% عام 2012.
تزايد التبادل التجاري مع البلدان الأوروبية الأخرى وبشكل رئيسي مع أوكرانيا وروسيا، فزاد الاستيراد من 16.9% عام 2011 إلى 31.5% من إجمالي المستوردات عام 2012 بالنسبة لروسيا كان المعدل الوسطي للمستوردات السورية منها للفترة 2006-2010 بمعدل 8.7% من إجمالي المستوردات ويشكل الوقود أكثر 80% منها.
بينما لا تشكل الصادرات السورية لروسيا غير نسبة 0.2% بمعدل وسطي للفترة 2006-2011.
الصين: احتلت الصين المرتبة الأولى من حيث حجم المستوردات منها خلال سنوات الأزمة في حين كان المعدل الوسطي للاستيراد من الصين قبل الأزمة حوالي 9% من اجمالي المستوردات بينما الصادرات السورية للصين وصلت زروتها عام 2011 لتبلغ 1% من اجمالي الصادرات.
إيران: لا يشكل التعامل التجاري مع ايران حتى 2011 نسبة تذكر من حيث الصادرات والمستوردات فوسطي الاستيراد من ايران يشكل حوالي 0.4% من إجمالي المستوردات بينما الصادرات لا تتجاوز نسبة 0.2%.
كما أن طبيعة الصادرات والمستوردات من هذه الدول تعزز موقع سورية كدولة مهيمن عليها اقتصاديا على أساس التبادل اللامتكافئ، حيث تشكل أغلب المواد المستوردة من هناك المواد المصنعة، وأما الصادرات فهي مواد خام بشكل رئيسي. وهذا النمط غير موجود مع روسيا والتي تمثل المواد الأولية كالطاقة معظم مستورداتنا منها.
لقد أثبت الواقع الآثار السلبية للعلاقات التجارية السورية مع الغرب حيث كانت حكوماته من أوائل الدول التي أسهمت في حصارنا، مقابل كل ذلك لم تتخذ الحكومة السورية قرارات حاسمة بتغيير هذه العلاقات جذرياً، على العكس، ما أن لاحت مغريات غربية باستعادة هذه العلاقة وإن من باب استغلال حاجاتنا في الأزمة حتى سارعت الحكومة لفتح تلك الأبواب مجدداً.

 

خلاصة

أكثر من 60% من الصادرات السورية كانت تذهب لدول الاتحاد الأوروبي، والسعودية، تركيا، كوريا الجنوبية، الولايات المتحدة الأمريكية،  ومعظمها نفط خام، ومواد غذائية غير مصنعة، وأكثر من 50% من المستوردات من هذه الدول.
الصادرات السورية لكل من الصين وروسيا وإيران مجتمعه أقل من 1% من إجمالي الصادرات بينما المستوردات لهذه الدول مجتمعه لا تتجاوز 17% من إجمالي المستوردات.
سطوة الدول الغربية على حجم التجارة الخارجية السورية سواء بجانب الاستيراد أو التصدير. بالمقابل كان حجم العلاقات مع الدول ذات العلاقات السياسية الجيدة قليلاً جداً.
تنسحب هذه العلاقة على دول أخرى قد لا يتم تصنيفها بالدول الغربية بالمعنى الدارج، ولكنها ترتبط معها بشكل أو بآخر، على سبيل المثال أهم الشركاء التجاريين لسورية هي تركيا، و كوريا الجنوبية من دول آسيا، والسعودية من الدول العربية، وهي كلها تدور بفلك العلاقات الاقتصادية والسياسية الغربية.
كما أنه من اللافت وجود علاقة تجارية متصاعدة مع الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الخمس بين 2005-2010، تفوق علاقاتنا مع روسيا مثلاً في جانب الصادرات، وتقاربها إلى حد ما في مجال المستوردات.