«استثمار» مصافي القطاع العام هل سيقضي على الدعم فقط؟!
سمحت الحكومة للقطاع الخاص باستيراد النفط الخام وتكريره في مصافي القطاع العام لتأمين نقص المشتقات النفطية في البلاد. لكن هذا القرار لم يكتفي بإعطاء هذه الميزة للقطاع الخاص، بل سمح له أن «يسدد حصة الدولة بدفع عوائد عينية متمثلة بجزء من المشتقات التي سيتم إنتاجها بعد التكرير» وعند هذا الحد من القرار يبدو القرار ضرورة حكومية في ظل عجزها عن تأمين المادة عبر السوق الدولية بسبب الحصار، وعجزها عن تأمينه من الحلفاء كروسيا وإيران وفنزويلا لأسباب مجهولة، وقدرة القطاع الخاص على تأمين النفط من مصارده الخاصة في الوقت ذاته!!
لكن تتمة القرار والقاضية بالسماح للمستورد الخاص ببيع المشتقات المكررة في مصافي الدولة للقطاع الخاص (أي الكازيات) أو تصديره للخارج يزيد الطين بلة!
فما الذي يضمن للدولة أن الكميات التي سيعطيها القطاع الخاص كبدل عن «استثماره» للمصافي تكفي لسد حاجات السوق الداخلية، أي أن هذا القرار الذي سيؤدي لإشغال مصافينا بإنتاج القطاع الخاص قد لايؤدي بالضرورة إلى الهدف النهائي الذي تتوخاه الحكومة من هكذا إجراء وهو تأمين حاجات السوق الداخلية خاصة أن القرار سمح للقطاع الخاص بتصدير المادة أيضاً.
لكن النقطة الأخطر من كل ذلك في القرار هي السماح للمستورد الخاص ببيع المشتقات للقطاع الخاص في السوق السورية مباشرة (أي الكازيات)، وهو مايعني عملياً خصخصة حلقة الإنتاج والتوزيع بالكامل في قطاع المحروقات. فالقطاع الخاص الذي سيستورد النفط بالسعر العالمي سيعمل على بيع المشتقات المكررة أيضاً بالسعر العالمي، مايعني أن موزعي القطاع الخاص أي الكازيات سيبيعون المازوت بالسعر العالمي، فكيف ستواجه الحكومة التي تدعي إلتزامها دعم المازوت بنسبة 50% هذه الخطوة؟!
إن هذه الخطوة تعني بالحد الأدنى وفيما لو ظلت الحكومة ملتزمة شكلاً بالدعم، أن سوق بيع المازوت سيكون فيه سعران للمادة. سعر المازوت الذي تدعمه الحكومة والمقدر حالياً بـ80 ليرة سورية والذي بات شبه مفقود من الأسواق. وسعر القطاع الخاص الذي سيكون ضعف السعر الحالي بالحد الأدنى أي 160 ليرة، وبناءً على ذلك سنيتعش سوق التهريب الداخلي ليتم تهريب ماتبقى من المازوت المدعوم إلى كازيات القطاع الخاص التي ستبيع بالسعر الأعلى.
قد يقول قائل إن الحكومة ستلزم القطاع الخاص ببيع السوق الداخلية بالسعر الحكومي للحفاظ على الدعم، ومع أن الحكومة لم تتحدث بذلك حتى اللحظة، إلا أنها لاتملك أصلاً أدوات جدية للتأثير على السعر طالما أن حلقة الإنتاج والتوزيع باتت بيد القطاع الخاص، وطالما أن مؤسسات التجارة الداخلية وحماية المستهلك لا تستطيع ضبط سعر البطاطا في بقالية صغيرة حتى اللحظة.
وفيما لو افترضنا جدلاً أن لدى الحكومة إرادة ضبط السعر في القطاع الخاص عند السعر المدعوم، فهذا يعني أن الحكومة ستضطر لدفع أموال إضافية للقطاع الخاص لضبط السعر كبدل عن الدعم لم تكن تدفعها سابقاً، وإخضاع للقرار الحكومي لابتزاز القطاع الخاص المسيطر على حلقتي الإنتاج والتوزيع.
أما عن سماح هذا القرار بالتصدير للخارج، فهذا يعني أن قطاع تهريب المازوت سيكون مدعوماً من المصدرين إلى الخارج الذين سيغرون فاسدين بالعملة الصعبة، وهو ما سيسمح أيضاً للدول المجاروة بالتأثير على القرار الحكومي بمجرد زيادة الطلب عبر الأسواق المجاورة، ألم تجر المضاربة هبوطاً على الليرة السورية في الأسواق المجاورة ما أدى إلى تخفيض قيمتها!.
إن السيناريو الواقعي لهذا القرار هو تحرير كامل السعر والتخلي عن الدعم فعلاً كما أن ذلك سيفضي إلى مخاطر أكبر، فمع السماح بتهريب هذه المادة تحت عنوان «التصدير» ستكون المادة الأساس في حياة الشعب السوري عرضة للنهب، فماذا سيحل بمازوت التدفئة والنقل والزراعة وإنتاج المصانع ومخصصات الجيش الذي يقاتل الإرهاب؟!