الدعم يوازي الفاقد الكهربائي في تكلفته.. فلماذا تم تجاهله إذاً؟!
أفصحت وزارة الكهرباء على لسان وزيرها مؤخراً بأن دعم الدولة لقطاع الكهرباء هو دعم كبير، وهذا موال اعتادت وزارة الكهرباء على غنائه، واعتدنا على سماع هذا الموشح الحكومي سواءً في قطاع الكهرباء أو غيره من القطاعات، ليشكل هذا الموال قصفاً استباقياً لرفع التعرفة الكهربائية، كما كان موشح الدعم على المازوت قصفاً استباقياً لقرار التحرير شبه الكامل لسعر لتر المازوت، فهل يمكن لأحد أن يقنع الناس أن هذا التفصيل الحكومي لحجم الدعم على التعرفة الكهربائية أمر طبيعي وهو مالم نعتد عليه من
وزاراتنا، أم أن هناك من أوحى بضرورة استصدار دراسة كهذه للاستفادة منها في قرارات لاحقة؟!. ولماذا لم يتعرض الوزير أو مدير مؤسسة توليد الطاقة في أرقامهما لتكلفة الفاقد الكهربائي بالتلميح أو بالتصريح، على الرغم من كونه معضلة القطاع الكهربائي في سورية!..
الدعم المدعم بالأرقام!
دعم اليوم أتى مدعماً بالأرقام التي لم نعهدها سابقاً، حيث أكد د. أحمد قصي كيالي وزير الكهرباء حسب ما ذكرته صحيفة «الثورة»، أن الدعم الكهربائي وصل في العام 2009 إلى 95.5 مليار ليرة سورية لجميع شرائح المستهلكين، وهذا الرقم تم احتسابه على أساس 533 ق.س للكيلو واط ساعي، أي وفقاً للسعر المحلي للوقود المستهلكة في إنتاج الكهرباء.
وبالتفصيل، فقد أشار مدير المؤسسة العامة لتوزيع واستثمار الطاقة الكهربائية عماد خميس إلى أن الدعم الإجمالي على الاستهلاك المنزلي بلغ 57.2 مليار ليرة، ليحتل المرتبة الأولى في حجم الدعم، و19.3 ملياراً للصناعي، و7 مليارات للتجاري، و6.4 مليار للزراعة، ودعم قدره 5.3 مليارات ليرة سورية للاستهلاك الخدمي (الإنارة العامة - الدوائر الرسمية والمعابد).
أما بالنسبة لتوزيع نسب استهلاك الطاقة بين مختلف الشرائح أوضح خميس أن شريحة الاستهلاك المنزلي حلت أولاً واستهلكت 49.8٪ من الطاقة المنتجة، أما الشريحة الثانية فأتت شريحة الاستهلاك الصناعي بـ27.6٪ من قيمة الكهرباء المنتجة، يليها الاستهلاك التجاري بنسبة 11.33٪، وبعدها الاستهلاك الزراعي 6.36٪، و1.97% للإنارة العامة، و1.53% لدور العبادة، وأخيراَ 1.3٪ للدوائر الرسمية.
وماذا عن الفاقد؟!
معاون وزير الكهرباء عبد الحليم قاسم أكد في مطلع العام 2010 وفقاً لما نشره موقع «سيريانيوز»، «عدم النجاح في تخفيض الفاقد الكهربائي رغم كل الجهود التي اتخذتها مؤسستا التوليد والتوزيع»، وهذا يعني أن برنامج وزارة الكهرباء القاضي بتخفيض الفاقد خلال الخطة الخمسية العاشرة (2006- 2010) ليصل إلى 20 % في العام 2010, قد فشل، أي أن الفاقد الكهربائي اليوم هو بحدود 25 %، وهذا ما تدعمه بعض الأرقام الصادرة عن حجم الفاقد الكهربائي، وعلى أساس هذه النسبة سيتم حساب تكلفة الفاقد الكهربائي في سورية الذي تجاهلته مؤسسة توليد الطاقة في دراستها إياها.
الطاقة الإجمالية التي كانت معدة للاستهلاك في العام 2009 كانت بحدود 38.727 مليار ك.و.س، وكان مجموع الاستهلاك 28.803 مليار ك.و.س، أي أن الفاقد الكهربائي بلغ ما يقارب 10 مليارات ك.و.س لعام 2009، وانطلاقا من المتوسط الذي احتسب على أساسه حجم الدعم على الكهرباء والبالغ (533 ق.س سعر الكيلو وات ساعي)، نصل إلى أن تكلفة الفاقد الكهربائي تصل إلى 53 مليار ليرة سورية، وهي تعادل حجم الدعم الإجمالي المقدم لشريحة الاستهلاك المنزلي تقريباً، أي أن الفاقد التجاري والفني الذي لم تستطع الوزارة وإجراءاتها الحد منه يكلف الدولة خسائر تعادل حجم الدعم المقدم لـ4.3 مليون مشترك منزلي، فهل هذا بالأمر المنطقي؟! وهل من الطبيعي تجاهله؟! وهل الفشل في تخفيض تلك الخسارة (الفاقد) يعتبراً أمراً طبيعياً يمكن تجاهله، بينما يضخم الدعم الحكومي المقدم للشرائح المحتاجة له بالتأكيد في القطاع الكهربائي؟!..
وفي السياق ذاته، وبحسب دراسة أعدها المركز الاقتصادي السوري التي أشارت إلى أنَّ تخفيض فاقد الطاقة وما يرافقه من فاقد الاستطاعة بنسبة 1% يعني توفير تأسيسات تزيد على 100 مليون دولار، وتوفير ما يقرب من 500 مليون (ك. و. س). وتقدر تكلفة إنتاجها وإيصالها إلى المشتركين بـ3.5 مليار ليرة سورية سنوياً، وهذا يوصلنا إلى تكلفة الفاقد الكهربائي اليوم هي 25 × 100 مليون دولار = 2.5 مليار دولار، أي ما يزيد عن 100 مليار ليرة سورية، وهو ما يفوق الدعم الكلي المقدم لمختلف شرائح الاستهلاك وفي كافة القطاعات، أما إذا أردنا حساب الفاقد على أساس 3.5 مليار ليرة لكل 1% من الفاقد الكهربائي، فإننا نصل إلى أن هذا الفاقد يكلف الدولة 3.5 × 25 = 87.5 مليار ليرة سورية، أي أن الوزارة تضع العجلة أمام الحصان دائماً، فأمام فشلها في تخفيض الفاقد الكهربائي، قررت على ما يبدو جلياً شن الهجوم الاعتيادي على الدعم، وتحميله خسائر وزارة الكهرباء برمتها!. إن لم يقل فيما بعد إنه يحمل (الدعم) مسؤولية فشلها في تخفيض الفاقد الكهربائي.
لنستفد من التجارب إذاً!
قد يقول قائل، إن الوزارة لا تستطع تخفيض الفاقد الكهربائي نهائياً، وهذا صحيح، لأن النسب المسموح بها عالمياً لهذا الفاقد هي 7%، كما أن الفاقد في دول الجوار هو بحدود 10%، وهذا يعني أن هناك 15% من الفاقد الكهربائي يمكن التخلص منه منطقياً، لأن تجارب دول الجوار والأرقام العالمية تؤكد ذلك، وهذا يعني أن بمقدور الوزارة الحد من خسائرها يما يتراوح بين 15 × 3.5 = 52.5 مليار ليرة سورية، أو 1.5 مليار دولار (70 مليار ليرة سورية) إذا ما تم التقيد بالمعايير العالمية والاستفادة من تجارب دول الجوار في الحد من الفاقد!.. فما الذي يمنعنا من الاستفادة من التجارب العالمية وتجارب دول الجوار في الحد من الفاقد الكهربائي على غرار سعينا للاستفادة من هذه التجارب في مجالات أخرى بما ينعكس سلباً على معيشة المواطن السوري فقط؟!