تأهيل شركة حديد حماة المحاصرة تمهيداً للشراكة والخصخصة!
في جميع اللقاءات مع الحكومة، تُطلَق تأكيدات دائمة تقول: «لا خصخصة، ولا بيع للقطاع العام، وإصلاحه بدأ في بعض الشركات»... ولكن في المقابل نريد شركات رابحة، ولا مجال للخسارة أو الفساد.
هنا السؤال الهام الذي يفرض نفسه: «كيف يمكن أن تربح شركات القطاع العام التي ما زالت تعمل؟ وكيف يمكن أن تصل إلى الكلفة والجودة والمنافسة وسط قرارات وقوانين متضاربة تحكمها؟ ووسط جهات وصائية عديدة تدفع بالإدارات للعمل بالإجراءات الأكثر تشدداً، بغض النظر عما يمكن أن يسبب ذلك من خسارة في الزمن والمال، في ظل عدم المحاسبة الصحيحة، طالما أن الإجراءات قانونية.
هناك قضية مزمنة لا يرضى العقل الصناعي أو العقل المخطط والوصائي باستمرارها وديمومتها، وهي مستمرة ودائمة: «عدم القدرة على اتخاذ القرار» فيعود السؤال من جديد: «كيف يتخذ القرار حول القطاع الخاص؟».
الحكومة اتخذت خطوات بالغة الأهمية حول القطاع الخاص منها: وقف التوسع بالقطاع العام، وطرح بعض الشركات الرابحة على الاستثمار، والسماح للقطاع الخاص بالاستثمار في المجالات كافة، وتسهيلات عديدة وإعفاءات وقروض وما إلى ذلك. ولكن أمام القطاع العام تقف الحكومة عاجزة عن اتخاذ القرار، وهي في الواقع ليست عاجزة، ولكنها تمتنع عن اتخاذ الإجراءات وتتفرج كيف يتراجع وينهار!!
القضية الراهنة هي شركة حديد حماة التي استطاعت الحصول على موافقة تطوير معمل الصهر، وأُجريت الترتيبات اللازمة، والمشروع حالياً قيد التنفيذ على الواقع من قبل شركة أبولو الهندية، وهذا يعني زيادة الإنتاج من 60 ألف طن إلى 288 ألف طن. ولكن من أين تؤمن الشركة الحديد؟ من الخردة؟ وإذا لم تتأمن الخردة؟ هنا المشكلة، تقع الفأس بالرأس ويتوقف العمل والإنتاج.
يقول رئيس نقابة الحديد في حماة سليمان الحاج يوسف: يتم شراء الخردة بإعلان، وبعد ذلك عقد، ونحن بحاجة لكذا طن خردة، فتأتي عروض الأسعار وترسي على فلان، روتين وتعقيدات بالقوانين، ونحن في سوق مفتوحة وكل يوم أسعار جديدة، وهذا الروتين يأخذ وقتاً كبيراً، مدة الإعلان ومدة تنفيذ العقد، لذلك أقلع التجار عن البيع للشركة، والخردة تُهرَّب إلى لبنان والأردن وتركيا، في حين يشتري القطاع الخاص مباشرة. طبعاً لا تستطيع الحكومة منح الشركة الموافقة بالشراء المباشر، ولا يمكن استيراد بيليت.
ويتابع رئيس النقابة قائلاً: إن 40% من عمال الشركة مرضى، وفي دول العالم كافة نجد العاملين في معامل الحديد يعملون 15 سنة فقط، ويحصلون تقاعد كامل وحقوق كاملة، وفي شركة حديد حماة هناك عمال يعملون منذ 37 عاماً على خطوط الإنتاج، ولا ميزات لهم، وقانون العاملين في المادة 98 وضع تعويضات لبعض عمال المهن الخطرة، ومُنِحت طبيعة العمل لجهات عديدة، وتم استثناء عمال الحديد، عمال مرضى والتعليمات تقول: لا يجوز نقل العامل من إنتاجي إلى إداري إلا بقرار رئيس الوزراء، ولا يُسمَح بالتعيين.
إذا كان التجار والسماسرة يهرِّبون الخردة علناً لأن أسعارها في الدول المجاورة أعلى من سعرها هنا، فإن شركات القطاع العام والجهات العامة لا تلتزم بتوريد الخردة إلى شركة حديد حماة وتتهرب من البيع للشركة لأن البيع للتجار أو التهريب أجدى.
بلغت نسب تنفيذ الخطة الإنتاجية لغاية تشرين الأول الماضي كما يلي: 74% حديد مبروم، 8% صهر، 27% قضبان. بينما في عام 2009 كانت نسبة الإنتاج: حديد مبروم 48%، بيليت 94%، أنابيب معدنية 2%، مطروقات فولاذية 31%.
إن واقع شركة حديد حماة ليس مفاجئاً، لأن الحكومة اتجهت منذ سنوات لإعطاء القطاع الخاص دوراً رئيسياً في التنمية، وفسحت للتجار والسماسرة العمل بحرِّية، ووقفت عاجزة عن أن تحل أية قضية في شركات القطاع العام، وأهمها إعطاء الشركات الهامة استثناءات محدودة في استيراد المواد الأولية من الداخل أو الخارج، لأن الفترة التي يستغرقها الإعلان والتثبيت والتعاقد وفتح الحساب يستغرق أشهراً، وهناك مواد تنتهي صلاحيتها، وهناك مواد ترتفع وتهبط أسعارها يومياً، وإذا اجتهد المدير يعاقب ويسرح والجهات الوصائية تتفرج على هذا الانهيار، ولا تستطيع أن تتخذ قراراً. هذا هو الواقع الذي تعيشه الشركات الإنتاجية الذي يرضي الفريق الاقتصادي فقط!