650 مليار ليرة الفاتورة النفطية... والفساد يبتلع أكثر من 800 مليار ليرة سنوياً
نزار عادلة نزار عادلة

650 مليار ليرة الفاتورة النفطية... والفساد يبتلع أكثر من 800 مليار ليرة سنوياً

تصريحات عديدة يتحفنا بها وزير النفط منذ سنوات، تقول إن «علينا الاعتراف أن الاستهلاك هو غير مرشد، وعلينا ترشيده لتخفيض الفاتورة النفطية، فعندما نستهلك 370 ألف برميل يومياً، منها 170 ألف برميل مازوت، و100 ألف برميل فيول، و50 برميل بنزين، إضافة إلى 4 مليون طن من الغاز، فهذا يعني بالمحصلة25 مليون طن مكافئ من الوقود، وبقيمة 25 مليار دولار، في حين أن الناتج الإجمالي المحلي بالكامل لا يتجاوز 40 مليار دولار، وتساءل الوزير: هل يعقل أن تكون الفاتورة النفطية 60% من الناتج الإجمالي المحلي؟! ونحن نقوم ببيع المشتقات النفطية للاستهلاك المحلي بأسعار غير حقيقية، وهي تقل بمجموعها سنوياً عنالأسعار الحقيقية بمبلغ 650 مليار ل.س، وكان يمكن توفير هذا المبلغ لو تم البيع بالأسعار الحقيقية».

 منابع الهدر

هذه التصريحات ليست مقتصرة فقط على وزير النفط، بل إن جميع الجهات الوصائية تتحدث في موضوع دعم المحروقات، والمواد الغذائية، والكهرباء، والماء.، ودعم الرغيف، ولم أجد مسؤولاً واحداً يتحدث عن حزمة إصلاحات عميقة تستأصل التهرب الضريبي أو الفساد والهدر، أو سرقة المال العام من خلالالمناقصات، وتنفيذ المشاريع الاستثمارية، ولو أجرينا تدقيقاً في هذه العناوين لخرجنا بأرقام مأساوية.

قطاع توزيع الطاقة الكهربائية واستثمارها يواجه تحدياً من نوع آخر، وهو ارتفاع فاقد الشبكة الكهربائية الذي يتجاوز 30% حسب التصريحات الرسمية، ولكن الواقع يقول أن النسب الحقيقية تتجاوز الـ 40% في بعض المحافظات حسب تقرير الاتحاد المهني للكهرباء، وإذا كان الفاقد الفني مقبولاً على الشبكة الكهربائية،وتساوي 12%، نجد أن هذا الفاقد في الدول المجاورة لا تتجاوز 1%، بينما يزيد الفاقد التجاري 13%، وإذا سلمنا بأن الفاقد الفني لا يمكن التخلص منه إنما يمكن تخفيضه، فإن الفاقد التجاري يمكن الوصول به إلى الصفر، لأنه ينشأ عن الاستجرار غير المشروع من الشبكة، وهذا الفاقد تقدر فاتورته بـ40 مليار ليرة سنوياً.

 الفساد الرقم الصعب

المناقصات وعروض الأسعار في الاستيراد والتصدير تشكل الكتلة الأساسية للفساد، وتبتلع أكثر من 20% من الناتج المحلي الإجمالي (2700 مليار ليرة)، أما فاتورة الفساد الإجمالية فتصل إلى 40% من الناتج المحلي (900 مليار ليرة)، وهنا لم نتحدث عن فساد آخر في بعض الشركات الصناعية والمؤسسات الإنتاجية،والذي يتمثل في الهدر، والإهمال، وسوء استثمار المعدات، وانعدام المتابعة الفنية والإدارية، وهذا يؤدي بدوره إلى انخفاض مردود المعدات وإنتاجية الشركات.

ويشير تقرير للرقابة رقم 1816 تاريخ 12/12/2005 الصفحة رقم 8 إلى أن نسبة الهدر في المياه بمحافظة حمص وتصل إلى 54%، أما في الريف فيبلغ الهدر 60%، فإذا كانت إيرادات المؤسسة سنوياً لا تتجاوز 500 مليون فإن قيمة الهدر تزيد عن 500 مليون ل.س سنوياً.

وفي محضر اللجنة المشكلة من التفتيش لدراسة واقع الهدر في تدمر مثال على ذلك، وقد كانت النتائج مرعبة، وجاء فيه «أن معظم المزارع والفنادق ومنشآت المنقطة الصناعية والمجال التجارية والمكاتب لا تدفع قيمة المياه، ومثال ذلك فندق خمس نجوم لصاحبه (خ.س)، والذي يستجر أنبوب 4 أنش، ومع ذلك فهو لم يدفعسوى 2200 ليرة سورية خلال عامين»..

 فساد من نوع أخر

التهرب الضريبي وجه آخر للفساد، وهو لا يتمثل فقط في اقتصاد الظل الذي يشكل أكثر من 60% من الاقتصاد السوري، وإنما في الاعفاءات التي منحت لأصحاب رؤوس الأموال في ظل اقتصاد السوق، والمؤسف أن هؤلاء لم يقيموا مشروعاً إنتاجياً واحداً بكل ما للكلمة من معنى، واقتصروا على الشركات الخدمية (النقل،والمطاعم، والمقاصف)، وتم منح هؤلاء تسهيلات كبيرة منها الإعفاءات الضريبية، وتقول الأرقام أن أكثر من 200 مليار ل.س حجم التهرب الضريبي، بدءاً من اقتصاد الظل، مروراً بالإعفاءات بموجب القانون، وصولاً إلى فساد في الجمارك. كما أن هناك وثائق تؤكد أن هناك مؤسسات أبرمت عقوداً مع شركات أجنبيةلإجراء دراسات حول بعض المشاريع، ومنها الدراسة مع شركة إيطالية، وصلت تكلفتها إلى 19,7 آلاف يورو، ودراسة أخرى بقيمة 199 آلف دولار، ودراسة أخرى بقيمة 780 ألف دولار، ودراسة أخرى بقيمة 390 ألف دولار، ودراسة أخرى بقيمة 2 مليون يورو، ودراسات أخرى عديدة، ولكن لم ينفذ شيء من الدراساتجميعها، والسؤال المطروح: من المسؤول عن صرف هذه الأموال؟ ولماذا لا تتم هذه الدراسات بخبرات محلية؟ ولماذا لا تتم مساءلة هؤلاء أساطين الفساد؟ وهذه كلها أسئلة برسم وزير النفط الذي يتحدث عن الفاتورة النفطية، والذي يريد أن يوفر هذا المبلغ الكبير على حساب المواطن، متجاهلاً مع الجهات الوصائية بشكلعام أوجه النهب والفساد وسرقة الوطن والمواطن علناً.