بعد غيابها عن أذهان المخططين الاقتصاديين السوريين زماناً طويلاً..  ألم يحن الوقت المناسب لجعل التنمية المتوازنة أولوية لخلق التنمية الفعلية؟!

بعد غيابها عن أذهان المخططين الاقتصاديين السوريين زماناً طويلاً.. ألم يحن الوقت المناسب لجعل التنمية المتوازنة أولوية لخلق التنمية الفعلية؟!

 ستبقى التنمية المتوازنة، والتي غابت عن أذهان المخططين الاقتصاديين خلال العقود الثلاثة الماضية، وتحديداً في العقد الأخير، ورقة رابحة على طريق التنمية الاقتصادية الفعلية، فغيابها يعد من أبرز الاختلالات التي يعاني منها الاقتصاد السوري اليوم كما عانى منها في الماضي، ولا تلقى الكثير من الاهتمام، كما أنها لاتحظى بتسليط الضوء عليها حتى الآن، فالتنمية المتوازنة كما نريدها ونفهمها، هي ضخ أموال واستثمارات حكومية ووطنية خاصة في شرايين الاقتصاد الوطني بالمحافظات السورية على اختلافها، مما يساهم في خلق تنمية حقيقية في تلك المحافظات، وتؤدي دورها في إعادة الاستقرار إلى تلك المناطق، وتخفيف حدةومستوى الهجرة المتفاقمة من غالبية المناطق والمحافظات السورية إلى دمشق وحلب، لكونهما مركزي الحركة الاقتصادية.

 

غياب التنمية خلق الأزمات

قبل الحديث عن التنمية المتوازنة، وكيفية تحقيقها، لا بد من التذكير أولاً، وقبل كل شيء، أن غياب شكل التنمية المتوازنة هذا أدى إلى ابتعاد الفلاح عن الزراعة لعدم نجاعتها، وقدرتها على تحقيق أرباح مناسبة تضمن له الحد الأدنى من المعيشة اللائقة، وهذا ساهم في زيادة معدلات الهجرة سواء إلى المدن السورية الكبرىأو إلى الدول المجاورة، ففي دول الخليج وحدها - حسب التقديرات الرسمية - يعمل ما يقارب المليون سوري، كما تعمقت مشكلة البطالة في المجتمع السوري، وهذا بدوره ساهم في زيادة معدلات الفقر، وبالتالي تراجعت مؤشرات التنمية البشرية في سورية عبر السنوات المتلاحقة، وهذا ما تؤكده الأرقام الرسمية والتقاريرالدولية، بالإضافة إلى ذلك، نشأت مشكلات جديدة بفعل تلك الهجرة إلى المدن السورية الرئيسية (دمشق وحلب)، وابسط أمثلتها بروز مشكلة السكن، والتي أدت -بالتزامن مع الاحتكار الكبير الذي تشهده السوق العقارية- إلى ارتفاع أسعار العقارات والإيجارات في تلك المدن بنحو 10 أضعاف خلال زمن قياسي، بالإضافة إلىالعديد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى التي ظهرت بفعل غياب التنمية المتوازنة وبنتيجتها.

 

الإمكانات الذاتية مرتكز التنمية

مرتكز التنمية المتوازنة هو الاعتماد على الإمكانات الذاتية للاقتصاد السوري، وهو بشكل أساسي الزراعة والصناعة، فسورية بلد زراعي، والحكومة الحالية سميت بالحكومة الزراعية، وكان بفترض بها من حيث المنطلق، إعادة الاعتبار للزراعة وللفلاح معاً، وهذا يعني بالمحصلة، بناء صناعات وطنية تكون الزراعةالسورية أحد مدخلاته، وهذا أهم مرتكزات التنمية المتوازنة، فليس من المنطقي أن نتلف إنتاج المزارعين في سنين «المواسم الوفيرة»، أو نجبر الفلاح على بيعها «بتراب المصاري» بما لا يكفي لاسترجاع فلاحنا «المعتر» لما دفعه على تكاليف إنتاج محصوله الأساسي، بدلاً من تعزيز تلك الزراعات بصناعة مرادفة،كبناء عدد من المعامل الصغيرة للعصير أو رب البندورة في المناطق الأساسية لزراعة الحمضيات والبندورة على أقل تقدير، وهذا سيساهم بالتالي في الاستفادة من المحصول الزائد من تلك الزراعات في صناعات يحتاجها السوريون أساساً، وسيؤدي عندها إلى رفع أسعار المنتج الزراعي بما يحقق هامش ربح بمقدار 25%للفلاح، كما سيساهم في توظيف وتشغيل عدد من الشباب السوري في تلك المعامل والمصانع (عمال، فنيين، مهندسين)، ونكون عندها قد حققنا تنمية متوازنة أعادت الفلاح إلى أرضه واعتباره، وبالتالي نكون قد «ضربنا» أكثر من عصفور بحجر واحد..

 

للقمح 52 صناعة

وما قيل على الزراعات آنفة الذكر ينطبق على القمح، وهو محصول يبنى عليه 52 صناعة تقريباً، بينما لا نستخدم القمح إلا بأربع أو خمس صناعات فقط (خبز، معكرونة)، ونحن ننتج سنوياً ما يقارب 4 ملايين طن، فالسعي لبناء 20 أو 30 صناعة حقيقية من القمح السوري، سيساهم في زيادة إنتاجنا من تلك المادةالإستراتيجية، وبذلك نستثمر الأراضي الزراعية بالشكل الأمثل، بدلاً من إبقاء 30% من الأراضي الزراعية دون استثمار، ونبني عليها صناعات نستغل فيها الطاقات البشرية السورية، باستيعاب الكثير من الداخلين الجدد إلى سوق العمل.

 

الخيوط تضاعف الاستفادة 6 أضعاف

والأقطان ليست بأفضل حال من القمح، فنحن ننتج ما يزيد عن مليون طن سنوياً، وهو ما يستنزف الموارد المائية، وفي المحصلة نصدر إنتاج تلك المادة خاماً، علماً أن صناعة الخيوط تضاعف حجم الاستفادة بمقدار 6 أضعاف مقارنة بتصدير القطن الخام، بينما تصل القيمة المضاعفة إلى 12 مثل تقريباً إذا ما أنتجالسوريون من أقطانهم الألبسة الجاهزة، وهذه ليست سوى جزء من الزراعات السورية التي يمكن تعظيم الاستفادة منها عبر تصنيعها، كأنصاف مصنعة أو مصنعة، ومن ثم تصديرها بدلاً من بيعها للدول المجاورة وللخارج كمواد خام، على أن لا يجري تمركز صناعتها في المدن الكبرى، وإنما في مناطق الإنتاج الزراعيذاتها..

التنمية المتوازنة تعني دون شك إنشاء صناعات خفيفة في العديد من المحافظات بما يخدم عملية التنمية الشاملة، وضمن رؤية متكاملة وتخطيط مسبق، حتى ولو ساهم القطاع الخاص في جزء من تمويل أو بناء تلك المشاريع، فالعمل يجب أن يتم ضمن رؤية إستراتيجية واضحة، فالتنمية المتوازنة متعددة المنافع علىالصعيدين الاقتصادي - والاجتماعي، وهي الكفيلة بحل العديد من المشكلات الاقتصادية المستعصية المشكلة عبر العقود الماضية..

آخر تعديل على الخميس, 27 آذار/مارس 2014 12:16