كيف تستعد إيران لجولة حرب جديدة محتملة؟

كيف تستعد إيران لجولة حرب جديدة محتملة؟

رغم حدوث عدد من التطورات خلال شهر تشرين الأول الماضي، ظلّ الوضع العام في منطقة غرب آسيا في حالة من الاضطراب، فالعديد من بؤر التوتر التي عملت واشنطن على إشعالها وتغذيتها لم تخمد بعد، لكن المشهد ورغم قتامته يضع أمامنا معطيات تساعدنا في فهم طبيعة التوازنات الحالية بشكلٍ أعمق.

الملف الذي يحتل حصة متزايدة من التغطية الإخبارية والتحليلية مؤخراً هو التطورات في إيران، فرغم انتهاء «حرب الـ 12 يوم» لم تكن الأجواء هادئة، بل ظلت نتائج الحرب محل تجاذبات، ولكن رغم محاولات «إسرائيل» والولايات المتحدة تصوير الحرب كما لو أنّها «ضربة قاضية» لإيران، جاءت التطورات لتثبت مسألة مختلفة كليّاً، وهي ببساطة أن «حرب الـ 12 يوم» كانت ببساطة جولة أولى من صراع مستمر وبأشكالٍ متعددة، بل إن أداء إيران العسكري، كان ضاغطاً إلى ذلك الحد الذي فرض على الولايات المتحدة و«إسرائيل» وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار.
حسابات كل طرف!
بعيداً عن الدعاية التي يمكن قراءتها في وسائل الإعلام، يمكن القول ببساطة: إن كلّاً من «إسرائيل» وإيران لحق بهما ضررٌ كبير أثناء هذه الحرب، لكن المسألة ببساطة هي أن «إسرائيل» التي بدأت هذه الجولة كانت وضعت أهدافاً معلنة محددة، وتحديداً تدمير البرنامج النووي الإيراني وإنهاء قدرات إيران الصاروخية، وبعد الوصول إلى وقف لإطلاق النار كانت واشنطن وتل أبيب تصرّان على أن برنامج إيران
النووي قد جرى تدميره بشكلٍ كبير، وأن قدراتها الصاروخية استنزفت في الحرب، واستهدفت البنية التحتية الإنتاجية، لكن بدأت تقارير رسمية وتصريحات مسؤولين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية تبين غير ذلك، إذْ اعترف مدير الوكالة رافاييل غروسي أن مخزون اليورانيوم الإيراني «ما زال موجوداً» وقدّر كمياته بـ 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وقال غروسي: إن هذه الكمية «يمكن أن تكفي لصنع ما يصل إلى عشر قنابل نووية في حال اتخاذ القرار السياسي». تصريحات غروسي تبدو كما لو أنّها تبرير لعمل عدواني
جديد، ومن الجدير بالذكر، يتسق جزءٌ من كلامه مع تصريحات المسؤولين الإيرانيين، فطهران ظلّت منذ انتهاء الحرب مصرّة على أن الكميات الأساسية من اليورانيوم لا تزال موجودة وأكد مسؤولوها أن البرنامج النووي الإيراني مستمر.


ما الذي دفع إلى وقف إطلاق النار إذاً؟


لا شك أن «إسرائيل» والولايات المتحدة تملكان قدرات أكبر من تلك التي جرى استخدامها، لكن المشكلة بدت بأن استمرار الوضع الحالي لن يقود إلا إلى مزيدٍ من الاستنزاف، وتبين أن قدرات إيران في استهداف العمق «الإسرائيلي» دون توقف طوال 12 يوم، تحّولت إلى عامل ضاغط بشكلٍ كبير، على المستوطنين غالبيتهم يفكرون بالهجرة، بل أيضاً على مخزونات الدفاع الجوي، وكان يمكن أن تنفتح الأجواء أمام طهران التي كانت ترفع من نوعية الصواريخ التي تستخدمها بدل أن يجري العكس، كل ذلك فرض وقفاً لإطلاق النار، ويبدو أن التقدير الأمريكي أنه يملك قدرة عسكرية أكبر لإعادة التسليح، فيما ستحتاج إيران وقتاً أطول للعودة إلى الوضع السابق، ما يمكن أن يعطي واشنطن أفضلية خلال أشهر قليلة، لكن تقديرات من هذا النوع يبدو أنّها أيضاً لم تكن دقيقة بما يكفي، فبحسب تصريحات علي فائز مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، قال نقلاً عن مسؤولين إيرانيين: إن «المصانع الصاروخية الإيرانية تعمل 24 ساعة يومياً» وأضاف: «إيران تستعد لإطلاق 2000 صاروخ دفعة واحدة على [إسرائيل] في الحرب المقبلة، لإغراق الدفاعات [الإسرائيلية]» وهذه أرقامٌ كبيرةٌ جداً، فخلال الحرب السابقة أطلقت إيران ما مجموعه 500 صاروخ خلال 12 يوم، بينما يجري الحديث اليوم عن 2000، الأرقام التي يتحدث عنها علي فائز، حتى وإن كانت بهدف ردع الخصوم، إلا أنّها تستند بالطبع إلى أساس ما، فلو لم تكن إيران
ترى نفسها اليوم في موقع غير قادر على الرد، ستعتمد نهجاً آخر وتحديداً في ملف التفاوض، فبحسب وزير الخارجية عباس عرقجي قال: إن على الأطراف المقابلة «أن تختار تجربة مفاوضات 2015 وحرب الـ12 يوماً. ونحن مستعدون لكلتيهما». وهنا كان اختيار الإشارة إلى مفاوضات 2015 مقصوداً، فبالنسبة لطهران لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة والتفاوض معها بعد الخداع الذي جرى، وهي لذلك منفتحة على التفاوض، لكن ضمن صيغة دولية جامعة تلزم واشنطن بمخرجاتها.


كيف تستعد إيران للمواجهة المحتملة؟


إن الحرب الأخيرة وتجربة إيران الطويلة رسّخت أكثر ضرورة «التوجّه شرقاً» فرغم أنه معتمد من قبل طهران إلا أن الموقف النهائي من الغرب وطبيعة العلاقة معه ظلت مرهونة بنتائج المفاوضات وسلوك الأطراف الأخرى، لكن العدوان على إيران فرض موقفاً إلزامياً، فالولايات المتحدة أثبتت نفسها مجدداً بأنّها عدو يسعى إلى تدمير إيران وتفتيها، وهذا ما أعطى زخماً أكبر لبناء شبكة تحالفات بعيدة عن الغرب، وقادرة على تزويد إيران بما تحتاجه تحديداً في موضوع التسليح.
ويبدو من خلال التقارير المتزايدة، أن الصين قادرة على المساهمة بحل المشكلة سريعاً، فهناك تقارير تشير إلى أن إيران بصدد تسلم أنظمة الدفاع الجوي الصيني HQ-9B وهي فضلاً عن ميزاتها النوعية، فقد صنعت هذه النسخة منها لتعمل بشكل متوافق مع أنظمة S300 التي تملكها إيران، وترى «إسرائيل» أن حصول إيران على أنظمة كهذه يشكّل تحدياً حقيقياً حتى بالنسبة لأسطول طائرات F-35، فهي قادرة على العمل ضمن مدى يتجاوز 250 كم وتفرض بقدراتها على الطيران «الإسرائيلي» أن يضع أسوأ السيناريوهات عند وضع الخطط، وذكرت بعض التقارير المتخصصة أن الأنظمة مزودة برادارات المسح الإلكتروني النشط (AESA) متعددة النطاقات غير المألوفة بالنسبة لجيش الاحتلال «الإسرائيلي» و«تقوض عقوداً من الخبرة [الإسرائيلية] ضد الأنظمة الروسية».

إلى جانب ذلك، تحوّلت إيران بشكلٍ كلي لاعتماد نظام الملاحة الصيني «بيدو» بديلاً عن نظام GPS بعد أن أثبت النظام الغربي أنّه يمكن أن يشل قدرة الجيوش في ساحة المعركة، بل إن اعتماد نظام «بيدو» يربط بنية الاستهداف والهجوم الإيراني بالبنية التحتية الاستراتيجية الصينية، هذا إلى جانب تقارير أخرى عن رصد شحنات ضخمة من مادة «بيركلورات الصوديوم»، وهي المكون الأساسي لوقود الصواريخ ذات الدفع الصلب، لمساعدة إيران على إعادة بناء مخزونها الصاروخي الذي تضرر خلال الحرب، وتوفير مكونات وتكنولوجيا متقدمة لدعم سلسلة طائرات «شاهد» الإيرانية وتحديداً في أنظمة التوجيه.
من جهة أخرى، ورغم الكثير من التقارير المتضاربة عن الدور الروسي في هذه المسألة يظهر أن روسيا تعمل بشكل حثيث على تخفيف الضغوط الاقتصادية، وكان الإجراء الأخير هو ربط أنظمة الدفع الوطنية في كلا البلدين، ما يسمح لإيران أكثر بتجاوز آثار العقوبات، هذا بالإضافة إلى أن أنباء تتحدث عن مفاوضات روسية-إيرانية لحصول الأخيرة على طائرات Su-35 وما يدعم هذه التقارير هو أن إيران حصلت بالفعل على طائرات ياك-130 وهي طائرات مخصصة للتدريب المتقدم بهدف تأهيل الطيارين الإيرانيين لقيادة المقاتلات الروسية الأكثر تطوراً.

إن العدوان الذي تعرّضت له إيران كان بمثابة تهديد للدول الإقليمية الأساسية في المنطقة، وتحديداً السعودية وتركيا، ومن هذه الزاوية تحوّل هذا الملف إلى مسألة أساسية في فهم طبيعة التوازنات القائمة اليوم، فإن فشل المخطط الأمريكي-«الإسرائيلي» يعني تثبيت واقع جديد، لكن المسألة الأهم التي تظهر بوضوح، هي أن مسألة التوجه شرقاً لم تعد مجرّد خيار، بل باتت فعلياً الخيار الوحيد أمام القوى الإقليمية الأساسية في الشرق، وخصوصاً أن مجمل الكتلة الشرقية ترى اليوم أن أي خسارة تتلقاها الولايات المتحدة تضعف قدرتها على القيام بأعمال عدوانية غير محسوبة، وهو ما يضمن مستوى أعلى من الاستقرار.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1252