تشارلي كيرك... تصوير العنف تمهيداً لعنفٍ أوسع

تشارلي كيرك... تصوير العنف تمهيداً لعنفٍ أوسع

ضجّت وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية يوم 10 أيلول باغتيال المؤثر السياسي الأمريكي تشارلي كيرك على العلن، ووسط تجمع كبير في جامعة ولاية يوتا الأمريكية، عبر رصاصة قناص عن بعد 200 متر، وبمشهد عنيف مُصوّر.

جاء هذا الاغتيال بدوافع سياسية، وسط تزايد الاستقطاب الحاد داخل الولايات المتحدة الأمريكية، بين يمين محافظ، ويسار ليبرالي، وأمريكيين متطرفين، وتتداخل أصابع الاتهام وتوجيه المسؤوليات بشكل كبير بين مختلف هذه الأطراف اليمينية واليسارية الأمريكية، و«إسرائيل»، ويجري تداول هذه الاتهامات وتقاذف المسؤوليات بحسب كل وسيلة إعلام وتجمع، وما يحملونه من توجهات ومواقف سياسية.

لم يخف كيرك يوماً اصطفافه بموقع اليمين المتطرف في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن المعروف دعم اللوبي الصهيوني له، خاصة بمرحلة بدايات صعوده بعد عام 2012 وتأسيسه منظمة TUPSA الشبابية اليمينية المتطرفة، والتي كانت تدافع عن «إسرائيل» بمواجهة الفلسطينيين، كما لما يبذل جهداً بإخفاء عنصريته العرقية.

لكن لاحقاً، ومع حصول تغيرات عدة، دولياً وداخل الولايات المتحدة الأمريكية، ومع نشوء ووضوح الخلافات الأمريكية– «الإسرائيلية» وارتفاع السخط الأمريكي تجاه تدخلات اللوبي الصهيوني في سياسات البيت الأبيض، وانضمام كيرك إلى حركة ماغا «MAGA» مع دونالد ترامب، بدأ كيرك يتخذ مساراً مغايراً عن السابق فيما يتعلق بـ «إسرائيل» وبالضد من رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، بدافع أمريكي قومي لا أكثر من ذلك.

أما على المستوى الداخلي، فقد كان خلال السنوات القريبة السابقة جزءاً من الماكينة الإعلامية والدعائية لليمين وحركة ماغا وترامب والتيار المحافظ بمواجهة «اليسار» الأمريكي الليبرالي المتطرف، الذي لا يختلف مؤثروه كثيراً عن كيرك نفسه فيما يتعلق بتعزيز خطابات الكراهية والانقسام والاستقطاب داخل المجتمع الأمريكي.

ضمن هذه الصورة، كان كيرك جزءاً من الصراع الأمريكي الداخلي الجاري بصورته الاجتماعية الشعبوية، خلال فترة حياته ونشاطه، كما هو الحال باغتياله المُصوَّر وما تلاه، حيث سارعت مختلف الأطراف لتبادل الاتهامات والمسؤوليات واتخاذ إجراءات مختلفة من أبرزها: تقييد حرية التعبير عبر طرد العديد من الموظفين والعاملين بمختلف المناصب الإعلامية والأكاديمية ممن أبدوا مواقف وسرديات مغايرة عما تريده إدارة ترامب، وبالمقابل، قام الليبراليون المتطرفون بالمثل تجاه من أبدى تعاطفاً، وإن لدوافع إنسانية فقط، أما «إسرائيل» التي وُجهت إليها أصابع اتهام أيضاً، قامت بتبرئة نفسها عبر الاستناد لماضي كيرك ودعم اللوبي الصهيوني له، وأحاديثه القديمة، وأطلقت سهامها بسردية مواجهة معاداة السامية.

في السؤال العام حول من له مصلحة بهذا الحدث، يمكن الجواب بالقول: الجميع، فمن وجهة نظر «إسرائيل» ومدرستها تخلصت من صوتٍ مناهض، وأرسلت رسالة لغيره، ومن وجهة نظر الليبراليين المتطرفين فقد اغتالوا صوتاً ترامبوياً وعززوا حالة استقطاب يمكن الاستفادة منها، ومن وجهة نظر اليمينيين كان الحدث ذريعة لإجراءات تم اتخاذها وستتخذ لاحقاً.

لكن، ما ينبغي الوقوف عنده بالدرجة الأولى، هو تعمّد الرسالة الإعلامية المصوّرة للاغتيال، والتي تهدف وضوحاً– أيّ كان من يقف خلفها- لزيادة انقسام المجتمع الأمريكي، وتعميق حالة الاستقطاب داخله، وتوجيه طرفيه لمواقع محددة في سياق المعركة السياسية الجارية داخل الولايات المتحدة، والتي تشير بارتفاع نسبة الاغتيالات السياسية، واقتراب الظروف من نشوء انفجار أهلي داخلي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1244