حصاد 6 أشهر من تصريحات ترامب حول أوكرانيا... جاءت لحظة الحقيقة؟
بدأت تظهر مؤخراً وبشكل متزايد مؤشرات تدل على محاولة أمريكية للتنصل من الملف الأوكراني، والأمر ليس جديداً؛ حيث إن أول إشارة صريحة لذلك كانت في 1 أيار الماضي، حين قالت تامي بروس، المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية في مؤتمر صحفي، «يريد الرئيس في كل خطوة نتخذها كأمة أن نتبع نهجاً دبلوماسياً؛ وهذا واضحٌ من خلال التزامنا به. ومع ذلك، فهو يعلم أيضاً أن هناك جزءاً آخر من العالم، عالماً بأكمله، يحتاج إلى بعض الاهتمام. وقد أوضح الوزير أيضاً أنه بينما سيتغير أسلوبنا، ستتغير منهجية مساهمتنا في هذا، حيث لن نكون وسطاء. هذا ما ذكرته يوم الثلاثاء، وطبيعة التغيير هي أننا– بالتأكيد ما زلنا ملتزمين به– سنساعد ونبذل قصارى جهدنا. لكننا لن نسافر حول العالم في لمح البصر للتوسط في اجتماعات، فالأمر الآن بين الطرفين، والآن هو الوقت المناسب لتقديم وتطوير أفكار ملموسة حول كيفية إنهاء هذا الصراع. الأمر متروك لهم».
كما رافق هذا التراجع عن الوساطة تصريحات وتحركات أخرى تدل على محاولات أمريكية للرجوع إلى الوراء في الملف الأوكراني، بما فيها تغيّر اللغة بالأخص تجاه الجانب الروسي واستخدام نبرة أكثر «حيادية»، وتقييد الدعم العسكري والاستخباراتي، وكذلك تعليق بعض العقوبات على روسيا، ورافقت كل ذلك إشارات من الأوروبيين تدلّ على وصول الرسالة ذاتها لهم من الجانب الأمريكي، ما يعني إلقاء جزء أكبر من الملف على عاتق الأوروبيين.
أحد المؤشرات على التنصل الأمريكي من الملف الأوكراني، يمكن استنتاجه من تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب نفسه، حتى من بعض ما قاله في حملته الانتخابية، ولكن سننظر في هذه المادة في تصريحاته فقط خلال الأشهر الستة الماضية.
قال ترامب في مؤتمر صحفي، في 18 شباط الماضي، تعليقاً على اعتراض أوكرانيا على استبعادها من المحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا في السعودية، الهادفة إلى إنهاء الحرب في شرق أوكرانيا، وبنبرة استهزاء بالجانب الأوكراني، قال فيما يبدو موجهاً الكلام لزيلينسكي وملقياً اللوم عليه في الحرب، «كان ينبغي عليك إنهاء الحرب... ما كان ينبغي لك أن تبدأ الحرب أصلاً. كان بإمكانك التوصل إلى اتفاق».
تبع ذلك التصريح بعد عشرة أيام فقط لقاء ترامب مع زيلينسكي، عندما زار الأخير الولايات المتحدة، وحضر نائب الرئيس الأمريكي، فانس، اللقاء الذي جرى في المكتب البيضاوي في 28 شباط الماضي والذي تم بثه مباشرة، حيث قام ترامب وفانس وعلى مرأى من جميع العالم بما لا يمكن وصفه إلا بتوبيخ لزيلينسكي، حيث قال ترامب لزيلينسكي خلال اللقاء، «أنت لستَ في وضعٍ جيدٍ الآن... لقد سمحتَ لنفسكَ أن تكونَ في وضعٍ سيئٍ للغاية. ليس لديكَ ما يكفي من القوة الآن».
كما أشار ترامب في تصريحات له إلى أن هذه ليست حربه، حيث قال في منشور له على منصته «Truth Social»، في 14 نيسان الماضي، «الحرب بين روسيا وأوكرانيا هي حرب بايدن، وليست حربي. وصلتُ إلى هنا للتو، ولمدة أربع سنوات خلال ولايتي، لم أجد أي مشكلة في منع وقوعها... لقد أخطأ الرئيس زيلينسكي وجو بايدن الفاسد في السماح لهذه المهزلة بالظهور. كانت هناك طرق عديدة لمنعها من الحدوث».
كرر ترامب ذلك في عدة تصريحات، كان آخرها في 5 آب الجاري، خلال لقاء صحفي ورداً على سؤال من صحفي حول الحرب في أوكرانيا، بدأ ترامب جوابه بالقول، «يجب أن تفهم بشكل مهم للغاية، هذه حرب بايدن، هذه ليست حربي».
ضمن الاتجاه ذاته، انتقد ترامب الإنفاق على الحرب في أوكرانيا، وألقى اللوم في هذا الإنفاق على بايدن، حيث قال في مؤتمر صحفي في بدايات شهر آذار الماضي، «لقد أعطى بايدن بغباء شديد للغاية – بغباء شديد، بصراحة – مبلغاً بقيمة 300 مليار دولار، أو بشكل أدق 350 مليار دولار، لدولة لتقاتل وتحاول أن تفعل أشياء». وقال ترامب في المؤتمر الصحفي ذاته وفي عدة تصريحات أخرى: إن الحرب الأوكرانية تقع مسؤوليتها الأساسية على عاتق أوروبا، حيث أشار إلى أن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من 300 مليار دولار على الحرب في أوكرانيا، في حين أنفقت أوروبا أقل من نصف هذا المبلغ، وقال في هذا الصدد في المؤتمر الصحفي المذكور أعلاه، «كان ينبغي لأوروبا أن تعطي أكثر مما أعطينا، لأن أوروبا موجودة هناك»، في إشارة إلى أن هذا الأمر أكثر أهمية بالنسبة لأوروبا من الولايات المتحدة، وأضاف، «كان ينبغي لهم أن يعطوا بشكل متساوٍ لما أعطيناه». وأضاف في المؤتمر الصحفي ذاته، «هذه الحرب لم تكن لتحدث لو كنت رئيساً».
كما تم إيقاف الدعم العسكري والاستخباراتي الأمريكي إلى أوكرانيا في بديات شهر آذار الماضي، واستؤنفت لاحقاً، ولكن لا تزال هناك مؤشرات على أن المساعدات العسكرية سوف يتم تخفيضها في المستقبل. نشرت «سي إن إن» في 8 آب الجاري خبراً حول سياسة البنتاغون الجديدة والتي بموجبها قد تعود الأسلحة المخصصة لأوكرانيا إلى المخزونات الأمريكية، ووفق الخبر، «في الشهر الماضي، كتب كبير مسؤولي السياسات في البنتاغون مذكرة تعطي وزارة الدفاع خيار تحويل بعض الأسلحة والمعدات المخصصة لأوكرانيا إلى المخزونات الأمريكية، وفقا لأربعة أشخاص قرأوا المذكرة ــ وهو تحول دراماتيكي». ووفق المقالة، «في الشهر الماضي، أوقف وزير الدفاع بيت هيجسيث شحنة كبيرة من الأسلحة إلى أوكرانيا».
النظر في جملة التصريحات التي أطلقها ترامب وأعضاء في إدارته خلال الأشهر الستة الماضية بما يخص أوكرانيا، يسمح بالاستنتاج بأن الخط العام الثابت في كلام ترامب حول المسألة هو البحث عن طريقة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وبالأحرى التملص منها، ولكن بالتأكيد ضمن صورة لا تبدو فيها الولايات المتحدة وكأنها قد خسرت المعركة، ولا مانع أن يظهر الأوربيون بمظهر الخاسر، ولا مانع بالتأكيد من أن يكون الحل النهائي عبر تنازلات ما من روسيا عن شروطها التي وضعتها، في حال تمكن ترامب من تحصيل أيّ تنازلات.
كل هذه المؤشرات، ربما تلقي شيئاً من الضوء على احتمالات ما قد يجري في اللقاء المزمع بين ترامب وبوتين يوم 15 من الشهر الجاري، والذي سيكون الملف الأوكراني أهم ملفاته إلى جانب ملفات أخرى عديدة... وما سينتجه اللقاء ربما يكون حاسماً بما يخص أوكرانيا، ويتحول إلى لحظة كاشفة لحقيقة التصريحات المتراكمة لترامب حول أوكرانيا مما قبل وصوله إلى سدة الرئاسة مطلع هذا العام، وحتى الآن.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1238