«إسرائيل» وإعادة تدوير نفايات الأهداف للمرة الأخيرة

«إسرائيل» وإعادة تدوير نفايات الأهداف للمرة الأخيرة

منذ السابع من أكتوبر 2023 شنْت القوات «الإسرائيلية» عمليات عسكرية متتالية مختلفة الأسماء، وفي كل مرة تحمل كل واحدة منها ذات الأهداف بعد أن فشلت سابقتها بتحقيقها: القضاء على «حماس» وإعادة جميع الأسرى، ونزع سلاح قطاع غزة، وآخر تدوير لنفايات «الأهداف» هذه كانت خطة نتنياهو التي أعلن عنها يوم الجمعة باحتلال قطاع غزة كاملاً بدءاً من مدينة غزة.

عدم قدرة «إسرائيل» على تحقيق أهدافها، بالتوازي مع عدم رغبتها الإقرار بالهزيمة الأمنية والسياسية التي حدثت في السابع من أكتوبر، مع كل ما تلاها خلال فترة الحرب على المستويين المحلي والدولي من محاكمات فساد وإجرام، وإدانات واتهامات دولية، ومذكرة التوقيف بحق نتنياهو، وصولاً للاعترافات الدولية بدولة فلسطين وغيرها الكثير... كل ذلك يدفع الحكومة «الإسرائيلية» اليمينية المتطرفة للهروب إلى الأمام، ضاربةً عرض الحائط بكل شيء، بما فيه أسراهم الموجودون لدى المقاومة الفلسطينية، وهذا الهروب يهدف لتحقيق الهدف الأعلى بتهجير الفلسطينيين جميعاً، ليس من غزة فحسب، وإنما من الضفة الغربية أيضاً.

الخطة الجديدة

«الخطة التدريجية» الأخيرة التي عرضها نتنياهو وتمت الموافقة عليها بعد جدل استمر قرابة العشر ساعات، تنطوي على 4 مراحل، وتحتاج ما بين 5 إلى 6 أشهر على الأقل لإنجازها.

المرحلة الأولى: تبدأ بإطلاق إشعارات إجلاء للفلسطينيين في مدينة غزة البالغ عددهم حوالي المليون شخص، وتوجههم جنوباً.
المرحلة الثانية: بدء هجوم برّي كبير على مدينة غزة والمخيمات المجاورة لها، واقتحام المدينة من عدة اتجاهات، مع تطويق للمدينة وعزلها عن باقي القطاع، قبل فرض حصار عليها يستمر لعدة أشهر.
المرحلة الثالثة: تشمل توسيع العمليات العسكرية لوسط وجنوب قطاع غزة، بعد إحكام السيطرة على مدينة عزة، وبهذه المرحلة تشكل مخيمات اللاجئين كالبريج والنصيرات الهدف الرئيسي.
المرحلة الرابعة: تأمين المناطق التي تمت السيطرة عليها، وإبقاء قوات أمنية ومعدات مراقبة تنتشر في جميع أنحاء غزة، وفصل مناطق غزة بعضها عن بعض.
وفي النهاية تهدف هذه الخطة لنزع سلاح حماس تماماً، وإعادة جميع الأسرى «الإسرائيليين» وتجريد قطاع غزة من السلاح، بما لا يشكل تهديداً على «إسرائيل» لاحقاً، وإنشاء إدارة جديدة للقطاع، لا تتبع لحماس ولا للسلطة الفلسطينية.. وهذه هي الأهداف «الإسرائيلية» نفسها منذ 7 أكتوبر على أيّ حال.

ردود الفعل

رفضت وأدانت الدول العربية والإسلامية، والعديد من الدول على المستوى العالمي، هذه الخطة وحذرت منها ومن تداعياتها الخطيرة على المستويين الإنساني والسياسي، فهذه العملية تعني زيادة الأوضاع الإنسانية سوءاً في غزة لدرجة لا يمكن وصفها، وخاصة بمساعي طرد وتهجير سكان مدينة غزة المكتظة جنوباً.. وعلى المستوى السياسي فإن هذا الأمر يرفع من الضغط على مصر خاصة، ويستجلب ضغوطاً شعبية وسياسية أعلى في الدول العربية والأوروبية وغيرها، مما يهدد استقرارها الداخلي، وخاصة ما يتعلق باستقرار أنظمتها السياسية.. ومن ذلك دعت مجموعة من الدول الأوروبية إلى جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي حول هذه الخطة.

داخلياً، شهدت تل أبيب يوم السبت 9 آب أكبر مظاهراتها حتى الآن، حيث تتراوح تقديرات المشاركين فيها بين 60 إلى 100 ألف متظاهر يرفضون الخطّة الجديدة، ويدعون لوقف الحرب تماماً، والإفراج عن الأسرى، وينددون بالحكومة «الإسرائيلية» المتطرفة، كما اقتحم عدد من المحتجين أستوديوهات القناة 13 الإسرائيلية، مرتدين قمصاناً كتب عليها «مغادرة غزة» ورافعين لافتات تنتقد خطة الحكومة قبل أن ينقطع البث.
سياسياً رفعت المعارضة «الإسرائيلية» بقيادة يائير لابيد من حدّة خطابها، محذرة من تداعيات هذه الخطة الكارثية، فهي لن تُعيد الأسرى، وستكون تكاليفها باهظة على «جيش الدفاع الإسرائيلي» والاقتصاد والأمن، فضلاً عن تداعياتها السياسية والاستراتيجية.

من جهة أخرى، انتقد اليمين المتطرف خطة نتنياهو كذلك، معتبراً إياها غير كافية، حيث عبر وزير المالية سموتريتش عن «خيبة أمله» من نتنياهو، مطالباً باحتلال غزة كاملة، وتهجير الفلسطينيين إلى الخارج تماماً، وبدء الاستيطان في قطاع غزة.

كما شهد المستوى العسكري خلافات وتباينات عميقة حيال الخطة، حيث أعلن رئيس الأركان إيال زامير معارضته لها، لخطورتها وعدم ضمانها، وتكاليفها الباهظة على «جيش الدفاع» فضلاً عن تحميل الجيش أي فشل سياسي لاحق.

أهداف نتنياهو الفعلية.. واحتمالات تحقيقها

يمكن القول: إن الطرفين الوحيدين اللذين يوافقان على هذه الإجراءات المتطرفة، على المستويين المحلي والدولي، هما الحكومة «الإسرائيلية» وواشنطن فقط، فكلاً منهما لا يستطيع تحمل أدنى هزيمة سياسية، ووقف الحرب يعني تماماً الاعتراف بهذه الهزائم وقطف ثمارها داخلياً.. كما أن هذه الخطة بمضمونها التصعيدي الخطير ليست مفاجئة، بل بالضبط ما هو متوقع خلال الشهرين الحالي والمقبل، قبل أن يستأنف الكنيست أعماله بعد العطلة الصيفية، بما يحمله من احتمالات عالية لانهيار الائتلاف الحكومي الحالي بعد انسحابات منه، وحجب الثقة عن الحكومة وإسقاطها.

ولذلك فإن أهداف نتنياهو الفعلية تتمثل إما بمحاولة بائسة لتحقيق أي إنجاز سياسي حقيقي– وليس إجرامي فقط بحق المدنيين ومدنهم– قبل استئناف الكنيست لاجتماعاته وأعماله مما يمكّنه من الحفاظ على ائتلافه وحكومته، وهو أمر غير ممكن على المدى المنظور حقيقة.

أو تصعيد المعركة وشراستها وخطورتها مما قد يبقي هذا الائتلاف متماسكاً بفعل التهديدات العالية، وفي هذا السياق فإن الخطة الجديدة باقتحام غزة وتداعياتها السياسية والإنسانية الخطيرة، تفتح احتمالات تصعيدية أعلى تجاه مصر نفسها، وتجاه جبهة الشمال– الجنوب اللبناني– وتجاه الضفة أيضاً– فضلاً عن احتمالات استئناف الحرب على إيران كورقة جاهزة وأخيرة يمكن استخدامها لهذا الغرض.

إلا أن حكومة نتنياهو تعوّل وتستند بشكل كامل على واشنطن وحدها بهذا المسار، ودون دعم واشنطن فمن غير الممكن لنتنياهو الاستمرار بهذا الطريق، والحقيقة، أن المواقف المنددة باللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة قد وصلت بارتفاعها إلى حدّ غير مسبوق على المستويين الشعبي والسياسي نفسه، فضلاً عن عدم قدرة واشنطن على خوض حرب عسكرية قصيرة أو طويلة، تسند بها «إسرائيل»، وبذلك فإن فشل حكومة نتنياهو خلال الفترة القريبة المقبلة عن تحقيق أيّ من الأهداف الصهيونية، من المرجح أن تدفع واشنطن للتخلي عنه وتحميله وحده وزر كل الهزائم السياسية أمام الرأي العام، والمحدد الأول بهذه المسألة حقيقة، هو مدى قدرة صمود المقاومة الفلسطينية على المواجهة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1238