سد النهضة بين الأمن المائي وتهديد الاستقرار الإقليمي
يمثل اكتمال بناء سد النهضة الإثيوبي منعطفاً خطيراً في نزاع ممتد منذ عام 2011، حيث تتصادم طموحات الأطراف حول ما إذا كان المشروع نعمة تنموية، أم تهديداً وجودياً. فبينما ترى إثيوبيا في السد رمزاً للسيادة والانطلاق نحو الاكتفاء الاقتصادي، تعتبره مصر والسودان خطراً يمس أمنهما المائي، لا سيما في ظل غياب ضمانات قانونية تحكم ملء السد وتشغيله.
الخلاف هذا الذي فشلت المفاوضات في حسمه على مدى 13 عاماً، يتعدى الجانب المائي، حيث تسعى قوى خارجية، وعلى رأسها الكيان الصهيوني، باستغلاله كفالق جديد لتأجيج الصراعات في المنطقة، والضغط على الدول من خلال تهديد أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية.
صراع الحقوق: التنمية مقابل الأمن المائي
تستند إثيوبيا في موقفها إلى حقها في استغلال مواردها الطبيعية، معتبرةً أن السد سيوفر الكهرباء لملايين المواطنين، ويُنهي عصر الفقر المدقع. غير أن هذا الطرح يصطدم بمخاوف مصر والسودان اللتان تعتمدان بشكل شبه كامل على مياه النيل، حيث تُصر القاهرة على أن أي تقليل في حصتها المائية سيهدد الزراعة والصناعة، بل وحتى مياه الشرب. ويجد هذا الموقف سنداً في القانون الدولي، خاصة مبدأ «عدم التسبب في ضرر جسيم» للدول المتشاطئة.
من جهة أخرى، يتهم الجانبان المصري-السوداني إثيوبيا بـ «المراوغة» وفرض الأمر الواقع، مشيران إلى أن أديس أبابا تتذرع بالحوار بينما تواصل الملء الأحادي للسد. خاصة بعد دعوة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لدول حوض النيل- ضمنا مصر والسودان- لحفل افتتاح سد النهضة، الأمر الذي اعتبرته الدولتان استفزازاً في ظل غياب اتفاق يضبط الحصص المائية، وفي المقابل، ترفض إثيوبيا هذه الاتهامات، معتبرة أن مطالبة دول المصب بـ «حقوق تاريخية» يعكس عقلية استعمارية، في إشارة إلى اتفاقيات 1929 و1959 التي تُهمش دول المنبع.
سدٌ يهدد بكارثة إقليمية
تتجاوز المخاوف الجدل القانوني إلى شكوك حول سلامة السد ذاته، حيث يحذر خبراء من عيوب فنية في التوربينات وشبكة نقل الكهرباء، بالإضافة إلى المخاطر الزلزالية المحتملة في منطقة معروفة بنشاطها الجيولوجي. وإذا أضفنا إلى ذلك التكتم الإثيوبي على البيانات الفنية، وعدم قبولها بفحص فني مستقل، تصبح الكارثة البيئية احتمالاً وارداً، خاصة مع تزايد حدّة الفيضانات في السودان، والتي قد تتحول من نعمة للمزارعين إلى نقمة على البنية التحتية.
لعبة خارجية لإفشال التوافق
الأزمة لا تنفصل عن الصراعات الخفية في المنطقة، فثمة تقارير تشير إلى دعم إسرائيلي تقني وسياسي لإثيوبيا، في إطار استراتيجية تهدف إلى إبقاء المنطقة ساحة للتوتر. هذا التدخل، وإن كان مُنكراً رسمياً، يفسر جزءاً من تعنت أديس أبابا، كما يطرح تساؤلات حول تحويل النيل إلى ورقة ضغط في صراع أوسع. فإسرائيل، التي تسعى لتعميق علاقاتها مع دول المنبع، قد تجد في الأزمة فرصة لتقويض الدور المصري الإقليمي، وهو ما يُذكر بسياسة «الفوضى الخلاقة» التي تنتهجها قوى كبرى لضمان هيمنتها.
بين القانون الدولي وإرادة التعاون
إن نزع فتيل الأزمة يتطلب أكثر من مفاوضات تقليدية. فإلى جانب ضرورة اتفاق ملزم يضمن حقوق جميع الأطراف، يجب كشف النقاب عن أي أجندات خارجية تحاول تأجيج الصراع بغية قطع الطريق عليها، ويظهر أن ملفاً معقداً كهذا يحتاج وساطات جدية، بعيداً عن الوساطة الغربية السابقة، أو تلك التي دارت في فلكها، أملاً في الوصول إلى توافقٍ حقيقي يضمن الشفافية الفنية، وتقلل من المخاوف حول قدرة السد على التعامل مع المخاطر البيئية.
ختاماً، فإن سد النهضة ليس مجرد خلاف فني أو قانوني، بل هو اختبار لإرادة الإقليم في مواجهة محاولات التفكيك. فإما أن تنتصر دول النيل بلغة الحوار، أو ستكون الضحية الأولى لأجندات قوى لا تريد لها إلا الصراع الدائم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1233