الملف النووي الإيراني والهوس الصهيوني

الملف النووي الإيراني والهوس الصهيوني

حدثت خلال الأسبوع الماضي ثلاثة انفجارات كبيرة متفرقة في إيران، وهجوم الكتروني واسع، وذلك بالتوازي مع إجراء جولات المفاوضات النووية الإيرانية الأمريكية، في مسقط بوساطة عمان.

يتضح يوماً تلو الآخر، وجود تباينٍ بالرؤى بين الولايات المتحدة الأمريكية و«إسرائيل»، ومن الممكن القول: إنه بات لكل منهما استراتيجية مختلفة قد تزيد التباعد بينهما بمرور الوقت.

بالنسبة لـ «إسرائيل» و«حربها الوجودية»، يُعد أي تقدم لصالح إيران بمثابة خطوة قاتلة للكيان، فكيف الحال بالملف النووي الإيراني نفسه؟ فبعد كل التهديد والوعيد الإعلامي الأمريكي لإيران خلال الأشهر السابقة، ها هي تجلس مع طهران حول طاولة واحدة، لبحث الملف، وكيفية الوصل لحلول وسط.

من له المصلحة بالإسراع أكثر؟

لم ولن تكون هذه المفاوضات سلسة أو سهلة بطبيعة الحال، وتحاول الولايات المتحدة رفع سقف مطالبها قدر الإمكان، وبالمقابل، تظهر طهران ثباتاُ على مواقفها، وتأنّيها وصبرها بالوقت نفسه، فلا شيء تخسره، وما من ضغوط أعلى من المفروضة عليها أساساً، بالمقابل، تظهر الولايات المتحدة بوصفها الطرف الذي يسعى للتوصل لاتفاق بأسرع ما يمكن، وذلك للحفاظ على علاقات جيدة إلى حد ما مع المنطقة ككل، وتكمن أزمتها هنا بالضبط، بين الحاجة للإسراع بهذا الأمر، وتحقيقه بأقل الخسائر الممكنة لها ولحليفها «الإسرائيلي» أيضاً.

أما طهران، التي يمضي إنتاجها النووي على قدمٍ وساقٍ أساساً، وتحسن وتطور من علاقاتها مع جيرانها الإقليميين بشكل مطّرد، وعلى رأسهم السعودية وتركيا ومصر، خلافاً لكل الطموحات الأمريكية السابقة، بإدامة الفوالق وتعميقها بينهم، لا تبدي إشارة بحاجتها لإبرام اتفاق بسرعة، وذلك رغم حاجتها له، ولرفع العقوبات بطبيعة الحال، لكن ضمن شروطها ومصالحها، وهي مدركة لموقف واشنطن.

الهوس الصهيوني

أمام هذه الصورة العامة، يرى الكيان الصهيوني نفسه وحيداً، وبعيداً، ضمن محيط يتقارب بمصالحه مع بعضه خلافاً له، ومن جهة أخرى يتقارب مع الولايات المتحدة وإن بشكل بطيء، ومن جهةٍ ثالثة أن مسار المفاوضات الإيرانية الأمريكية باستمراره ووفق الإشارات الحالية لن يفضي إلا إلى الاعتراف بحق إيران بإنتاج الطاقة النووية ورفع العقوبات عنها، وبالنتيجة زيادة وزنها وقوتها الإقليمية المواجهة له.

ومن ذلك يسعى الكيان ما بوسعه لضرب مسار المفاوضات، سواء إعلامياً وسياسياً بتأثيره على دوائر الحكم الأمريكية، أو عسكرياً بعملياته التخريبية داخل ايران، التي لا يمكن الجزم بها طالما لم تصدر أية أدلة أو اتهامات رسمية بها، إلا أن توقيت الانفجارات الثلاثة الكبيرة الأخيرة خلال الأسبوع الماضي: انفجار مرفأ بندر عباس في مدينة رجائي، وانفجار شركة إنتاج بارود بمدينة أصفهان، وانفجار محطة للكهرباء بمدينة مرج غربي طهران، فضلاً عن الإعلان عن هجوم الكتروني كبير على البنية التحتية، كل ذلك ليس مصادفة، وخاصة بتوقيته المرافق لاجتماعات المفاوضات في مسقط، أما عدم توجيه ايران أصابع الاتهام للكيان، وإرجاعها كلها لـ «الإهمال» فذلك ربما يرجع لحسابات إيرانية داخلية، ولعل أهمها هو: عدم الوقوع بفخ الانجرار للتصعيد الصهيوني.

وكانت نتيجة هذه الأحداث تأجيل الجولة الرابعة التي كان من المقرر أن تجري يوم السبت في روما بإيطاليا، لأسباب «لوجستية وفنية»، إلا أن الموقف الأمريكي القائل بأن الموعد «لم يكن مؤكداً أصلاً» يشير إلى أن من أجّله هو الطرف الإيراني نفسه، وهو ما يضغط على واشنطن، ويعطي رسالة واضحة أن استكمال هذا الطريق يتطلب لجم الكيان بشكل أفضل.

ما مدى جدية التهديد بعقوبات جديدة وعمل عسكري؟

فيما يبدو أنه ردٌ على السلوك الإيراني، وتأجيله، ومحاولة لرفع وزن واشنطن في المفاوضات، فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على عدة شركات إيرانية، وهدد الرئيس الأمريكي يوم الخميس 1 أيار بفرض إجراءات عقابية على كل من يشتري النفط أو المواد البتروكيماوية من إيران، وجدد تحذيره باللجوء إلى العمل العسكري بحال لم تنجح المحادثات الجديدة، وهو ما يعطي إشارة أخرى واضحة بمن يسعى مسرعاً لإنجازها.

التحذير باللجوء إلى العمل العسكري، و«التهديد» بعقوبات على من يشتري موادَّ إيرانية، لا تتعدى كونها فقاعات إعلامية قديمة جديدة مكررة، وهي رسائل «قوة» للداخل الأمريكي و«الإسرائيلي» على حد سواء بالدرجة الأولى، ورسماً لصورة تظهر المحادثات، وأي اتفاقات محتملة مستقبلاً وكأنها جرت من موقع قوة أمريكي، إلا أن كلاً من إيران و«إسرائيل» يدركان أن الواقع غير ذلك، لنرى الأولى تمضي بتأنٍّ وتحقق تقدماً بالنقاط، بينما الثانية يجن جنونها وتستعر مؤكدة: «حرب وجودية على 7 جبهات!».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1225