هل ستكون أسلحة أوروبا التفاوضية فعالة؟
بعد إعلان ترامب عن فرض رسوم جمركية تصل إلى 20% على جميع الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة، بدأ الحديث داخل دوائر القرار في الاتحاد الأوروبي حول ضرورة صياغة رد على الخطوة الأمريكية، وبدأ الاتحاد يأخذ خطوات ملموسة، ويهدد باستخدام إجراءات «فعالة».
أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في بيان يوم الخميس 10 نيسان الجاري، ترحيبها بتعليق دونالد ترامب الرسوم الجمركية التي فرضها على الاتحاد الأوروبي بدوله السبع والعشرين. وعلقت بدورها الرسوم الجمركية الانتقامية على الصادرات الأمريكية للاتحاد الأوروبي التي تبلغ قيمتها 20.9 مليار يورو قبل أن تدخل حيز التنفيذ. وشددت في بيانها على رغبتهم بالتفاوض «البنَّاء» وبسوق أوروبية-أمريكية واحدة بصفر- صفر تعرفة جمركية. ولوحت في بيانها بأن الاتحاد الأوروبي «يتابع تركيزه على تنويع شراكاته التجارية، من خلال التعاون مع دول أخرى تمثل 87٪ من حجم التجارة العالمية، وتشترك معهم في الالتزام بالتبادل الحر والمفتوح للسلع والخدمات والأفكار». وامتلأت الصحف بالحديث عن أسلحة اقتصادية ردعية أخرى. لكن هل ستكون أسلحة أوروبا التفاوضية فعالة؟!
يقول الاتحاد الأوروبي: إنه قادر على التصعيد إذا لزم الأمر، وأنه صمّم «بازوكا تجارية مخيفة» (البازوكا مجاز يستخدم للتعبير عن سلاح مضاد للدروع) تُعرف باسم: «أداة مكافحة الإكراه للرد على التنمّر الاقتصادي الذي يمارسه ترامب».
تناقض مصالح دول الاتحاد
تعاني دول الاتحاد الأوروبي من ثقل التناقضات الداخلية بينها، وخاصة بين دولها الكبرى كفرنسا وألمانيا وإيطاليا. وذلك قد يشكل عائقاً حقيقياً للتحرك المشترك. فبموجب القواعد المعقدة للاتحاد الأوروبي، فإن تصعيد الخلافات التجارية يتطلب عادة دعم «أغلبية مؤهلة» من العواصم الأوروبية أي ما لا يقل عن 15 من الدول الأعضاء الـ 27 في الاتحاد. وحتى في الحالات التي يمكن للمفوضية قانونياً أن تتجاوز فيها الحكومات الوطنية، فإنها تميل إلى بناء تحالفات، تضمن التغطية السياسية للسلطة التي تمارسها، عبر توافق حكومات دول وازنة في الاتحاد الأوروبي. كما أن تفعيل «البازوكا التجارية» التي تكلم عنها الاتحاد تحتاج إلى ما لا يقل عن ستة أشهر قانونياً. لتدوير الزوايا الحادة، يسعى خلالها الاتحاد الأوروبي لتصميم الإجراءات الانتقامية بكل حذر وبطء، وتأخذ بالاعتبار كل سلعة على حدة. فعلى سبيل المثال: تم استثناء مشروب الباربون المستورد لحماية النبيذ والويسكي الذي تعتبر فرنسا وإيطاليا المصدرين الأساسيين له. لكن من الواضح أن مصالح الدول السبع والعشرون ستؤخذ بعين الاعتبار، لكل بحسب وزنه، مما يفتح الباب للأمريكي لأخذ دول الاتحاد الأوروبي فرادى مستغلاً التناقضات الكبرى التي تفاقمت بين هذه الدول في السنوات الماضية. حتى الآن تبدو ألمانيا وفرنسا وإسبانيا دول راغبة في التلويح بكل وسائل الردع، في حين رفضت المجر الموافقة على الإجراءات الانتقامية التي أُعلنت مؤخراً، ولا تبدي إيطاليا حماساً لرفع الصوت عالياً على «حليفها» وتسعى رئيسة الوزراء ميلوني لزيارة ترامب قريباً.
إن الاتحاد الأوروبي يشدد على تمسكه بقواعد منظمة التجارة العالمية، على الرغم من ضرب الولايات المتحدة بكل قواعدها عرض الحائط. فلو سار الاتحاد الأوروبي بنفس الاتجاه لخسر إحدى الركائز التي تنظم علاقة دول الاتحاد الأوروبي بعضها ببعض، وبحسب صحيفة بوليتيكو، فإن منظمة التجارة العالمية تشكل الحمض النووي لتماسك جسد الاتحاد الأوروبي.
دور الدولة ورأس المال
يتضمن سلاح «البازوكا» الذي لوح به الاتحاد إجراءات تم استخدامها سابقاً عندما خرجت الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018. حيث تم العمل على تسوية المدفوعات داخلياً بين الاتحاد وإيران دون اللجوء إلى الدولار. مع أن هذا السلاح قد يكون فعّالاً للغاية، فيما لو استخدم وتم التعاون مع دول البريكس، والعمل مع أنظمة المدفوعات الناشئة في معركتها على هيمنة الدولار إلّا أن فعالية هذا السلاح يتم تأريضها في دول يكون فيها دور الدولة ضعيفاً بالنسبة لسلطة رأس المال. كان ذلك جلياً عندما جرب الاتحاد الأوروبي هذا الإجراء عام 2018 ورفضت العديد من البنوك الكبرى والشركات الانضمام لنظام INSTEX «آلية دعم التبادل التجاري» خوفاً من العقوبات الأمريكية آنذاك. يقلل ديفيد كلاين، الباحث في مركز أبحاث ODI، من أهمية أسلحة الاتحاد الأوروبي في المفاوضات الحالية ويقول: إن رد فعل أسواق الأسهم كان السبب في الهدنة التي أعلنها ترامب، وليست الإجراءات الانتقامية والتهديدات التي أطلقها الاتحاد الأوروبي. يتحرك الاتحاد الأوروبي بحذر، ويعلن أنه لا يريد استخدام أقوى أسلحته في وقت مبكر من عملية التفاوض. فاحتمال فشل هذه الأدوات مبكراً قد يعرض الاتحاد لا فقط لخسارة المعركة مع الولايات المتحدة، بل لهزات كبرى تصيب جسده الذي يعتريه ما يكفي من الأمراض.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1222