لأول مرة في تاريخ أفريقيا... «العشرين» تعقد اجتماعها في جوهانسبرغ
كنان دويعر كنان دويعر

لأول مرة في تاريخ أفريقيا... «العشرين» تعقد اجتماعها في جوهانسبرغ

تُعدّ مجموعة العشرين منتدىً دولياً يضم الدول الأكثر تأثيراً في الاقتصاد العالمي، حيث تمثل 75% من التجارة العالمية، و85% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بالإضافة إلى ثلثي سكان العالم. وتعقد المجموعة اجتماعها الأول في القارة الأفريقية على مستوى اجتماع وزراء خارجية، وجاء ذلك بعد انضمام الاتحاد الأفريقي كعضو كامل العضوية في منذ عام 2024.

غياب واشنطن وجدول الأعمال

شهد الاجتماع غياب الولايات المتحدة الأمريكية، التي قررت عدم المشاركة بسبب «جدول الأعمال» المتفق عليه تحت عنوان «التنوع والمساواة والدمج». كما أن الخلافات مع الدولة المضيفة لعبت دوراً كبيراً في هذا القرار. فمنذ تولي إدارة ترامب الجديدة، قطعت واشنطن المساعدات عن جنوب أفريقيا بحجة ما وصفته بـ«المواقف العدوانية» تجاه الولايات المتحدة وحلفائها. وكان أحد أبرز أسباب التوتر بين الطرفين هو موقف جنوب أفريقيا الداعم لمحاكمة الكيان الصهيوني أمام المحكمة الجنائية الدولية.

المستجدات والمطروح على طاولة النقاش

كان انضمام الاتحاد الأفريقي كعضو كامل العضوية من المستجدات الأبرز خلال اجتماع مجموعة العشرين. هذه الخطوة تعكس اعترافاً متزايداً بأهمية القارة الأفريقية في النظام الاقتصادي العالمي. كما أعربت جامعة الدول العربية ومجموعة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي عن اهتمامها بالحصول على وضع مشابه.
وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الروسي: «نحن نرحب بهذا المزاج ونعتقد أنه في مرحلة ما قد يتطلع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي إلى وضع مماثل، لأن هذه الاتحادات كلها تُظهر ديناميكيات إيجابية من حيث مساهمتها في تطوير العلاقات الاقتصادية الدولية».
وناقش وزراء خارجية مجموعة العشرين العديد من القضايا العالمية الملحة، بما في ذلك القضية الفلسطينية، والحرب في أوكرانيا، والأزمات الأفريقية في السودان وليبيا والكونغو الديمقراطية. كما تناول الاجتماع التحديات الاقتصادية والتجارية التي تواجه الدول الأعضاء، مثل: التضخم، وانقطاع سلاسل الإمداد، وأزمة المناخ.

غياب الصورة الجماعية

للعام الثاني على التوالي، لم يتم التقاط صورة جماعية لوزراء خارجية مجموعة العشرين. وقد بررت وزارة الخارجية الجنوب أفريقية هذا الأمر بـ«ضيق الوقت»، لكن تقارير إعلامية أشارت إلى أن رفض عدد من الوفود الغربية، وخاصة الفرنسية والألمانية والبريطانية، المشاركة في الصورة مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كان السبب الحقيقي. هذا الحادث يعكس التوترات السياسية المستمرة بين الدول الأعضاء، خاصة في ظل الحرب الروسية الأوكرانية.

جنوب أفريقيا ومصالح دول الجنوب

اجتماع مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز التعاون الدولي وإعطاء صوت أكبر للدول النامية. ومع ذلك، فإن غياب واشنطن وعدم وجود صورة جماعية يعكسان التحديات الجيوسياسية التي تواجه النظام العالمي اليوم. وفي المقابل، يظهر الخطاب الذي قدمته جنوب أفريقيا كتعبير عن مصالح دول الجنوب العالمي، حيث أكدت على ضرورة دعم الدول الفقيرة، وتحقيق تمثيل عادل في السياسة الدولية.
كما عبر وزير الخارجية الروسي عن رؤية مشابهة، مشيراً إلى ضرورة تخلي الغرب عن التعاطي مع دول الجنوب العالمي من موقع «التفوق الأبيض»، مواقف كهذه كانت كفيلةً بإضفاء مناخ عام في مؤتمر العشرين يؤكد وجود رغبة حقيقية ومتزايدة في بناء نظام عاملي جديد متعدد الأقطاب، يقوم أساساً على مشاركة واسعة لشعوب كان قد جرى تهميشها سابقاً، ولم تكن على مسافة واحدة من المؤسسات الدولية صاحبة القرار.
هناك لحظات تاريخية فارقة لا توثقها عدسات الكاميرات، فبالرغم من غياب الصورة الجماعية لهذا اللقاء، إلا إن ما يجري يستحق حقاَ التوثيق! فما جرى في جوهانسبرغ لا يمكن قراءته فقط من مخرجاته، أو من جدول أعمال الاجتماع، بل إن غياب الولايات المتحدة والمواقف المتشنجة للممثلين الغربيين في مقابل مساحة كبيرة للجنوب العالمي، تعكس كلّها صورة واقعية للعالم، وقد يكون هذا اللقاء الذي استضافته أفريقيا للمرة الأولى في التاريخ نقطة علّام جديدة في إعادة تحديد «العشرين» المؤثرين حقاً في الاقتصاد العالمي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1215
آخر تعديل على الأحد, 23 شباط/فبراير 2025 18:21