استهداف القادة… هل يُغيّر المنحنى العام حقاً؟
تضفي الأحداث المتسارعة وما يرافقها من ضخٍ إعلامي على مدار اللحظة، كتلةً كثيفةً من الضباب على المشهد، إلا أنَّ ذلك لا يعني بالضرورة تحوّلاتٍ نوعية كبرى، وهو ما بات يلمسه أي مراقب للتطورات في المنطقة، فاستشهاد يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الذي قضى في اشتباك شرس وبطولي مع جيش الاحتلال، أظهر عناصر جديدة في المشهد العام.
في ضوء المعطيات التي جرى تداولها منذ الإعلان الرسمي عن استشهاد السنوار، يمكن القول: إننا أمام حالةٍ مختلفة عن سلسلة الاغتيالات السابقة، فبحسب الرواية «الإسرائيلية» لم يكن القيادي الأبرز في حماس مستهدفاً بشكلٍ مباشر، بل كان «حدثاً غير متوقّع، أي إن جيش الاحتلال لم يكن يعلم فعلياً موقع السنوار لحظة استشهاده، لكنه كان مع ذلك موضوعاً فعلاً على قائمة الاستهدافات الصهيونية والأمريكية، وهو ما كان سبباً كافياً لتبدأ مَكنَة الدعاية باستثمار الحدث، وتكرار أفكارٍ، مثل: «القضاء على حماس بات أقرب من أي وقتٍ مضى»، لكن ما يستدعي الانتباه في ذلك كله، هو أن سلسلة الاغتيالات السابقة التي طالت القيادات الأبرز في حركة حماس وحزب الله مع قياديين وعناصر مؤثرة في فصائل المقاومة الأخرى، مثل: الجهاد الإسلامي أو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أصبحت جزءاً من المشهد، ولم تعد قادرةً على تحقيق الأثر المطلوب منها في الحرب النفسية والإعلامية تحديداً، فالأجيال الجديدة لم تشهد اغتيالات قادة حركات المقاومة سابقاً، ولم تشهد كيف استطاعت تلك الفصائل أن تتغلب على هذه الخسائر، بل وكيف باتت البنى التنظيمية للمقاومة مصممة على أساس وجود بدائل لأي قيادي، نظراً للتفوق الاستخباراتي الكبير للعدو المدعوم بأحدث الوسائل التكنولوجية، والذي يستطيع تسخير موارد كبيرة في هذا الميدان، ولكن القرار الأمريكي- الصهيوني في تنفيذ سلسلة الاغتيالات سمح لهذه الأجيال أن تشهد مجدداً على قدرات المقاومة الجبارة في الصمود.
بالدليل الملموس
يرى البعض بلا شك في ما سبق كلاماً إنشائياً، أو يراه آخرون محاولةً لشحذ الهمم بعد ضرباتٍ موجعةٍ خسرنا على إثرها شخصيات تملك بالتأكيد خصائص استثنائية، لكن إذا ما استعرضنا تجربة حزب الله، وكيف تعامل مع خسارة أبرز قياداته خلال مدّة زمنية قصيرة، كان على رأسهم أمينه العام حسن نصر الله، نستطيع القول: إن مقاتلي الحزب حتى في الساعات الأولى التي تلت الاغتيالات مباشرةً كانوا قادرين على مواصلة القتال بشكلٍ مضبوطٍ جداً، ولم تُسجّل حالةٌ واحدةٌ خارجة عن خِطَّة العمل العسكرية الموضوعة، وبالرغم من أن الجهاز الإعلامي عانى من بعض الارتباك، فإنه عاد إلى العمل بشكلٍ تدريجي سريع، والأهم من ذلك كلّه، هو أن ضوابط العمل التي وضعها حزب الله عندما فُتحت جبهة الإسناد، ظلّت سارية وتتطور كما هو مطلوب، فالتصعيد ظلَّ مستمراً بخطواته التدريجية، بل ودخل مرحلةً جديدة كانت أبرز ملامحها دخول المسيرات على خط العمليات النوعية، استطاع الحزب بواسطتها ضرب قاعة الطعام في معسكر تابع للواء غولاني لقوات النخبة، ثم بعدها بأيام استهداف مكان إقامة رئيس الوزراء الصهيوني صباح يوم السبت 19 تشرين الأول الجاري.
وفي إعلان تفصيلي لحزب الله، أورد فيه بعضاً من الخسائر «الإسرائيلية» وتحديداً تلك التي تكبدها جيش الاحتلال منذ بدء عملية برية داخل أراضي الجنوب اللبناني «أي بعد اغتيال حسن نصر الله» وبحسب ما جاء فيه، خسرت «إسرائيل» 20 دبابة ميركافا و55 قتيلاً من ضباط وجنود الاحتلال، يضاف لهم حوالي 500 جريح، وأشار حزب الله إلى أنّه نجح في إسقاط مسيرتين من نوع «هرمز 450» و4 جرافات عسكرية وآلية مدرعة وناقلة جند، ولا تشمل هذه الإحصاءات أياً من نتائج ضرباته داخل الأراضي المحتلة.
مشكلة «إسرائيل»
إن كان تقييم الآثار البعيدة للاغتيالات لا يزال صعباً، إلا أن ما جرى عرضه بشكلٍ مكثف يبرهن أن ما تضخه الدعاية السياسية للعدو، كان محاولةً يائسةً لإحراز «انتصارات» لا يهم أن تكون كافية لتغيير الاتجاه العام لتطور الأحداث، بل المهم أن تكون كافية لخلق حالة إعلامية وسياسية مزيّفة ومؤقتة. لكن المقالات المنشورة خلال الأيام الماضية في بعض وسائل الإعلام الصهيونية تعكس مستوى أعلى من الحذر هذه المرة، ولا تتوقع إنجازات كبيرة في الفترة القادمة، وتؤكد أن إزاحة السنوار لا تكفي، إذ إن «الطريق طويلة نحو تحقيق أهداف الحرب» وإن المطلوب هو «إنهاء فكرة السنوار بشأن وحدة الساحات»، إذ تكمن مشكلة «إسرائيل» بأنها ليست معدّة ولا تملك المقومات البشرية والاقتصادية والعسكرية للدخول في حرب استنزاف طويلة، والدعم الأمريكي كبير بلا شك ولكنّه لا يملك حلّاً سحرياً لكل المشاكل البنيوية التي يعاني منها الكيان، فهم وإن أوقفوا الحرب غداً، سيحتاجون سنوات لترميم ما خسروه، ولن يكون من السهل تلميع صورة «إسرائيل» أمام العالم مجدداً، فهي بنظر الغالبية الكاسحة من سكان الأرض كيانٌ استعماري عنصري خارج عن الشرعية الدولية، وسبب أساسي في واحدة من أقسى حروب التاريخ الحديث.
ما يغيب عن ذهن الكثيرين، أن الطرف المعني بمواجهة المشروع الصهيوني يتلقى ضربات لا يمكن إنكارها، ولكن المهم تحقيق ثبات استراتيجي لا يتغير مهما كانت قوة الضربة، هذا وحده سيكون كافياً لحرمان «إسرائيل» من تحقيق النصر، فإن «وحدة الساحات» جاءت تعبيراً موضوعياً عن الواقع الفلسطيني، ومخرجاً إجبارياً من ركود قاتل، ولم تكن مجرّد «قناعة شخصية»، واليوم تتحول جبهات الإسناد إلى متغيرات إضافية في المشهد، لا تُعبّر عن حالة مؤقتة، أو عابرة، وإنما أيضاً عن مرحلة جديدة تعاد فيها الاصطفافات على أساس المصلحة المشتركة والعميقة لكامل الإقليم في إنهاء المشروع الصهيوني.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1197