تحذير من «إسرائيل»: «النجاحات التكتيكية لا تضمن نصراً استراتيجياً»
نُشرت في الأيام القليلة الماضية مجموعة من المقالات في الصحف ووسائل الإعلام «الإسرائيلية» تضع جملةً من المخاوف القائمة في ظل المشهد المعقد، والأزمة المتفاقمة التي يعيشها الكيان، فالإعلان عن استشهاد السنوار لم يترك «ارتياحاً» لدى المحللين والكتاب، فهم وإنْ كانوا يقولون: إنه «إنجاز جديد» إلا أنّه غيرُ كافٍ للخروج من البئر.
يمكننا رصد بعض الأفكار في النشرات اليومية التي يترجمها مركز الدراسات الفلسطيني عن مقالات منشورة في صحافة العدو، وفيما يلي أبرز ما قيل مؤخراً.
«المطلوب إنهاء الحرب بسرعة»
في موقع قناة N12 كتب عاموس يادلين: إنّ «السنوار أراد إلحاق ضرر غير مسبوق بـ [إسرائيل]» وهو ما يوضّح الأهمية الاستراتيجية لعملية طوفان الأقصى، واعتبر الكاتب أنّ المطلوب اليوم هو أنْ تتجه [إسرائيل] إلى إعلان استعدادها لإنهاء الحرب، بشرط إطلاق كل الرهائن دفعةً واحدة، مقابل وقف إطلاق النار مدة أسبوع! على أنْ يُقدّم الكيان «جائزة مالية وتأمين خروج آمن من القطاع لكل مَن يعيد مخطوفاً، أو مخطوفة» ويشير الكاتب إلى أنّه من المهم «ألّا نشعر بالنشوة بعد تصفية السنوار» لأن هناك دائماً خلفاً لكل قيادي، مذكّراً أنّ «إسرائيل» لا تزال «في خِضم أطول حرب عرفتها في تاريخ [الدولة] منذ قيامها» وتدور المعارك اليوم على 7 جبهات مختلفة. يغرق يادلين في أحلامه فيقول: إنّ إنهاء الحرب يجب أنْ يكون وفقاً لشروط «إسرائيلية» تضمن «عدم وجود تنظيمات [إرهابية] بالقرب من حدودها، وأنْ تطالب الدولة في لبنان لتؤدي دورها بصفتها دولة، وأن تُشكّل لجنة عربية في غزة، بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، وترهن عملية إعادة الإعمار بنزع سلاح المقاومة حصراً».
ما يمكن قراءته بين السطور، يظهر أن كل ما جرى تحقيقه من قبل «إسرائيل» حتى الآن لن يكون كافياً، فالشروط التي يرى فيها الكاتب الصهيوني المخرج الوحيد هي شروطٌ مستحيلة، ولا يمكن للكيان في وضعه الحالي التحدث عن سقوف بهذا الحجم، كما لو أنّه صاحب اليد الطولى في رسم شكل المنطقة التي يريد، ويتعامل مع الأطراف الأخرى بوصفهم بيادق يؤدون أدوارهم المرسومة مسبقاً.
«لم نضمن بعد نجاحاً استراتيجياً»
في موقع قناة N12 ذاته، نشر تامير هايمن مقالاً آخر، نبّه فيه إلى أنّ «النجاحات التكتيكية المذهلة يمكن أن تقود إلى فشل استراتيجي كبير جداً، يحطم التفوق النسبي لدولة إسرائيل» ويشير إلى ضرورة العمل دائماً وفقاً لقيود زمنية تفرضها خصائص «إسرائيل» ويقول: إنه من الضروري الاعتراف بحقيقتين، الأولى: هي أن «حرب الاستنزاف التي لا تنتهي هي السيناريو الأسوأ. حتى لو انتهت حرب كهذه بانتصار عسكري، فإن الثمن الاقتصادي والاجتماعي والدولي سيكون مكلفاً أكثر من المقابل العسكري التكتيكي». الثانية: هي أنّ «إسرائيل» مضطرة لـ «ترجمة الإنجازات العسكرية إلى إنجازات دبلوماسية» وذلك بسبب أنّ «الإنجاز العسكري التكتيكي يتبدد سريعاً، أكثر كثيراً من إنجاز عسكري تكتيكي مدعّم بإنجاز دبلوماسي» ويقلق هايمن من أنّ تأخر تحقيق هذه الأهداف من شأنه أن يسمح للخصم بالتأقلم، ويحقق نجاحات، ويعقد إمكانية إنجازات «النجاحات الدبلوماسية» التي تعني في الواقع تحقيق الأهداف السياسية المطلوبة «إسرائيلياً».
ويقول الكاتب أيضاً: «يوجد لكل استراتيجيا عسكرية نقطة ذروة، بعدها لا تعود نافعة، بل بالعكس، تتحول إلى هدامة. والتاريخ العسكري مليء بالأمثلة لدول عملت إلى ما بعد هذه النقطة، ووجدت نفسها مهزومة» ويُضيف «الأمر شبيه بالسير في طريق سريعة عندما يكون من الواضح للجميع أنه يجب الخروج منها في منعطف محدد … وإذا أردنا استغلال هذا التشبيه أكثر، فممنوع علينا الاستمرار في الطريق السريعة، لأن هذا يقودنا إلى حرب استنزاف من دون نهاية، وهو السيناريو الأسوأ» ويختم بالقول: إن «الحرب ليست هدفاً بحد ذاتها، بل هي أداة للوصول إلى واقع أمني أفضل».
يتفق عاموس هرئيل مع الطرح السابق، ويشير في مقالٍ له في هآرتس بعنوان «لا وقت لدينا: بعد موت السنوار، يتعين على [إسرائيل] الإسراع في الدفع بصفقة مخطوفين» إلا أنّ «التحرك الصحيح لإسرائيل هو العودة، الآن، وبكل قوة، إلى المفاوضات بشأن صفقة المخطوفين. إنّ حظوظ نجاحها ليست واضحة، لكن من الأفضل محاولة استغلال المخاوف في «حماس» والإحساس بالإنجاز في [إسرائيل]، من أجل فرض اتفاق سريع».
ضرر إضافي للأمن القومي!
حول مسألة أخرى، كتب زعيم المعارضة الصهيونية- يائير لابيد في هآرتس- انتقادات لاذعة لحكومة نتنياهو، وتحديداً بعد تعاظم الأزمات الدبلوماسية في علاقات «إسرائيل» الخارجية، وقال: إنّ «العلاقات الخارجية تشكل ركيزة أساسية من ركائز الأمن القومي [الإسرائيلي] وإنّ دور الحكومة هو تحسين العلاقات الدولية لا جعلها تتدهور» وبرغم انتقاداته لتصريحات الرئيس الفرنسي الأخيرة، انتقد أيضاً سلوك الحكومة، واعتبر أنه كان من الضروري ألا تصل الأمور إلى هذا الوضع، الذي يدخل فيه الرئيس الفرنسي في مواجهة علنية مع [إسرائيل]، ونبّه لابيد إلى أهمية فرنسا بالنسبة للكيان الصهيوني، وذكّر بأنّها «عضو دائم في مجلس الأمن– الهيئة الوحيدة التي لها تأثير حقيقي في مؤسسة الأمم المتحدة الفاشلة– وفرنسا مهمة لعلاقاتنا بدول، مثل: المغرب، وهي لاعب رئيسي في أيّ تسوية مستقبلية في لبنان» وعلى هذا الأساس تفرض مصلحة الكيان بنظره الحدّ من الخلاف معها لا توسيعه!
تتفق مجموعة كبيرة من الآراء على أنّ المطلوب الآن هو «وقف الحرب» لكن المثير للاهتمام حقاً، أنّ ذلك ينبغي أنْ يكون وفقاً للشروط «الإسرائيلية»، وهي تحديداً تلك الشروط التي يعجز جيش الاحتلال- وبالرغم من المساعدة الأمريكية الهائلة- على فرضها، وإذا أعدنا تنظيم هذه الأفكار بشكلٍ مكثف، يتضح أنّ هناك شريحة واسعة داخل «إسرائيل» لا تنخدع بالطبع بالدعاية الإعلامية، ولا ترى أنّ الكيان في موقع متقدم استراتيجياً، بل تراه في خطر كبير يمكن أنْ يتعرض بسببه لهزيمة استراتيجية تكون بدايةً نهايته، وتشير الاقتباسات السابقة إلى أنّ الطريق الوحيد للخروج من هذا المأزق الوجودي بنظرهم يحتاج بالضرورة إلى نجاحات سحرية تحققها «إسرائيل» خلال مدّة زمنية محدودة جداً «يقول البعض: إنها يجب ألا تتعدى أياماً معدودة» لا على جبهة واحدة، بل على الجبهات السبع التي يتحدثون عنها، وهي فكرة أقرب إلى دعابة سمجة، خصوصاً إذا ما علمنا أن حزب الله أصدر حتى ظهر يوم الأحد 20 تشرين الأول 13 بياناً عن ضربات صاروخية على صفد ومحيطها، وقرى الجليل والكيروت، هذا بالإضافة إلى إعلان حماس أن «الأسرى لن يعودوا إلا بوقف العدوان على غزة والانسحاب منها، وخروج أسرانا الأبطال من سجون الاحتلال» مع استمرارها بتنفيذ عملياتها ضد قوات الاحتلال في القطاع.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1197