بعيداً عن التهليل... ماذا تقول صحافة الكيان؟ وما الذي يُقلق الصهاينة؟
ما أن بدأت عملية «سهام الشمال» التي أطلقها جيش الاحتلال، حتى خرجت أصوات كثيرة من داخل الكيان ومن على منابره الإعلامية للتشكيك في جدوى هذه العملية ومدى خطورتها بعد غرق الاحتلال بحرب هي الأطول منذ الإعلان عن قيام «دولة إسرائيل».
فيما يلي تقّدم قاسيون عرضاً لبعض أبرز الأفكار التي يجري تداولها في وسائل إعلام من داخل «إسرائيل» والتي ترصد بعضاً من مما جرى نشره منذ بداية القصف الصهيوني على لبنان، ثم عرض آراء يجري طرحها بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله الشهيد حسن نصر الله في 27 أيلول الجاري.
أبرز ما جرى تداوله منذ بدء العدوان على لبنان
يقدم الكاتب يوئيل غوزنسكي في يديعوت احرونوت مقالاً بعنوان «الإصغاء إلى الأعداء والأصدقاء- ما بين اتفاقيات أبراهام والحرب» يعبر فيه عن خشيته من تغيير خطاب الدول المطبعة، أو تلك التي من الممكن أن تُطبع تجاه الحرب والموقف من القضية الفلسطينية، نتيجة إطالة أمد الحرب، ويقول: «الدول العربية التي تربطها علاقات بـ [إسرائيل] فعلاً، وتلك المستعدة لإقامة علاقات بشروط معينة، تغيّر شروط هذه العلاقات الآن، لأن الحرب تؤثر في الرأي العام العربي، وهؤلاء لا يستطيعون تجاهُل ذلك، والنتيجة أن حساباتهم تتغير، ويوجهون رسالة إلى [إسرائيل]، مفادها: أنهم غير مستعدين للعودة إلى الوضع السابق قبل الحرب».
في موقع قناة N12 يقدم الكاتب يتسحاق بريك مقالاً بعنوان «ضحكات الفرح مبكرة جداً» نشر في 21 أيلول 2024 يوضح فيه الآثار المدمرة لحرب الاستنزاف الطويلة على الكيان، وخاصة في علاقته مع محيطه العربي، والدول الغربية، ويقول الكاتب: «مع الأسف الشديد، لا يُحدثُ هذا العمل التكتيكي أي تغيير في الواقع الاستراتيجي الخطِر الذي نعيشه؛ فبسبب تفجير أجهزة الاستدعاء، هناك إمكانية كبيرة لتصعيد الحرب، على الرغم من الإنجاز الهائل الاستخباري والتقني، تخوض [إسرائيل] حرب استنزاف منذ عام ضد «حماس» وحزب الله، وهي حرب تلحق بنا أضراراً جسيمة في مجالات الحياة جميعها».
وفي الموقع نفسه كتب إيتان بن إليهو مقالاً في 21 أيلول 2024 بعنوان «[إسرائيل] عالقة على الجبهتين في معركة غير منتهية» يقول فيه: «في الجبهتين؛ غزة ولبنان، [إسرائيل] عالقة في عملية غير مكتملة؛ ففي غزة، لم يتم العثور على طريقة لإقامة سلطة بدلاً من «حماس» وإنهاء القتال لمصلحة إعادة المخطوفين، أمّا في الشمال، فمنذ 11 شهراً هناك 90,000 شخص نازح من منزله، ولا يوجد حل سياسي ولا حرب. وتأمل الحكومة [الإسرائيلية] أن يؤدي الضغط العسكري في غزة إلى تحرير الأسرى، وأن يؤدي الضغط العسكري المتدرج في لبنان إلى إبعاد قوة الرضوان عن الحدود، وإعادة النازحين إلى منازلهم في الشمال، لكن مع الأسف الشديد، فإنه في هذه الأثناء، وعلى الجبهتين، لم يحقق الهدف السياسي، ونحن في حالة استنزاف مستمرة من غير المعروف متى تنتهي».
في هآرتس، يناقش الكاتب رفيف دروكر في مقالٍ إمكانية فصل مسار الحرب في غزّة عن التطورات في شمال فلسطين، وكذلك إمكانية تكرار ما حصل في القطاع من اجتياح بري في جنوب لبنان ويؤكد «الجيش [الإسرائيلي] لم يعد مرتاحاً كما كان في بداية المناورة البرية في غزة».
في يديعوت أحرونوت، كتب آفي يسسخروف مقالاً بعنوان «نحن على طريق حرب لا مفر منها» في 24 أيلول 2024 حيث يتناول الكاتب الخيارات الصعبة التي يواجهها الكيان، فإما حرب برية صعبة وغير مضمونة مع حزب الله، أو تسوية تتضمن وقف إطلاق النار في غزة، ويقول: «من أجل إجبار حزب الله على الانسحاب إلى ما وراء نهر الليطاني، ووقف النار في اتجاه شمال [إسرائيل]، ستضطر [إسرائيل] إلى القيام بعملية برية في لبنان، واحتلال مساحة واسعة من الأراضي. وحتى عملية كهذه لن تؤدي بالضرورة إلى وقف كامل لإطلاق النار، لكن يمكن أن تدفع نصر الله إلى التفكير في تسوية ما. إن ثمن العملية البرية سيكون باهظاً جداً بالنسبة إلى الطرف [الإسرائيلي].
في 23 أيلول 2024 نشر الكاتب أساف أوريون مقالاً في معهد دراسات الأمن القومي بعنوان «الطامّات العشر: مرحلة جديدة في الحرب بين إسرائيل وحزب الله» ينطلق من طرح تساؤلات حول الخيارات التي يمتلكها الكيان، والتي بنظر الكاتب تتراوح بين حرب استنزاف، والتكيف معها أو حرب محدودة لدفع حزب الله بعيداً عن الحدود الفلسطينية اللبنانية، أو هجوم محدود غير مباشر، أو شن حرب شاملة، كما لا يستثني اللجوء إلى الحلول السياسية لوقف «الأعمال العدائية» ووقف إطلاق نار دائم وصولاً «للتوصل إلى اتفاق سلام مع ترتيبات أمنية عميقة» ويعالج الكاتب الخيارات، فيقول: «يرتبط استمرار حرب الاستنزاف بثمن باهظ، من حيث الخسائر البشرية والاقتصادية، واستمرار تهجير السكان، وإضعاف الردع، وترك المبادرة في يد حزب الله. وتنفيذ هجوم بري محدود فقط يحقق نجاحاً عسكرياً موقتاً، لكن المحافظة عليه ستكبدنا تكاليف كبيرة تشمل التواجد العسكري لفترة طويلة، وتكاليف سياسية، بالإضافة إلى تعزيز رواية حزب الله بشأن مقاومة الاحتلال الأجنبي. أمّا الحرب الشاملة، فستترتب عليها أضرار كبيرة جداً للطرفين، وينبغي عدم الشروع فيها إلى أن تكون إسرائيل في مستوى عالٍ من الجاهزية، وتتمتع بدعم مؤكد من الولايات المتحدة. أمّا فرص تحقيق تسويات سياسية من دون ضغط عسكري داعم، فهي ضئيلة جداً». ويختم المقال بعرض عناصر «التفوق» للكيان، ويؤكد بأن المشكلة الوحيدة التي تحول دون تحقيق أهدافه، هي الصراع السياسي الداخلي «يجب على [إسرائيل] أن تتغلب على مصدر ضعفها الرئيسي حتى الآن، وهو الساحة السياسية الداخلية التي تعاني جرّاء ذلك أزمة سياسية عميقة ومستمرة، وحكومة تتشبث بالسلطة بعد أن فقدت دعم أغلبية الجمهور».
في هآرتس، كتب ألوف بن مقالاً بتاريخ 24 أيلول 2024 تحت عنوان «في هذه الجولة من المعركة، غالانت انتصر على نتنياهو» يتحدث فيه عن الصراع السياسي داخل الكيان، ويقول في مقدمة المقال: «يحب بنيامين نتنياهو أن يصف نفسه بـ «سيد الأمن»، لكنه طوال مسيرته السياسية، طرح مواقف عدائية تجاه الجيش، وبدلاً من أن يتواضع أمام الضباط الكبار كما فعل رؤساء حكومة آخرون، فإنه يستخف بهم ويراهم مجموعة بلا رؤية أو فهم استراتيجي، تسعى للمحافظة على رواتب التقاعد الخاصة بها، ونيل إعجاب أسيادها في واشنطن». وينبه الكاتب قيادة الكيان في ختام المقال، بأن «النتيجة النهائية لا تزال أمامنا؛ قبل أن يعرفوا من انتصر في المعركة الداخلية، نتنياهو أم الجنرالات، عليهم أن ينتصروا على حزب الله».
في يديعوت أحرونوت، كتبت أرييلا رينغل هوفمان مقالاً في 26 أيلول 2024 بعنوان «لا يتعلمون من دروس التاريخ: إذا حدث دخول بري إلى لبنان، فماذا بعد ذلك؟» ناقشت في محدودية الضربات الجوية، والتخوف من العملية البرية «هل سيُدخلون ألوية المدرعات والمشاة ووحدات النخبة؟ وهل سيستعيدون مجدنا السابق؟ وهل سيستعيدون بنت جبيل، ويدقون علماً فوق أحد أسطح منازلها؟ وما الذي سنحصل عليه؟ 48 ساعة، أو 72 ساعة من النشوة والابتهاج إلى أن يقع جنود لواء جولاني في كمين، وتكتشف إحدى وحدات النخبة أنها تقف على مدخل نفق غير مكتشَف؟»
في مكور ريشون، كتب عمير ربابروت مقالاً بعنوان «المطروح الآن على المحك: الاستمرار في الضربات الجوية أو مناورة برية» يتحدث فيه عن ضرورة استعادة قدرة الكيان على الردع بعد كارثة 7 أكتوبر، وتصاعد الهجمات عليه، من جميع الجبهات، ويتحدث عن ضرورة استثمار «التفوق الاستخبارتي التقني» للكيان في توجيه ضربة قاصمة لقدرات حزب الله، والهدف المتواضع بإرجاعه إلى شمال نهر الليطاني، على العكس من الهدف المعلن في غزة، وهو القضاء على حماس، ويقول حول العملية البرية المحتملة: «إن عملية برّية في عمق الأراضي اللبنانية يمكن أن تأخذ القتال من الساحة الجوية– الاستخباراتية- التي نتفوق فيها تفوقاً مطلقاً- إلى الجبال والوديان في جنوب لبنان، وهي المنطقة التي سيواجه فيها الجيش الإسرائيلي آلاف الصواريخ المتطورة والمسيّرات الانتحارية، وهذه ساحة يمكن أن تكون في مصلحة حزب الله. والقتال هناك أصعب كثيراً من المواقع التي يقاتل فيها الجيش الإسرائيلي حماس في قطاع غزة، حيث تكبد خسائر كبيرة. كما أن الجيش الإسرائيلي سيصل منهكاً إلى المناورة البرّية في لبنان بعد عام من القتال في الجنوب».
ماذا يقولون بعد استهداف قيادة حزب الله؟
بعد استشهاد حسن نصر الله وعدد من قيادة الحزب تظهر حالة من الارتياح في وسائل الإعلام الصهيونية، ويجري تقديم الضربة بوصفها «نصراً ساحقاً [لإسرائيل]» وهذه مسألة مفهومة بعد الاختلال الكبير في صورتها، وفشلها في تحقيق أي هدف استراتيجي خلال عام من القتال، ولكن ما يهمنا الآن، لا رصد تلك الدعاية الفارغة، بقدر ما هو رصد التحليلات التي يجري تقديمها والاحتمالات القادمة التي يراها الاحتلال.
نقلت يديعوت أحرونوت، تصريحات لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، توضح طبيعة الدعاية السياسية، وتضع النتائج التي يفترض نتنياهو تحقيقها، إذ قال: «إن نصر الله لم يكن مجرد [إرهابي] فحسب ولكنّه كان [الإرهابي]، وكان محور المحور، والمحرك الأساسي لمحور الشر الإيراني، وكان وشعبه مهندسي مشروع تدمير [إسرائيل]، لم تُشغّلهُ إيران فحسب، بل هو وجّهَ إيران مراراً» هذه الكلمات القليلة توضّح سعي نتنياهو لتقديم اغتيال نصر الله على أنّه «حل سحري» لمشاكل الكيان الصهيوني، لا بل ذهب رئيس الوزراء إلى اعتبار أن إيران كانت «مراراً» تتحرك بتوجيهاته!
في التصريحات المنقولة ذاتها، ادعى نتنياهو أن «القضاء على نصر الله يعزز عودة سكان شمال [إسرائيل] إلى منازلهم، ويعزز أيضاً عودة رهائننا في الجنوب، فإذا رأى السنوار أن نصر الله لن يأتي لإنقاذه، كلما زادت فرص إعادة رهائننا». تضع هذه التصريحات نتنياهو في مأزق جديد، وتحديداً مع رفع سقف التوقعات مجدداً.
في يديعوت أحرونوت أيضاً، نُشرت قراءة تحليلية للاحتمالات اللاحقة بعنوان «تستعد طهران للرد بعد مقتل نصر الله، ربما في الخارج»، ونبّه الكاتب، إلا أنَّ عواقب الاغتيال «ستكون وخيمة» وذّكر بأن حزب الله هو كيان عسكري وسياسي تقدّر قواه «بين 30 ألف و50 ألف مقاتل، مع ترسانة تشمل الصواريخ، وصواريخ كروز والصواريخ البالستية والطائرات بدون طيار، وتتجاوز هذه القدرات معظم الجيوش في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك بعض القوى الأوروبية». وبالرغم من أن المقال يرى الاغتيال ضربة موجعة للحزب، لكنّه نبّه إلى أن «قدرات الحزب على توجيه وابل من الصواريخ الثقيلة لا تزال قائمة»، هذا بالإضافة إلى أن طهران تلتزم بحسب هذا التحليل «بالحفاظ على القدرات الاستراتيجية لوكيلها المتمركز في لبنان» ونبّه الكاتب «إسرائيل» من احتمال أن «يسيطر القادة الإيرانيون على قوات حزب الله وينفذون أعمالاً انتقامية».
وفي مقال نشره د. راز زيميت الباحث الخبير في الشؤون الإيرانية في «المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي» قال فيه: «على عكس التقييمات الإسرائيلية المتفائلة التي سُمعت في الأيام الأخيرة... لا تزال إيران تأمل أن يتمكن المحور الموالي لها من إلحاق أضرارٍ كبيرةٍ بإسرائيل مستخدمين قدرات حزب الله الكبيرة، التي لا تزال تحت تصرفها»، وأضاف: «إن القيادة الإيرانية لا تزال تعتقد أن [إسرائيل] لا تمتلك الوسائل اللازمة لهزيمة المنظمة بشكل حاسم» ويمكن على هذا الأساس أن «تنجر [إسرائيل] إلى حرب استنزاف طويلة الأمد ضد حزب الله، خصوصاً إذا قررت شن عملية برية في لبنان» وقال أيضاً: «إن مثل هذه الحرب من شأنها أن تُرهق إسرائيل عسكرياً وعلى الجبهة الداخلية، وتمنعها من تحقيق أهدافها– سواء في غزة، أو على الجبهة الشمالية– وأهمها: هزيمة حماس، وإعادة الرهائن، وإعادة سكان الشمال إلى منازلهم»
إذا ما نظرنا إلى ما ورد في الاقتباسات السابقة، نستطيع أن نخرج بجملة من الاستنتاجات، فالكيان يتمتع بتفوق إذا ما أبقى العملية العسكرية في الشمال معتمدة على الضربات الجوية-الاستخباراتية، ولكن هذه الضربات، وإن كانت تحقق ضربات في حزب الله، إلا أنّها لن تكون كافية لإلحاق هزيمة بالمقاومة اللبنانية، وعلى هذا الأساس لا يظهر فيما يكتبه المحللون أي قناعة بأن توسيع الحرب في الشمال يمكن أن يحقق أهداف «إسرائيل» من الحرب، بل على العكس تماماً، فالقلق يبدو واضحاً من احتمالات أن تتحول «عملية سهام الشمال» أو المرحلة التالية إلى حرب استنزاف طويلة، ما يمكن أن يلحق أضراراً استراتيجيةً على قدرات الكيان، الذي اعتمد دائماً على حروب سريعة وخاطفة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1194