إصلاح المؤسسات الدولية: اتجاهان متناقضا الرؤى والأهداف!
وسط عالمٍ يتغير بسرعة تفوق التصورات، تقف الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية المرتبطة بالعالم القديم كعملاق محاط بالأسئلة والدعوات الحثيثة لإعادة تشكيله؛ إذ بات واضحاً أن النظام العالمي بحاجة إلى تغيير جذري يعبر عن حقبة جديدة.
فمن أعماق الصحراء العربية إلى العواصم الكبرى، مثل: موسكو وبكين وواشنطن، تتقاطع الأصوات حيناً في الحديث، وتتعارض حيناً آخر، فحول ماذا يدور الحديث الخاص بإصلاح المؤسسات الدولية بما فيها مجلس الأمن؟
بعض الآراء المطروحة
مؤخراً، أعلنت «مجموعة العشرين» عن تعاون الدول الأعضاء فيها لإصلاح مؤسسات الأمم المتحدة، ومنظمة التجارة العالمية، والمؤسسات المالية المقرضة متعددة الأطراف. وبهذا السياق، دعت السعودية بشكل مباشر إلى ضرورة إصلاح الأمم المتحدة، مشيرة إلى الفشل المستمر في معالجة القضية الفلسطينية، وخلال خطاب الأمير فيصل بن فرحان في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام، أكد: أن فشل المنظمة في إيجاد حلول للأزمات الإنسانية، مثل تلك التي تحدث في غزة، يُضعف مصداقيتها. كما أشار إلى الحاجة إلى «إصلاحات جذرية شاملة» في هيكلية الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن، لتعزيز قدرته على اتخاذ قرارات فعالة.
وتتفق دول الخليج (الإمارات وقطر على سبيل المثال) مع موقف السعودية في هذا الشأن، فقد أكدت الإمارات العربية المتحدة أهمية تعزيز تمثيل الدول النامية في مجلس الأمن، وجعل المنظمة الدولية أكثر شفافية وفعالية في معالجة القضايا العالمية.
وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، دعا الأمين العام أنطونيو غوتيريش إلى ضرورة إدخال تغييرات شاملة، تجعل الأمم المتحدة أكثر قدرة على التصدي للتحديات الحديثة، مؤكداً: أن النظام الحالي يعاني من نقصٍ في الفعالية، خاصة في معالجة النزاعات الطويلة، مشيراً إلى أن الإصلاحات يجب أن تشمل تحسين الهيكلية وتعزيز القدرة على الاستجابة السريعة للأزمات حسب تعبيره.
ماذا تريد روسيا؟
بطبيعة الحال، فإن هذا الحديث الذي يعود للواجهة الآن ليس جديداً، فهو قيد التداول منذ سنوات، وكان لروسيا رأي فيه؛ فبعدما اقترح الرئيس الأمريكي جو بادين زيادة عدد الدول دائمي العضوية في المجلس، ردّ الكرملين أن «مجلس الأمن»، التابع لـ«الأمم المتحدة»، بحاجة إلى إصلاحات لتشمل دولاً اكتسبت نفوذاً في الآونة الأخيرة (الهند نموذجاً)، وأن المبدأ الرئيسي في إصلاح الأمم المتحدة، يجب أن يكون في التعددية القطبية، وعندها فقط ستتمكن المنظمة من الاستجابة بشكل مناسب للتحديات الجديدة. وفي وقت سابق، دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلى تغيير طريقة تشكيل أمانة المنظمة.
الموقف الصيني
الصين، من جهتها، تُعَبّر دوماً، وبصورة واضحة عن دعمها لزيادة تمثيل الدول النامية في مجلس الأمن، وفي عدة مناسبات، دعا وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى إعطاء دور أكبر للدول الصغيرة والمتوسطة الحجم في صنع القرار داخل المجلس، مع التركيز بشكل خاص على معالجة الظلم التاريخي الذي تعاني منه أفريقيا. وترى الصين أن الإصلاحات يجب أن تركز على تحقيق التوازن بين الدول الكبرى والدول النامية، بما يتماشى مع أهدافها في تعزيز نفوذ دول الجنوب العالمي.
اتجاهان في الرؤى!
تتفق معظم الدول على ضرورة إصلاح الأمم المتحدة، لكن تختلف الرؤى حول المطلوب وكيفية تحقيقه، ففي حين تنظر بعض الدول الغربية إلى الأمر بوصفه إجراءً شكلياً قد يحل بزيادة الأعضاء دائمة العضوية التي ليس لحضورها قيمة مضافة في المجلس (اليابان وألمانيا نموذجاً)، ترى الدول ذات الوزن الجديد والحضور الدولي الفعال أن الإصلاحات يجب أن تكون جوهرية، لتصلح المشاكل البنيوية بالمؤسسات الدولية والمرتبطة بلحظة نشأتها (التوازن بين الغرب والشرق)، وفي هذا السياق تصرّ روسيا على تمثيل الهند، لما لها من دور مهم وقيمة مضافة بسياق التوازن بين الأقطاب.
بكلام آخر، هنالك من يريد زيادة عدد «الببغاوات» في مجلس الأمن والهيئات الدولية، وهنالك من يرى تغيرات على الأرض، ومن الضروري من وجهة نظره أن يجري التعبير عن هذه التغيرات، وعكسها في المجالس والهيئات الدولية لتكون تعبيراً حقيقياً عن التغيرات الجارية من جهة، ودافعاً لإحياء هذه المجالس التي أصبحت إلى حد كبير عاجزة تماماً عن حل مشاكل العالم المتفاقمة وأزماته الراهنة والمستجدة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1194