الانتخابات الإيرانية... عن هواجس التحوّلات وموازين القوى!
وسط ظروف استثنائية، وأجواء سياسية متوترة ما بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية في أيّار/مايو من العام الجاري؛ أجرت إيران انتخابات رئاسية في 28 حزيران/يونيو، وبسبب عدم تحقيق أي من المرشحَين للأغلبية المطلقة في الجولة الأولى، أجريت جولة إعادة قبل أيام، وتحديداً في 5 تموز/يوليو 2024 بين المرشحين الأعلى تصويتاً: سعيد جليلي، ومسعود بزشكيان.
من الترشح إلى الانتخابات
بدأت عملية تسجيل المرشحين في 30 أيّار/مايو، واستمرت حتى 3 حزيران/يونيو، حيث تقدم 80 مرشحاً بطلباتهم لخوض الانتخابات، من بينهم أربع نساء. وافق مجلس صيانة الدستور على ستة مرشحين فقط لخوض الانتخابات، وهو ما أثار انتقادات واسعة بحجة إقصاء العديد من المرشحين الإصلاحيين والوسطيين.
بعد فشل المرشحين في الحصول على أغلبية الأصوات في الجولة الأولى، جاءت نتيجة الجولة الثانية بفوز الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان بعد حصوله على نحو 55% من إجمالي الأصوات.
هواجس التحوّلات
واحدة من أهم القضايا التي طُرحت ضمن سياق الانتخابات الإيرانية، هي مسألة السياسات الخارجية وأثر النتائج الانتخابية عليها. تتحدث وسائل الإعلام عن بزشكيان أنه إصلاحيٌّ وسيسعى إلى تحسين العلاقات مع الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وأنه من المتوقع أن يبذل جهوداً كبيرة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، الذي انهارت أجزاء منه بعد انسحاب الولايات المتحدة في 2018 وفرضها عقوبات جديدة على إيران. وأنه سيهدف إلى رفع هذه العقوبات لتحسين الاقتصاد الإيراني.
وفي الإقليم، هنالك أحاديث أيضاً عن إمكانية حدوث تغييرات في العلاقة مع السعودية ودول الخليج الأخرى بناءً على السياسات التي سيتبناها الرئيس الجديد، وكذلك هنالك من يتحدث عن تغيرات ستطال نفوذ إيران في العراق وسورية ولبنان واليمن، وتتجه التوقعات إلى أن بزشكيان سيواجه تحديات في تعديل هذه السياسات لتخفيف الضغوط الدولية.
موازين القوى
لا يحتاج المرء إلى كثير من اليقظة ليكتشف حجم المبالغات التي تطرح في هذا السياق، إذ أن مجمل هذه الطروحات تبنى- كما يبدو- على فهم غير سليم لطريقة إدارة الأمور في إيران. بما يخص السياسات الخارجية، من المعروف وزن وتأثير الحرس الثوري الإيراني والمرشد الأعلى للثورة الإسلامية عليها. حيث يُعتبر أحد أهم القوى العسكرية والسياسية في البلاد. وبالإضافة إلى دوره العسكري، يمتلك نفوذاً كبيراً في الاقتصاد والسياسة، بما في ذلك السياسة الخارجية.
كذلك، يمتلك المرشد الأعلى، علي خامنئي، السلطة الأعلى في النظام الإيراني. ودوره لا يقتصر فقط على القضايا الدينية، بل يمتد ليشمل جميع جوانب الحياة السياسية في إيران، بما في ذلك السياسة الخارجية. للمرشد الكلمة الأخيرة في القرارات الاستراتيجية والمهمة، ما يعني أن أي تحرك في السياسة الخارجية يجب أن يكون بموافقته.
مثال جواد ظريف
للدلالة على ذلك، يمكن الحديث عن الحال أيام فترة ولاية محمد جواد ظريف كوزير للخارجية. كان هنالك تصور عامّ بأنه كان يمثل التيار الإصلاحي والتوجه نحو الغرب. ومع ذلك، كانت قدرته على التحرك محدودة للغاية بسبب الدور الكبير للحرس الثوري والمرشد.
ظريف نفسه اعترف في مناسبات عديدة بأن هامش حركته كان محدوداً، وأن العديد من القرارات المهمة كانت تُتخذ خارج وزارة الخارجية. على سبيل المثال: خلال المفاوضات النووية التي أفضت إلى الاتفاق النووي في 2015، كان ظريف المفاوض الرئيسي، لكن القرارات النهائية كانت تخضع لموافقة المرشد والحرس الثوري.
اتفاق استراتيجي مع روسيا
فوق ذلك، إنّ تسليط الضوء المستمر على الاتفاقية الاستراتيجية الجديدة ما بين إيران وروسيا بالتزامن مع الانتخابات، يحمل مؤشرات مهمّة في هذا السياق، فهو مؤشر على ثبات السياسات الخارجية. وبذلك يتضح ألّا مخاوف جدية من تغيرات استراتيجية كبرى فيما يخص السياسات الخارجية في إيران.
يشار إلى أن الاتفاقية الجديدة هي تطوير للاتفاقية التي وقعت في عام 2001 بين البلدين والتي مُددت في عام 2020 لمدة خمس سنوات، وتوقيعها سيكون في القريب العاجل كما تؤكد المصادر، حيث حالت وفاة الرئيس الراحل رئيسي دون توقيع الاتفاقية المنجزة نصّاً وفق ما أكّدته الخارجية الروسية. وهي تشمل الجوانب العسكرية والدفاعية الأمنية، وبما في ذلك، جوانب الطاقة والتكنولوجيا والطاقة والصناعة.
إخراج الولايات المتحدة
إيران تعمل بشكل معلن على إخراج الولايات المتحدة من المنطقة، وترى في ذلك الوجود تهديداً لاستقرار الإقليم، وفي السياق ذاته، يتحول الدعم الإيراني إلى عنصر مهم في مقاومة المشروع الصهيوني، كل هذه هي مفاتيح أساسية في السياسية الإيرانية، وهي أكثر ثباتاً مما يعتقد البعض، فداخل إيران تثبتت مجموعة من المسلمات، إذْ حسمت إيران موقعها ضمن اللوحة العالمية، وهي اليوم جزء من منظمة شنغهاي ومجموعة بريكس واستعادت علاقاتها مع السعودية، وتسعى إلى حل الخلافات مع مصر، ودول أخرى في المنطقة، كل هذا يرتبط اليوم بوجود إيران ودورها اللاحق، وبالتالي لا يمكن أن يكون موضوعاً للتفاوض.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1182