كلمات أولى عن الانتخابات البريطانية
نجح حزب العمال البريطاني في الانتخابات التشريعية البريطانية الأخيرة، وحصل على الأغلبية البرلمانية بعد 14 عاماً متواصلة من حكم المحافظين، لكن هل من فرق فعلاً؟
انتصر حزب العمال بنتيجة وصفت بـ «ساحقة» بعد حصوله على 410 مقاعد في مجلس العموم البريطاني من أصل 650 مقعداً، وتسلّم رئيس حزب العمال كير ستارمر منصب رئيس الوزراء وقام بتشكيل الحكومة، وفي المقابل، حصل المحافظون على 131 مقعداً فقط، بعدما كانوا 365 قبل 5 سنوات. وحصل حزب الديمقراطيين الليبراليين على 61 مقعداً، وحزب إصلاح بريطانيا على 13 مقعداً.
حاول المحافظون وحلفاؤهم خلال الحملة الانتخابية الترويج لأن حزب العمال سيسارع بتوجه البلاد نحو التقارب مع روسيا، وخرج رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون قائلاً: إن الأحزاب الأخرى غير المحافظين في بريطانيا «ليئة بالزاحفين نحو الكرملين [...] لا تدعوا أنصار بوتين يسلمون أنصار كوربين» وتأتي هذه التحذيرات استناداً إلى حالة الذعر والفوبيا التي عملت على صناعتها الماكينة الإعلامية الغربية في الرأي العام تجاه روسيا.
عملياً، لا يختلف حزب المحافظين عن حزب العمال البريطاني بشيء يذكر، سوى ما يمثل كلٍ منهما من شرائح متباينة ضمن النخب الحاكمة التي تتخاصم حول مصالحها وتوجهاتها الاقتصادية المباشرة كرؤوس الأموال، ليبدو وجود خلافات فعلية مثلاً، كمسألة بريكزت قبل سنوات، أو تباينات طفيفة أخرى حول مستوى دور الدولة وحجمه، والضرائب وما شابه ذلك داخلياً، أما على المستوى السياسي عموماً، والخارجي خصوصاً، فإن كلا الحزبين كانا على الدوام ممثلَين للنخبة الحاكمة نفسها خلفهما.. وإذا ما ظهر خلاف بنقطة ما أو انقسام داخل هذه النخبة الحاكمة فإنه ينعكس ويطفو مباشرة، أكان مجلس العموم والحكومة بقبضة المحافظين أم العمال على حدٍ سواء.
ضمن هذا الإطار، فإن وصول حزب العمال لن يغير شيئاً من المسار السياسي البريطاني ومواقف بريطانيا واصطفافها الدولي وسياستها الخارجية، ومنها ملفات أوكرانيا وفلسطين والشرق الأوسط عموماً والعلاقات مع روسيا والصين وغيرها، وفي الحقيقة، سرعان ما أكد ستارمر ذلك في أول اتصال هاتفي له مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، حيث جاء بيان صادر عن مكتبه بعد الاتصال أن الجانبين «كررا التزامهما القوي حيال أوكرانيا، وشدد رئيس الوزراء على أن الدعم البريطاني لأوكرانيا راسخ» وكان المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف قد قال: «يمكننا الحكم من خلال التصريحات السابقة، أنهم لا يميلون إلى أي مرونة أو إبداع في مجال تطبيع العلاقات الروسية البريطانية الثنائية، بل يميلون إلى مواصلة خط إنكار أي مستقبل لعلاقاتنا الثنائية، لذلك، نحن لا نشعر بأي تفاؤل في هذا الصدد».
أما حديث ودعوة وزير الخارجية البريطاني الجديد ديفيد لامي إلى «وقف فوري لإطلاق النار» في غزة و «الإفراج عن الرهائن»، يُعد تكراراً لما كان أساساً، والولايات المتحدة نفسها تتحف العالم كل يوم بسعيها لوقف إطلاق النار، الذي يتبين كل يومٍ أنهم يطمحون إليه عبر مزيدٍ من سفك دماء الفلسطينيين.. من المرجح أن الفروق بين المحافظين والعمال لن يلاحظها سوى المواطن البريطاني داخلياً، وبقضايا ثانوية حقيقةً أمام ما هو أكثر جوهرية وأساسية، من مثل الضرائب والهجرة والصحة والتعليم ومكافحة الجريمة.. الخ.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1182