إيران خطوات مدروسة تمنع واشنطن من تحقيق أهدافها
روّجت الولايات المتحدة خلال عقود مضت، فكرة مفادها أن التهديد الأساسي في منطقتنا قادمٌ من إيران لا من الكيان الصهيوني، ولم يغفل الصهاينة أنفسهم عن أهمية هذه الدعاية، بل حاولوا بث أفكارٍ كهذه دون انقطاع، وضمن هذا السياق بالذات بدأ الحديث عن «اتفاقات إبراهايم» التي يفترض أن تصطف تحت رايتها دولٌ عربية إلى جانب الكيان المحتل في مواجهة إيران. فأين وصل هذا كلُّه الآن؟
كانت إيران ولا تزال قوّة إقليمية أساسية، وتملك بالفعل قدراً كبيرة من القدرات الاقتصادية والعسكرية التي مكنتها من حجز مكانة مهمة في هذه المنطقة الحساسة، وإن كانت قدرات كهذه أثارت حفيظة دول الجوار، إلا أن الخطاب الرسمي الإيراني ظلّ يركز على أن قدراتها العسكرية موجّهة بشكل أساسي ضد أعدائها الولايات المتحدة الأمريكية و«إسرائيل».
في الأيام الماضية، عادت بعض الأصوات تحذّر من إيران وتحديداً بعد تصريحات جديدة حول قدراتها النووية.
عقيدة إيران النووية
في لقاءٍ على قناة الجزيرة، أوضح كمال خرازي مستشار المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، أن «طهران لم تتخذ بعد قراراً بصنع قنبلة نووية» لكنه أضاف بأن تغيير عقيدة بلاده العسكرية احتمالٌ ممكن «إذا ما أصبح وجود إيران مهدداً»، حينه «لن يكون هناك أي خيار سوى تغيير عقيدتنا العسكرية» حسب تعبير المسؤول الإيراني. ووضح خرازي أن ردع بلاده سيتغير في حال شن الكيان الصهيوني هجوماً على المنشأت النووية الإيرانية.
في السياق ذاته، نقلت وسائل إعلام، أن الخامنئي قال مؤخراً في اجتماع مع قادة من الحرس الثوري: إن مسؤولية حماية النظام تقع على عاتق المرشد الأعلى في البلاد «وهو وحده من يقرر الوسيلة المناسبة لحماية النظام»، مؤكداً، أنه لا تراجع عن الفتوى الخاصة بتحريم امتلاك السلاح النووي، وأن «مجرد إدراك العدو بقدرة إيران على امتلاك السلاح، «يمثل الرادع الحقيقي الذي سيجعل العدو يفكر كثيراً قبل أن يهدد النظام في طهران».
أعطى البرنامج النووي الإيراني وزناً كبيراً لطهران، فبالرغم من أن الخطاب السياسي حاول تثبيت سلمية هذا البرنامج، إلا أن ذلك لم يُنقص من وزنه في الإقليم، فإن قدرة إيران على إدارة هذا البرنامج تعطيها موقعاً متقدماً في المنطقة، حتى في حال حافظت على سلمية المشروع، فهو قبل كل شيء قادر على إمداد الاقتصاد الإيراني بمصدر رخيص للطاقة، يُنتج ويُدار محلياً، وبعيد عن الابتزاز الغربي.
خطوات إيرانية مدروسة
منذ أن نجحت بكين في استعادة العلاقات الثنائية بين إيران والسعودية، أدرك الطرفان أن هذا الإنجاز يمكن أن يتحول إلى مكسب حقيقي للاستقرار في المنطقة، ويمكن البناء عليه وتدعيمه، فطهران تعمل بجد على استعادة العلاقات مع مصر بشكلٍ كامل، وعاد هذا الموضوع إلى الواجهة بعد لقاء ثنائي جديد على هامش القمة الإسلامية الأخيرة، مع ما يعنيه ذلك من إحراز تقدم جديد في تقديم نموذج جديد للعلاقات مع الدول العربية، متجاوزين بذلك كل السموم التي حاولت واشنطن بثها، إذ صرّح وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان: «أجرينا محادثات جيدة مع وزير الخارجية المصري سامح شكري، ونحن بصدد وضع خريطة طريق لعودة العلاقات الطبيعية بين إيران ومصر».
في الوقت نفسه قال عبد اللهيان: «لقد قلنا لأصدقائنا في الدول التي تتواجد فيها قواعد عسكرية أمريكية قبل عملية «الوعد الصادق» بأنّ علاقاتنا معكم مبنية على أساس الصداقة والأخوة، إنّ دفاعنا المشروع يأتي في إطار تعزيز التعاون والأمن الإقليميين، لكن إذا أخطأت أمريكا فسنستهدف قواعدها» وأضاف: «في المحادثات والرسائل اللاحقة، سعينا لنقل هذه الرسالة إلى أصدقائنا وجيراننا» وكشف أن معظم دول الجوار أبلغت إيران عبر الخطوط الدبلوماسية «أنّها لن تسمح بأي عدون ضد إيران من أراضيها».
في ظل التطورات الخطيرة التي تشهدها المنطقة، تعمل طهران بحرصٍ واضح لتحقيق هدفين أساسيين، يتمثل الأول بالالتزام بهدفها المعلن في إخراج القوات الأمريكية من المنطقة، وردع كل المحاولات الصهيونية لتهديد المصالح الإيرانية، أما الهدف الثاني، فهو منع كل محاولات واشنطن لاستثمار الحرب في غزّة لتقويض التفاهمات الجديدة بين إيران والدول العربية الأخرى، والمثير للانتباه، أن الدول العربية المعنية تظهر مستوى عالٍ من اليقظة وتعمل على الحفاظ على هذه التفاهمات وتطويرها مع الجارة إيران.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1174