في عيد النصر على النازية... «هذا ليس عيداً للناتو»
ترافقت ذكرى عيد النصر على النازية مع ما يشهده العالم من توترات وأزمات كبرى وخطيرة، يقودها ويدعمها رعاة النازية وأحفادهم الآن، من الولايات المتحدة لأوكرانيا فالكيان الصهيوني، دافعين بالظرف الدولي لحافة تهدد بحرب عالمية جديدة، ونووية، ما لم يجرِ كبح جماحهم.
شهدت روسيا خلال الأسبوعين الماضيين حدثين هامين، الأول: تنصيب فلاديمير بوتين بولاية رئاسية جديدة لروسيا الاتحادية، والثاني: ذكرى عيد النصر وما صدر من تصريحات خلالها.
بوتين رئيساً لروسيا
في الجزء الأول، لا تعود أهمية الأمر للحدث البروتوكولي بانتخاب وتنصيب رئيس دولة ما، إنما لطبيعة المعركة القائمة بين روسيا والغرب، وما تمثله سياسة بوتين في هذا الإطار، والفترة التي شهدت مواجهة عسكرية مباشرة معهم بعهد بوتين، وتحقيق انتصارات جدية. حيث سعى الغربيون بقيادة الولايات المتحدة مراراً، ولا يزالون، إلى تغذية توترات داخل روسيا نفسها، ليس بدءاً من المعارض الراحل أليكسي نافالني وما حاوله، مروراً بأزمة قوات فاغنر ويفغيني بريغوجين، وليس انتهاء بمحاولات المساس بالانتخابات الروسية نفسها أملاً في إعاقة فوز بوتين، واستمرار سياسته في روسيا، وغيرها الكثير المستمر أساساً.
إلا أن كل الخطط والإجراءات السابقة فشلت واحدةً تلو الأخرى، وبشكلٍ محرجٍ وقاسٍ على الغربيين، فضلاً عن كل الخطوات الأخرى التي مضت بها موسكو دولياً بعهد بوتين، والسياسة التي يمثلها والتي تعارض مصلحة الغربيين وواشنطن، ليكون تنصيبه رئيساً لروسيا، مجدداً– أي تثبيت وتأكيد هذا التوجه السياسي- إشارة لثبات روسيا بوجه التدخلات الغربية والأمريكية وطموحاتهم بإضعاف الاتحاد الروسي وزواله.
وكان من اللافت، أنه مع بدء الولاية الجديدة لبوتين صدر إيعازٌ منه لوزارة الدفاع الروسية وهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة بالاستعداد لبدء تدريبات للقوات النووية الروسية، رداً على تهديدات واستفزازات يطلقها الغربيون ضد روسيا، لتؤكد موسكو جدية استعدادها وتأهبها في استخدام الأسلحة النووية للردّ على أي عدوان أو تصعيدٍ خطير.
عيد النصر.. أحفاد النازيون موجودون اليوم
ترافق ذلك مع الذكرى الـ 79 لعيد النصر على النازية، في وقت تحارب فيه موسكو النازية الجديدة في أوكرانيا والغرب عموماً، ويقاتل الفلسطينيون الصهيونية، ويشهد العالم توترات كبرى.
فقد أقامت روسيا عروضاً عسكرية في مدنها، وخاصة موسكو، ليصرّح بوتين بكلمته خلال العرض العسكري من العاصمة الروسية: «حاول الغرب تشويه حقيقة الحرب العالمية الثانية، ويثير النزاعات والنعرات القومية حول العالم، ويسعى لتقييد مراكز التنمية السيادية [...] في السنوات الثلاث الأولى من الحرب قاتل الاتحاد السوفييتي النازية بمفرده فيما عملت أوروبا برمّتها على دعم هتلر [...] الانتقام والاستهزاء بالتاريخ وتبرير النازية جزء من السياسة العامة للنخب الغربية»، وقبل يومٍ من ذلك كان قد صرح مساعد الرئيس الروسي، فلاديمير ميدينسكي «التاريخ يدل على أن الاتحاد السوفييتي هاجمه في عام 1941 ليس فقط الغزاة الألمان الفاشيون، بل والقارة الأوروبية بأسرها تقريبا [...] «حارب وطننا جيوش ألمانيا وإيطاليا ورومانيا وهنغاريا وفنلندا وفرقة إسبانية وفيلق فرنسي ووحدات من سلوفاكيا وكرواتيا وغيرها [...] كل هذه الدول أعضاء في الناتو الآن» مضيفاً، أن أوروبا يحكمها الآن «أخلاف المتعاونين [مع النازيين] والخونة. وفي بعض الأماكن النازيون الناجون. إن التاسع من مايو ليس عيداً بالنسبة لهم».
تمثل هذه التصريحات تحولاً واضحاً بالخطاب الروسي حول عيد النصر على النازية، والدور الغربي في الحرب العالمية الثانية واتجاه النازية، ففي حين كان يغلب على الخطاب في السنوات السابقة دلالات حول وجود تقاعس أو ضعف إرادة أو مهادنة وغيره من قبل الأوروبيين والولايات المتحدة تجاه ألمانيا النازية، إلا انه انتقل لآن لإبراز الوقائع كما هي دون مناورة، وبوضوح، حول دعم الغربيين عموماً لهتلر والنازية في الحرب العالمية الثانية، وارتباطهم به وبهذه السياسة، ليس خلال تلك الفترة فحسب، إنما وصولاً لليوم.
من جهة أخرى، فإن تسليط الضوء على الفكرتين كلتيهما، دعم أوروبا لهتلر، وهجوم معظم الدول الأوروبية على روسيا، وتحقيق النصر عليهم وعلى النازية في نهاية المطاف، يعني موقفاً مرتبطاً بالأزمة الجارية اليوم، فما تواجهه روسيا الآن واجهت ما يشابهه سابقاً، وما انتصرت به في حينه، تنتصر به اليوم أيضاً في أوكرانيا وعلى داعميها الأوروبيين والأمريكيين. فربما يفيد التذكير بدروس الماضي علّه يتحول عبرةً أمام ما يجري اليوم.
نازيو أوكرانيا يتخبطون
في هذا السياق، تتضح أكثر فأكثر حالة العجز والتخبط التي يعانيها الأوكرانيون، ليعلن جهاز الأمن الأوكراني مجدداً عن مزاعم باكتشاف مؤامرة لاغتيال الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي وبعض رؤساء الأجهزة الأمنية. وبعد بضعة أيام يقدم زيلينسكي على إقالة رئيس دائرة حماية دولة أوكرانيا، ويجري تغييرات عدة ببعض قيادات الأجهزة الأمنية.
يعكس هذا الأمر حجم التخبط الجاري داخل أوكرانيا، وهو يأتي أولاً من حالة الانقسام والخصام بين مختلف القيادات العسكرية والأمنية والسياسية في البلاد، مدفوعين باستحالة تحقيق الأهداف الموضوعة في الحرب الجارية باستعادة الأراضي السابقة كافة، أو «تحقيق انتصار عسكري»، ويؤكد استحالة مواصلة التوجّه السياسي الأوكراني الذي سعى ليجعل البلاد جزءاً من حلف الناتو. فأمام هذه الأهداف فشلت وتفشل أوكرانيا وتتكبد خسائر فادحة منذ عامين، ويتعاظم التهديد بإعلان الخسارة، وما يعنيه ذلك من صدمات على النظام الأوكراني وربما انهياره. وفي هذا المسار، يجري استنزاف والتضحية بالجيش والشعب الأوكراني بالقوة، فتستمر التعبئة بأشكال قاسية وصولاً لأنباء تفيد بتجنيد المساجين الأوكرانيين لتخفيف النقص الحاصل في الأفراد.
كان من اللافت تصريح مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عن أن أوكرانيا لا يمكنها أن تصمد أكثر من أسبوعين دون الدعم والإمداد الغربي لها، ليعكس هذا التصريح درجة الهشاشة والضعف الحاصل في كييف من جهة، وبنفس الوقت من جهة أخرى يؤكد دور ووزن الغربيين الكبير باستمرار الحرب مع روسيا، وأكثر من ذلك، أن يخرج رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك بتصريح له يؤكد فيه بشكل رسمي وجود قوات لحلف شمال الأطلسي «الناتو» في أوكرانيا، قائلاً: «هناك عددٌ قليلٌ من قوات الناتو في أوكرانيا، هم جنود ومراقبون ومهندسون»، ورداً على ذلك علقت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أن هذا يؤكد الحرب الهجينة من قبل الغرب ضد روسيا، ورداً على الأحاديث الفرنسية حول إرسال قواتها لأوكرانيا أصدرت الخارجية الروسية تحذيراً تؤكد فيه، أن القوات الفرنسية بحال تواجدها في أوكرانيا ستصبح هدفاً للقوات الروسية.
أبواب الحوار مفتوحة
رغم كل ذلك، من عداء وتصعيد غربي شديد اتجاه روسيا والعالم، تؤكد روسيا عبر بوتين في خطابه خلال عيد النصر، بآنٍ واحد مع إعلان استعدادها على الرد النووي، أنها مستعدة لبحث القضايا الأمنية والاستراتيجية على أساس من الندية والاحترام المتبادل، ومحاولتها منع وقوع صدام عالمي، أي الاستعداد لحل مختلف الأزمات والخلافات الجارية عبر الحوار والحلول السياسية والدبلوماسية على أساس التكافؤ.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1174