بولندا جبهة ثانية ضد روسيا أم أوكرانيا؟
مع إعلان بولندا نشرها 2000 جندي إضافي على الحدود مع بيلاروسيا بذرائع مختلفة خلال الأسبوع الماضي، تجدد الحديث بوتيرة أعلى عن محاولات الغربيين والناتو زيادة عسكرة بولندا واحتمال دفعها لفتح جبهة ثانية ضد روسيا، ذلك وبنفس الوقت وسط توترات تبرز بين وارسو وكييف سواء حول العلاقات الثنائية وتجارة الحبوب أو الحديث عن دخول قوات بولندية للسيطرة على أراض في غربي أوكرانيا.
التحشيد العسكري البولندي على الحدود البيلاروسية ليس الأول من نوعه، كان قد حدث سابقاً وسط توترات حول الهجرة غير الشرعية من بيلاروسيا وتسهيل مينسك لها، والذي وصفته وارسو آنذاك بـ «حرب هجينة»، والآن يشكل موضوع وجود قوات فاغنر في بيلاروسيا ذريعة شكلية أخرى لتعبئة وتصعيد عسكري جديد كانت شرارته الأخيرة التدريبات العسكرية البيلاروسية غربي البلاد والذي زعمت وارسو خلالها أن القوات الجوية البيلاروسية انتهكت المجال الجوي لها.
يشكل هذا التحشيد، مصحوباً مع الدعم المالي والعسكري الكثيف المقدم من الغربيين لبولندا، تهديداً أمنياً لروسيا، فضلاً عن التهديدات المتعلقة بنشر قوات لحلف الناتو في فنلندا المنضمة حديثاً إلى الحلف، والغرض من ذلك بالحد الأدنى حالياً هو محاولة الضغط على روسيا وتوزيع وجودها وجهودها العسكرية بعدة نقاط، وكان قد أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو مؤخراً «يتمركز حوالي 360 ألف جندي من قوات دول شرق أوروبا و8000 عربة مدرعة و6000 مدفع و650 مقاتلة ومروحية قرب حدود دولة اتحاد روسيا وبيلاروس».
وقال شويغو إن «المخاطر الحالية مرتبطة بعسكرة بولندا، التي أصبحت الأداة الرئيسية لسياسة الولايات المتحدة المعادية لروسيا حيث أعلنت وارسو عزمها على بناء أقوى جيش في القارة وبدأت شراء الأسلحة على نطاق واسع من الولايات المتحدة، وبريطانيا وكوريا الجنوبية، بما فيها الدبابات وأنظمة المدفعية وأنظمة الدفاعات الجوية والدفاع الصاروخي والمقاتلات»، كما نوّه إلى وجود نوايا بولندية «لاحتلال غرب أوكرانيا».
العلاقات الأوكرانية البولندية
تعد مسألة دخول قوات بولندية إلى أوكرانيا احتمالاً مفتوحاً، إلّا أنّ ما قد يعزز هذا الأمر هو التطورات والتوترات الأخيرة بالعلاقات بين الدولتين، فضلاً عن تصريح الرئيس البولندي أندريه دودا قبل يومين خلال مقابلة له مع صحيفة واشنطن بوست أن القوات الأوكرانية «غير قادرة على شن هجوم مضاد حاسم ضد القوات الروسية» مشيراً إلى عجز القوات الأوكرانية، وبالتوازي مع ذلك، أعترف منسق الاتصالات الإستراتيجية بالبيت الأبيض جون كيربي أن الهجوم المضاد الأوكراني يجري بوتيرة أقل من المتوقع، وما يقصد منه عملياً اعتراف بفشل هذا الهجوم.
من ناحية أخرى، برز خلاف جدّي بين بولندا وأوكرانيا حول تصدير الحبوب الأوكرانية، وذلك بعد طلب وارسو تمديد الاتفاق المبرم في الاتحاد الأوروبي مع 4 دول أخرى يمنحها حق حظر استيراد الحبوب الأوكرانية لصالح إنتاج المزارعين الداخليين، وتنتهي مدته في 15 أيلول المقبل، لتعترض كييف على هذا الأمر ويدور خلاف دبلوماسي بين البلدين.
وبالتوازي مع ذلك يُعاد فتح مسألة المعركة الأوكرانية البولندية قبل 80 عاماً خلال الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد «مجزرة فولين» والذي تشير إليه بولندا بوصفه محاولة تطهير عرقي قام بها الأوكرانيون المتعاونون مع النازية بحق البولنديين في المنطقة في ذلك الوقت، ويتفرع من هذه المسألة أيضاً أحاديث عن أحقية بولندا التاريخية بجزء من أراض يسيطر عليها الأوكرانيون. ويتبنّى هذا الجانب التاريخي أطراف يمينية وقومية داخل أوكرانيا وبولندا وصولاً مثلاً لأن يحمل مجموعة بولنديين خلال مباراة كرة قدم في وارسو الشهر الماضي لافتات كتب عليها «الأوكرانيون قتلوا أطفالنا في فولين» و«80 عاماً من الصمت المعيب بحق فولين»، وهي طروحات ومواقف تعطي أرضية أيديولوجية وسياسية إن تم النفخ بها لدخول القوات البولندية غربي أوكرانيا بحال اتخذ قرار جدّي بذلك. ما يمكن أن يتحول إلى مرحلة جديدة من الصراع الغربي مع روسيا التي يبدو أنها تستعد لمعارك طويلة الأمد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1135